حروب إيران بالوكالة من العالم العربي إلى الولايات المتحدة

يرتبط "فيلق القدس" الذي وجهت له أصابع الإتهام بالتآمر لاغتيال عادل الجبير، السفير السعودي في الولايات المتحدة، ارتباطاً وثيقاً بالشرق الأوسط، وغالباً ما ينفذ مخططاته من خلال وكلاء، ما يجعل من الصعب تتبع بصماتها الخاصة.

بيروت: يستعيد الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة الأميركية الوسطى، أحياناً القصة التي شهدها عندما أرسل له قائد "فيلق القدس الإيرانية" التابعة للحرس الثوري، رسالة حول التمرد الدموي الذي يمزق العراق إلى أشلاء.

اعتبرت صحيفة الـ "نيويورك تايمز" أن قاسم سليماني، الجنرال الإيراني وقائد فرقة القدس الغامضة (نیروی قدس)، أراد أن يقول لبترايوس أن كليهما متساويان في القوة والسلطة، بما أن سليماني يسيطر على سياسات إيران تجاه العراق ولبنان وغزة وأفغانستان.

ويذكر بترايوس، الذي يشغل اليوم منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، أن سليماني كان يتبجح بأن اثنين من سفراء إيران إلى بغداد كانوا من "فيلق القدس".

وقال بترايوس خلال مشاركته في العام الماضي في لقاء لمعهد دراسة الحرب: "هذه التصريحات والسلوكيات تجعل من الدبلوماسية مهمة صعبة. فأنت تعتقد أنك ذاهب الى القيام بمهمتك عبر الوسائل التقليدية للدبلوماسية من خلال التعامل مع وزارة الخارجية لدولة أخرى، غير أنك في هذه الحالة تتعامل مع شخص ليس من الوزارة، بل جهاز أمني (فيلق القدس) الذي يقوم أيضاً بأنشطة أخرى".

واعتبرت صحيفة "نيويوك تايمز" أن تلك "الأنشطة الأخرى" غالباً ما تميل إلى العنف، مشيرة إلى الاتهامات الجديدة ضد فيلق القدس يوم الثلاثاء، عندما وجهت الولايات المتحدة أصابع الاتهام إلى هذه الفرقة بالتآمر لاغتيال عادل الجبير، السفير السعودي في الولايات المتحدة، وتفجير السفارة السعودية في واشنطن.

وتتنافس إيران، التي تعتبر مركزاً للطائفة الشيعية، والمملكة العربية السعودية معقل المسلمين السنة، على النفوذ في العالم الإسلامي منذ الثورة الاسلامية عام 1979. وعلى الرغم من أن العلاقة بين الدولتين قد مرّت بفترات بسيطة من الانفراج، إلا أن الربيع العربي أدى إلى منافسة محمومة حول مستقبل كل بلد تقريباً كالبحرين وسوريا واستطراداً لبنان والعراق.

ويقول فالي نصر، أستاذ الدبلوماسية الدولية في مدرسة فليتشر في جامعة تافتس إن الربيع العربي قد رفع المنافسة على الحصص بين إيران والسعودية إلى حد كبير.

ويعتبر الخبراء أنه من المحير وغير المعهود ان يربط "فيلق القدس" نفسه علناً بالتخطيط لهجوم إرهابي على الأراضي الاميركية، خصوصاً في وقت تواجه فيه إيران درجة عالية من التدقيق والضغوط الدولية بسبب برنامجها النووي.

ويرتبط "فيلق القدس"، وحدة العمليات الدولية في الحرس الثوري الإيراني، ارتباطاً وثيقاً بالشرق الأوسط، وغالباً ما ينفذ مخططاته من خلال وكلاء، ما يجعل من الصعب تتبع بصماتها الخاصة.

واعتبرت "نيويورك تايمز" أن بعضاً من عملاء هذه القوة في الدول الأخرى يشملون حزب الله في لبنان وحركة حماس الفلسطينية، وجيش المهدي في العراق وبعض عناصر من حركة طالبان في أفغانستان، وأن أي تعامل إيراني مع تنظيم القاعدة يتم من خلال فيلق القدس.

ولد "فيلق القدس" من مكتب حركات التحرر الذي شكل مباشرة بعد الثورة الإيرانية لمساعدة الحركات الراديكالية، وخاصة في الشرق الأوسط، ويعتبر اليوم من الفروع الخمسة التابعة للحرس الثوري، وأكثرها استقلالية، إذ يقدم تقاريره مباشرة الى الزعيم الاعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.

كان أحمد وحيدي، الوزير الحالي للدفاع، القائد العام السابق لفيلق القدس، وهو مطلوب من قبل الشرطة الدولية (الانتربول) بناء على مزاعم عن دور إيران في التخطيط لتفجير عام 1994 لمركز ثقافي يهودي في الأرجنتين الذي قتل فيه 85 شخصاً.

وتتجه أصابع الاتهام نحو "فيلق القدس" في هجمات أخرى تشمل تفجير أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية في عام 1996 واغتيال شخصيات من المعارضة الإيرانية في أوروبا. ونفت الحكومة الإيرانية بقوة أحدث الاتهامات التي طالتها من قبل الحكومة الاميركية ووصفتها بأنها جزء من حملة تشويه طويلة.

وأشارت الصحيفة إلى أن الخلافات الجديدة والمتجذرة في مستقبل عالم العرب، وترت العلاقات مجدداً بين طهران والرياض. فإيران كانت تبدو مسيطرة في العراق ولبنان، حيث تم الانقلاب على الحكومات السنية السابقة.

ولا تزال سوريا بانتظار أن تصبح لقمة سائغة، في الوقت الذي اتهمت فيه "فيلق القدس" بتدريب القوات السورية لإخماد الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها الدولة.

لكن الخبراء يجدون انه من الغريب أن تنقل إيران حروبها بالوكالة إلى الأراضي الأميركية، إذ يقول نصر إن "المخاطر عالية، ومردود المناورة منخفض، كما أن تنفيذ مخططات إيران على أرض الولايات المتحدة سيكون أكثر من مثير للحيرة".