أخبار

زمن أبوعلي كان سيئا... والنظام الحالي أسوأ

فنانو تونس يتحدون التطرف بالموسيقى والغناء

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يعمل فنانو تونس بجهد للتعبير عن رأيهم، خاصة مقدمو أغاني الراب، ويضطرون أحيانا إلى العمل سرًا، خوفا من تعرضهم للاعتقال او التعذيب من الشرطة خاصة أن العهد الحالي لا يعتبر أفضل من أيام أبو علي.


لندن: يعمل السينمائي التسجيلي التونسي عبدي نجيب مقدم أغانٍ أو ديسك جوكي، يمارس هوايته في السر حين لا يكون منهمكًا بتصوير فيلم وثائقي. وقبل أن يصبح نجيب مطلوبًا للشرطة، كان يتابع جلسة تسجيل موسيقية في قبو تزين الشعارات جدرانه في ساعة متأخرة من الليل. تعبير عن الرأيوكان نجيب (29 عامًا) يستمع إلى شاب يسجل أغنية من اغاني الراب بكلمات تنتقد السياسيين حين قال إن التونسيين يتجرأون الآن على الإفصاح عن رأيهم بعد الانتفاضة التي حررتهم عام 2011. وأضاف نجيب "نحن متنفس للأشخاص الذين لا يستطيعون التعبير عن طريق المنابر التقليدية". وأوضح أنه في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، كان يعمل في محطة إذاعة محلية "وكان العمل فيها كمن يعمل لحزب سياسي". وعندما فجّر البائع المتجول محمد البوعزيزي ثورة الياسمين بإضرام النار في نفسه أواخر 2010 انتعشت آمال التونسيين بعودة الحريات المدنية. ولكن صعود الأحزاب الاسلامية أفرز متسلطين قرروا أن يطبقوا الشريعة الإسلامية كما يفهمونها في واحد من أكثر البلدان العربية علمانية. وبعد أشهر من الاحتجاجات على خلفية أزمة اقتصادية واغتيالات سياسية، سقطت حكومة حركة النهضة الاسلامية وقبلت قيادة الحركة باستئناف المفاوضات لتشكيل حكومة من المستقلين تمهيدًا لانتخابات جديدة في ربيع العام المقبل. وضع سياسي شائكولكن استمرار ملاحقة الوسط الفني الذي يتسم بنشاط متميز في تونس، يلقي الضوء على وضع سياسي شائك يهدد بإجهاض عملية واعدة للانتقال إلى الديمقراطية. إذ هاجم متطرفون عروضًا فنية فيما يرزح في السجون عشرات الموسيقيين والفنانين أو اضطروا إلى الاختفاء. وفي ايلول(سبتمبر) الماضي، وجّه الإدعاء العام اتهامات ضد اثنين من النحاتين بسبب أعمال فنية قال إنها "تعكر صفو النظام العام والأخلاق الحميدة". وفُرضت غرامة على مالك قناة "بسمة" التلفزيونية لقيامها ببث فيلم الرسوم المتحركة الفرنسي "بيرسيبوليس".
إنجازات سريةوإذ شعر مقدم الأغاني والسينمائي التسجيلي نجيب بالاختناق في هذه الأجواء لجأ إلى ناشط على الانترنت في الولايات المتحدة، علَّمه مع مجموعة من المصريين والمغاربة كيف يجمِّعون مرسلة اذاعية. فانطلق صوت اذاعة "شعبي" التي تبث في الغالب تسجيلات تُنجز سرا تحت جنح الظلام.وكانت التسجيلات الأولى في جانب منها احتفاء بالموسيقى المتحررة من تهديد المتطرفين والمتزمتين، مع محاولة المزج بين الموسيقى العربية التقليدية وأغاني الراب. وشملت المساعي ذات التوجه السياسي أعمالا سُجلت بالتعاون مع موسيقيين من فلسطين.
النظام المتسلطوقال نجيب لصحيفة الغارديان "إن مشروعا كهذا ما كان ليرى النور إلا في عالم ما بعد بن علي، ولكن هذا لا يعني أن الادارة الحالية أفضل، فهي نظام ضعيف يريد السيطرة على المواطنين ولكنه يعجز عن ذلك بسبب مقاومتهم". ونفت الحكومة التونسية مرارًا مثل هذه الاتهامات، وقال متحدث باسم حركة النهضة إن الحركة "ليست مسؤولة عن أية قرارات أو اجراءات قضائية".بعد أيام على حديث نجيب، لصحيفة الغارديان، اعتقلته قوى الأمن مع سبعة من رفاقه في عملية دهم ليلية وأُلقي بهم في السجن. تمرّد التونسيةفي هذه الأجواء، انطلقت نسخة تونسية من حملة "تمرد" المصرية التي اسقطت حكم الاخوان المسلمين في مصر، وإذ رأت حركة النهضة ما آلت اليه حليفتها جماعة الاخوان المسلمين في مصر، حاولت استخدام الحوار ولكنه أسفر عن أشهر من الطريق المسدود إلى ان سلَّمت حركة النهضة بتشكيل حكومة من المستقلين حتى إجراء انتخابات جديدة. ولكن نبيل وهو فوضوي اتهم الشرطة التونسية بضربه لتوزيعه شارات مناهضة للرأسمالية خلال إحدى التظاهرات، أكد انه فقد ثقته بقدرة الأحزاب السياسية على إحداث تغيير في تونس. طفرة سياسية وفكريةورغم ان الفوضويين التونسيين فئة صغيرة فإن خيبتهم تلقى أصداء واسعة بين التونسيين. وقال مجد مستورة وهو شاعر يلقي قصائده في الشوارع تحت مراقبة مخبرين سريين بملابس مدنية "إن الثورة أحدثت فكريا وسياسيا طفرة طولها 15 سنة". واضاف "ان القضية تتمثل في ان الذين يؤيدون المتطرفين هم ايضًا تونسيون وليسوا مستوردين من غابون أو فرنسا أو الفضاء الخارجي". ويستخدم مستورة في قراءاته الشعرية التي يقدمها في الشارع اللهجة التونسية الدارجة وليس العربية الفصحى او الفرنسية اللتين تشيران إلى مكانة اجتماعية أعلى. وما مغزاه أن الرئيس المخلوع بن علي لم يتكلم باللهجة التونسية المحكية في خطاب إلا مرة خلال 23 عاما من رئاسته، كانت في يوم رحيله عن تونس. وقال محللون إنها كانت محاولة أخيرة للوصول إلى دائرة اوسع من الجمهور، الريفي في الغالب. وعلى بعد ساعات من المدن الساحلية التي تعج بالسياح توجد تونس أخرى فقيرة، كانت موطن عقود من الانتفاضات، وفي سيدي بوزيد أمام المبنى حيث أشعل البوعزيزي نفسه ليضيء درب الثورة، كان مشرد ينام تحت جدار كتُبت عليه شعارات سياسية بينها شعار يقول "الثورة: صُنعت في تونس". وأُعيدت تسمية الشارع الرئيس باسم البوعزيزي إحياء لذكراه.ولكن تونسيين من أهل المدينة قالوا ان شيئا ما عدا اسم الشارع لم يتغير عمليا. فالبطالة التي ضحى البوعزيزي بنفسه للاحتجاج عليها، ارتفعت إلى أكثر من 15 في المئة منذ عام 2011. ولجأ آلاف العاطلين إلى السوق السوداء في الأزقة الخلفية من العاصمة. وقالت الممثلة والكاتبة المسرحية ليلى طوبيل "إن هناك اشياء مخيفة تحدث في مجال الأمن والاقتصاد. لا اعرف من تجرأ على تسمية الانتفاضة ثورة الياسمين. انها ثورة لم تنته وفي زمن الشهداء والجرحى لا يمكن الحديث عن زهرة جميلة مثل الياسمين". ثم اضافت "ان زهرة الياسمين تعبق بالشذى لكنها تذبل بسرعة".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف