أكدوا أن هدف الخاطفين الابتزاز المالي والضغط على الضاحية
المحررون اللبنانيون: أرادوا بالقهر النفسي تبديل عقيدتنا وفشلوا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يؤكد اللبنانيون المحررون أن الضغط النفسي الذي واجهوه كان يضاهي نظيره الجسدي إيلامًا إلا أنهم رغم ذلك لم يغيّروا قيد أنملة من عقائدهم السابقة، وأوضحوا أن الخوف كان أصعب ما تعرّضوا له، عازين سبب خطفهم إلى الابتزاز المالي والضغط على أهل الضاحية.
بيروت: بين سيل المهنئين والإعلاميين، الذين يدقون أبوابهم من دون توقف منذ ليل السبت، يروي اللبنانيون العائدون إلى الحرية بعد 17 شهرًا من الاحتجاز لدى مجموعة من المعارضة المسلحة في شمال سوريا، يروون قصصًا عن المعاناة، والخوف والإذلال.. ويطلقون على خاطفيهم أبشع النعوت.
لم تنم الضاحية الجنوبية لبيروت، التي يقطنها الرهائن المحررون منذ وصول هؤلاء إليها السبت تحت وابل من الأرز والزهر، وعمّت أجواء الاحتفال، معقل حزب الله، الذي لم يتردد العائدون بتجديد مبايعتهم له، معتبرين خروجهم من الاحتجاز انتصارًا على "التكفيريين"، الذين يحاربون على أرض سوريا ضد قوات النظام.
في منطقة بئر العبد في الضاحية، يجلس علي ترمس في منزله المزيّن بالبالونات الصفراء بين زوجته وأولاده الثلاثة، يتلقى التهاني بالسلامة. ويقول لوكالة فرانس برس "كانت معاناة صعبة. تعرّضنا لإرهاق وتعب نفسي وتعب جسدي، وتلفت أعصابنا. وتم نقلنا من مكان إلى آخر. أحصيت نقلنا 13 مرة وربما أكثر".
حرب نفسية
يضيف "وعدونا مئة مرة بأنهم سيفرجون عنا، وكلما نقلونا من مكان إلى مكان، كانوا يكذبون، ويقولون لنا سنفرج عنكم، ثم لا يحصل ذلك. عذاب نفسي حقيقي". وقد أقاموا تارة في خيمة تحت شمس حارقة، وطورًا في معسكر تابع لـ"لواء عاصفة الشمال"، الذي كان يحتجزهم في مدينة أعزاز على بعد حوالى كيلومترين من الحدود التركية، أو في غرفة صغيرة غير مجهزة عند معبر باب السلامة على الحدود التركية.
يوضح ترمس "لم يكن لدينا شيء. علينا أن نخترع طريقة لتعليق ملابسنا حتى تجفّ بعد غسلها، وطريقة لتحضير الطعام. في مرحلة معينة كنا نعد الطعام داخل الحمّام"، مضيفًا إنهم حصلوا على طعام جاهز لفترة، لكن "في ما تبقى كانوا يأتوننا بالأغراض ونحن نحضّر الطعام".
كان علي ترمس واحدًا من 11 شخصًا خطفوا لدى عودتهم من زيارة حج إلى العتبات المقدسة في إيران برًا عبر تركيا وسوريا. وقد تم اعتراضهم بعد وقت قصير على عبورهم الحدود في حافلتين. وأنزل المسلحون الرجال، وطلبوا من سائقي الحافلتين متابعة طريقهما مع النساء والمسنين. وفي الأشهر الأربعة اللاحقة، تم الإفراج عن رجلين، ليبقى التسعة الآخرون في الاحتجاز.
ويؤكد ترمس بينما تجول صواني القهوة والبقلاوة على المهنئين، أن سبب خطفهم "هو الابتزاز المالي والضغط على أهل الضاحية" الشيعة. ويحمل الشاب علي عباس من جهته بشدة على الخاطفين، متهمًا إياهم بـ"الكذب والافتراء". ويقول من منزله في المريجة، الذي غصّ أيضًا بالمهنئين والزهور "هؤلاء ليسوا سنة ولا شيعة، وليسوا مسيحيين ولا بشر أبدًا... همّهم الوحيد المال".
حرب ضد الشيعة
ثم يضيف بينما أهله يستقبلون الزوار بالعصير والحلوى، "التعذيب النفسي والمعنوي والمساس بكرامة الناس أصعب من التعذيب الجسدي. عندما يكون للإنسان مبدأ مصمم عليه وعقائد متمسك بها، وتهان هذه المبادئ، ويسعى أحدهم إلى تغيير ثوابته، بحجة أنه كافر، بقوة السلاح والحصار والظلم والقهر... هذا أقوى من التعذيب الجسدي".
وكان عباس شعيب، منظم رحلة الحج إلى إيران، والذي كان من ضمنها، هاجم فور نزوله من الطائرة، التي أقلّت اللبنانيين التسعة الشيعة من مطار صبيحة في إسطنبول إلى مطار بيروت ليل السبت، الخاطفين بعبارات عنيفة. وقال عبر شاشات التلفزة اللبنانية التي كانت تنقل الحدث مباشرة على الهواء: "إن الجماعة إذا جاؤوا إلى بيروت سيعتبرون نساءنا سبايا لهم، ورجالنا، صغارًا وكبارًا، سيتم تقطيعهم بلا استثناء. الحرب هي ضد الشيعة".
وفيما أكد ترمس وعباس أنهما لم يتعرّضا للضرب أو التعذيب، قال عباس شعيب في مداخلة تلفزيونية "تعرّضت لأقسى أنواع الضرب، ربطوني بالحديد، ضربوني على ظهري وساقي، وكانوا يطلقون الرصاص من حولي". وقال ذوو عباس شعيب خلال فترة احتجازه إن خاطفيه يتهمونه بأنه مسؤول في حزب الله، مؤكدين أن الأمر ليس كذلك.
وبقي حزب الله، الذي يواجه انتقادات كثيرة في لبنان بسبب تورّطه في القتال في سوريا، بعيدًا نسبيًا عن الأضواء في مسألة المخطوفين، تاركًا التفاوض في شأنها للحكومة اللبنانية، متجنبًا تعريض اللبنانيين الشيعة لمزيد من الأخطار. ويقول علي عباس "أصعب ما تعرّضنا له هو الخوف. 11 مقرًا من الأماكن التي كنا فيها دمّرت في قصف وتفجيرات. وفي مراحل كثيرة، ظننا أنهم سيقتلوننا".
لحظة لا توصف
وعلى الرغم من أن نبأ الإفراج عنهم أعلن مساء الجمعة، فإن اللبنانيين المحررين يؤكدون أنهم وصلوا إلى تركيا صباح الخميس.
ويقول عباس "دخل علينا مسلحون الخميس، ووضعوا أكياسًا في رؤوسنا، واقتادونا بسيارات مسافة نصف ساعة أو أكثر، ثم أنزلوننا وأدخلوننا إلى غرفة. عندما أزالوا الأكياس عن وجوهنا، رأينا رجلًا مدنيًا محترمًا، تبيّن في ما بعد أنه تركي، قال لنا: الحمد لله على السلامة. أنتم في أمان داخل الأراضي التركية". ويتابع "كانت لحظة لا توصف، كان شعورًا رائعًا. كنا فقدنا الأمل بالعودة، وبكلمة واحدة تغير كل شيء".
ويشكر اللبنانيون التسعة كل من ساهم في إطلاقهم من مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، الذي باتت صوره منتشرة في شوارع الضاحية الجنوبية، إلى دولة قطر، التي يتردد أنها دفعت مبلغًا طائلًا للإفراج عنهم، إلى الرئيس السوري بشار الأسد، الذي قالت السلطات اللبنانية إنه وافق على الإفراج عن عشرات السجينات السوريات بناء على طلب الخاطفين. علمًا أن أي مصدر لم يتمكن من تأكيد عملية الإفراج هذه. لكن الشكر الكبير يبقى للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله.
يقول علي عباس "الشكر الكبير الأول والأخير وكل الإنحناء والعظمة لسماحة السيد حسن نصرالله، الذي كان أملنا الوحيد طوال فترة الخطف".