أخبار

بعد إحياء التعليم الديني والتحفظ على قانون الأحوال الشخصية

إسلاميو تونس يثأرون من الإرث البورقيبي... يعيدون العمل بـ"الأوقاف"

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بعد أكثر من نصف قرن على إلغاء العمل بنظام "الأوقاف" في تونس، أعاد الاسلاميون السجال بخصوص هذه المنظومة الدينية، إذ تقدم 42 نائبًا من المجلس الوطني التأسيسي بمشروع قانون لإعادة العمل بالأوقاف، ممّا أثار مخاوف من ضرب هذه المنظومة لمدنيّة الدولة.

مجدي الورفلّي من تونس: أثار مشروع قانون إعادة إحياء نظام الأوقاف في تونس جدلاً صاخبًا، وتراوحت ردود الفعل بين رافض للمشروع ومتخوّف من ضرب مدنيّة الدّولة، ومساند له يرى أن إلغاءَه كان خطأ دفعت عديد الفئات الاجتماعية ثمنه على مرّ أكثر من 50 سنة، ومستهجنٍ لتوقيت عرضه معتبراً أنّه يهدف لإلهاء الرّأي العام زمن الأزمة الخانقة التي تعيشها تونس.

واتهم مناهضون لمشروع قانون الأوقاف حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس بوضع مخطط كامل للثأر من الرّئيس الأول في تاريخ تونس الحبيب بورقيبة، الذي ألغى العمل بنظام الوقف، فيما تنفي الحركة الإسلاميّة هذه الاتهامات.

و"الوقف" هو مصطلح ديني إسلامي، يعني كذلك "الحبس" أو "المنع"، ويفيد "حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدق بالمنفعة على مصرف مباح".

ويشمل "الوقف" الأصول الثابتة كالعقارات والمزارع وغيرها، ويشمل كذلك الأصول المنقولة التي تبقى عينها بعد الاستفادة منها كالآلات الصناعية والأسلحة، أما التي تذهب عينها بالاستفادة منها فتعتبر صدقة كالنقود والطعام وغيرها.

ويختلف الوقف عن الصدقة، في أن الصدقة ينتهي عطاؤها بانفاقها، أما الوقف فيستمر في الانفاق في أوجه الخير حتى بعد الوفاة.

ظواهر تشابه الشّعوذة

وزير الماليّة السّابق حسين الديماسي علّق خلال حديث مع "إيلاف" على التوجّه نحو إعادة إحياء منظومة الوقف، قائلاً: "كنّا نعتقد أن مثل هذه الظواهر التي تشابه الشّعوذة في تخلّفها قد ولّى عهدها منذ فترة الرّئيس بورقيبة، ولكن ها هم يريدون إعادة إحيائها من جديد في محاولة لضرب مؤسّسة الدولة".

ويتابع الديماسي: "في حالة تمرير هذا القانون سيكون أكبر كارثة قد حلّت بالبلاد فالوقف يمكن أن يصبح وسيلة لزرع دويلات داخل الدّولة بصفة تدريجيّة وضرب الدولة المدنيّة لتأسيس أخرى ثيوقراطيّة دينيّة دون الحديث عن ضرره على المستوى الاقتصادي والاجتماعي".

ويرى وزير الماليّة السابق أن الأخطر هو السّعي عبر إعادة منظومة الوقف إلى تغيير النمط التعليمي والمجتمعي الذي أرساه الرّئيس السّابق الحبيب بورقيبة.

الثأر من بورقيبة

من جانبه، قال المؤرخ عبد الواحد المكني إنّ "حركة النهضة وضعت مخططاً كاملاً للثأر من الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، فإعادة طرح موضوع الأوقاف تكملة لمساعٍ سابقة حاولت خلالها إلغاء الفصل الأول من دستور 1959، والتراجع عن التبني في مجلة الأحوال الشخصية باقتراح الكفالة والتشكيك في مكتسبات المرأة باعتبارها مكملة وليست شريكاً فاعلاً".

ويرى مراقبون أنّ حركة النهضة التي أعادت العمل بالتعليم الزيتوني الذي أوقفه بورقيبة، وتحفظات بعض كوادرها على قانون الأحوال الشخصية الذي يعتبر سابقة في المنطقة العربية، ومؤخراً إعادة العمل بالأوقاف، إنما تحاول ضرب الإرث البورقيبي الحداثي.

ولكن النهضة تنفي تلك الاتهامات، وتقول إنها متمسكة كبقية الأطياف السياسية في تونس بالمكاسب التي تحققت سابقاً.

لا فائدة اقتصادية

الخبير الاقتصادي معز الجودي أكّد في حديث خصّ به "إيلاف" أن آثار إعادة العمل بنظام الأوقاف ستكون سلبيّة لأنّه سيخلق مؤسّسات عموميّة موازية كالمدارس والمستشفيات التي من الممكن أن يقع توظيفها لخدمة مصالح إيديولوجيّة.

ويوضح الخبير الاقتصادي قائلاً: "منظومة الأوقاف يمكن أن تخلق نُظم تعليم وصحّة موازية تختلف إستراتيجيّة إدارتها عمّا تتّبعه الدولة، كما أنه لن يكون للوقف أي فائدة اقتصادية تذكر".

حملة هيستيريّة

في المقابل، وصف الباحث في تاريخ الحضارة الإسلامية سامي براهم ردود الفعل المناهضة لقانون الأوقاف بـ"الحملة الهستيريّة"، واعتبر أنّ هذه الحملة لم ينخرط فيها السياسيّون فقط، بل العديد من الجامعيين الذين يُفترض أن لهم حدًّا محترمًا من الحس المنهجي والأفق المعرفي الذي يخوّل لهم تحليل المسائل بحدّ من الموضوعيّة والاتزان، على حد تعبيره.

ويرى براهم أن الأغرب في هذه "حملة الشّرسة" هو الإدّعاء أن الوقف منظومة وسيطة متخلّفة مضادّة للحداثة والمدنيّة ومهدّدة لاقتصاديات الدولة الحديثة ومنظومتها الاجتماعية.

ويضيف الأستاذ بالجامعة التوّنسيّة: "في الدّول التي تنتمي لمنظومة الحداثة السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية نجد أن موارد العديد من المنظّمات والمؤسّسات لا تغطّي فقط ذوي الحاجات، بل تساهم في الإنتاج والاستثمار والتشغيل والنّهوض بالكثير من الأعباء الوطنيّة، تعتمد على الوقف".

نظام بورقيبي

ويختم قائلاً "هذه المنظومة التي عجز الاستعمار عن اختراقها وتهديمها وأوقفها النّظام البورقيبي لتسهيل إخضاع المجتمع ورهنه لدولة أثبتت عجزها عن الإيفاء بحاجات الكثير من الفئات الاجتماعية التي ظلّت مهمّشة ومفقّرة طول نصف قرن ونيف، هذه المنظومة يرادُ اليوم تعطيل تفعيلها بكل الوسائل والأشكال في نفس سياق الثّورة المضادّة".

وكان الرّئيس السابق الحبيب بورقيبة قد ألغى العمل بنظام الأوقاف في 1957.

استحقاق

وزير الشؤون الدينية التّونسي نور الدين الخادمي، أكد أن مشروع قانون الأوقاف "لا يهدد البتة مدنية الدولة باعتبار أن المؤسسة الوقفية تقوم على تحقيق أهداف تنموية واجتماعية وتربوية نبيلة، بسند ديني وعلى أساس عقود مدنية".

وأعتبر في تصريحات إعلاميّة بأن الوقف "من استحقاقات الثورة"، كما أنّه سيساهم حسب الخادمي في "معالجة آفات الفقر والبطالة ودفع عجلة التنمية، ليكون بذلك إحدى آليات إصلاح المجتمع".

وتقدم بمشروع القانون 42 نائبًا من المجلس التأسيسي (البرلمان) من بينهم 25 نائبًا من حركة النّهضة و17 نائبًا من أحزاب التكتل من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهورية (حزبان في الحكم) وحركة وفاء وتيار المحبة ومستقلون.

إلهاء الرأي العام

النّائبة عن التيّار الديمقراطي بالمجلس الوطني التأسيسي سامية عبّو ذهبت من خلال إفادتها لـ"إيلاف" إلى أن توقيت عرض مشروع قانون الأوقاف يمكن أن يكون وراءه توجّه سياسي نحو تحويل النّقاش بخصوص الأزمة التي تعيشها البلاد في اتجاه التركيز على هذا القانون و محاولة إلهاء الرأي العام.

وتساءلت النّائبة بالمجلس التأسيسي (البرلمان) قائلة: "هناك عديد المشاريع المستعجلة تمّ تركها جانبًا ولم يقع النّظر فيها إلى حدّ اليوم، فلماذا يُعرض هذا القانون بسرعة ؟"

وتعيش تونس على وقع أسوأ أزمة سياسيّة، اندلعت منذ مقتل النّائب محمد البراهمي في 25 يوليو الماضي، ولا تزال متواصلة خاصّة بعد فشل المفاوضات لاختيار رئيس الحكومة المقبلة التي ستقود البلاد نحو ثاني انتخابات بعد الثّورة.

إحياء التعليم الديني

في 12 أيار/مايو 2012 أعلنت مشيخة جامع الزيتونة "استئناف التعليم الزيتوني الأصلي" بالجامع وفروعه الـ 25 في تونس.

وقال الشيخ حسن العبيدي شيخ الزيتونة إن حوالي 7000 طالب وطالبة يدرسون اليوم في جامع الزيتونة وفروعه "على المنهج الزيتوني العصري".

ولفت إلى أن "تغييب دور جامع الزيتونة الدعوي والتعليمي لعقود في تونس أدى إلى انتشار الفكر الوهابي المتطرف والدخيل على البلاد، وظهور جماعات تكفيرية وإرهابية".

وفي 12 أيار/مايو 2012 وقع وزراء الشؤون الدينية، والتعليم العالي، والتربية والشيخ حسين العبيدي إمام جامع الزيتونة، على وثيقة نصت على أن "جامع الزيتونة مؤسسة إسلامية علمية تربوية مستقلة غير تابعة" للدولة و"تتمتع بالشخصية القانونية" وعلى أن العبيدي هو "شيخ الجامع الأعظم وفروعه" وأن التصرف في الجامع وتنظيمه يعود إلى المشيخة دون سواها.

لكن الوزراء الثلاثة تنصلوا من هذه الوثيقة، وأعلنوا في بيان مشترك أصدروه في 8 أغسطس/آب 2012 أن "مشيخة جامعة الزيتونة تابعة قانونيًا لرئاسة الحكومة" وأن "إدارة جامع الزيتونة من حيث تعيين الأئمة والمؤذنين وسائر الأعوان وتنظيم المناسبات والدروس العلمية والتوعوية هي من مشمولات وزارة الشؤون الدينية وتحت إشرافها المباشر".

وفي آب/أغسطس 2012 أقرت محكمة تونس الابتدائية باستقلالية جامع الزيتونة ورفضت دعوى قضائية استعجالية أقامتها وزارة الشؤون الدينية لتنحية حسين العبيدي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف