أخبار

بالرغم من جهود مستميتة لإبقائهم في أرضهم

مسيحيو العراق في موسم الهجرة إلى بلد أكثر أمانًا من بلدهم

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

غادر عدد كبير من المسيحيين العراق، ومن بقي منهم قد لا يبقى حتى عيد الميلاد في العام القادم، بعد عودة فرق الموت لتقتل الناس وترمي جثثهم في مناطق المسيحيين، كالدورة وغيرها.

بوصفه آخر قس مسيحي في منطقة الدورة جنوبي بغداد، لم يعد كبير الشماسين تيماثيوس إيشا يكتفي بعيون ربه القادرة على رؤية كل شيء، بل وضع في جدران كنيسته، بين صور القديسين، كاميرات تعمل بنظام الدائرة المغلقة لمراقبة كل ركن من اركان كنيسته، تحسبًا لاستهدافها بهجوم.

قرار الرحيل

وبهذه الكاميرات، مع الحراس المسلحين خارج الكتل الخرسانية المحيطة، تبدو كنيسة القديسة شموني أقرب إلى الحصن منها إلى دار عبادة. وبعد أكثر من عشر سنوات على الغزو الاميركي، تعرض خلالها المسيحيون العراقيون في منطقة الدورة إلى السلب والخطف والقتل على أيدي الجماعات الاسلامية المتطرفة، تجد الكنيسة نفسها ملاذ عدد يتضاءل باطراد من الرعية.

وقال إيشا: "كانت الدورة من أكبر المناطق المسيحية في العراق بنحو 30 ألف عائلة، ولم يبق منها الآن إلا 2000 عائلة يشعر افرادها انهم غرباء في بلدهم وهذا يجعلهم يفكرون في الرحيل". واضاف: "إن نزيف الهجرة مستمر". وكان الأب إيشا يتحدث اثناء الاستعداد لصلاة بعد الظهر التي حضرها عدد بالكاد ملأ صفين من مجموع 22 صفًا من المصاطب داخل الكنيسة.

لم تنفجر

ومن اصل سبع كنائس في منطقة الدورة، فان كنيسة القديسة شموني وكنيسة أخرى فقط ما زالتا مفتوحتين لاستقبال المصلين، إذ فُجرت كنيستان بسيارات مفخخة فيما اُغلقت الكنائس الثلاث الأخرى لانقطاع المصلين، بعد تعرض اربعة قساوسة للخطف، ولم يبق إلا الأب إيشا وراهب آخر من المنطقة. وشهدت كنيسة الأب إيشا نفسها خلال السنوات الماضية زرع عبوة ناسفة وركن سيارتين مفخختين قربها، لكنها لحسن الحظ اكتُشفت قبل تفجيرها.

وتتكرر صورة الوضع في منطقة الدورة جنوب بغداد في انحاء العراق بل في منطقة الشرق الأوسط الأوسع. ويُقدر أن عدد المسيحيين العراقيين الذي كان يزيد على مليون قبل الاحتلال الاميركي انخفض الآن إلى أقل من 200 ألف.

لا قانون

واولئك الذين لم يتمكنوا من الانضمام إلى تجمعات المهاجرين العراقين في اوروبا والولايات المتحدة كانوا يلجأون إلى المناطق المسيحية في سوريا. لكنهم وجدوا انفسهم مستهدفين بوجود جماعات جهادية مثل تنظيم القاعدة وجبهة النصرة. ويقوم قادة المسيحيين العراقيين الآن بحملة لوقف الهجرة يقودها البطريرك لويس ساكو، الذي انتقل إلى بغداد أخيرًا بعد تعيينه بطريرك كلدان العالم.

وفي اول موعظة القاها البطريرك، وجه رسالة صريحة لكن قوية بدلالاتها التاريخية، عندما قال للمسيحيين العراقيين إن العراق بلدهم بقدر ما هو بلد العراقيين الآخرين، وإذا هاجروا فان ثقافة عمرها 2000 سنة ستموت إلى الأبد برحيلهم. وقال البطريرك ساكو: "أعرف مخاوفكم، لكنكم هنا منذ 2000 عام وأنتم مع المسلمين أصل هذا البلد، فلا تهاجروا مهما كانت الضغوط".

وقال ساكو في مقابلة مع صحيفة صندي تلغراف: "ان المسيحية في الشرق الأوسط كانت دائمًا تشجع معتنقيها على الاعتماد على حكم القانون وليس على العشيرة، والقانون الآن في العراق ضعيف جدًا".

محط اغتيال

وكانت الفترة الماضية شهدت تصاعد نشاط تنظيم القاعدة في العراق ومعه تزايد استهداف المسيحيين بعمليات تفجير ضد الكنائس واغتيال القساوسة. وفي العام 2010، هاجم مسلحو القاعدة كنيسة سيدة النجاة وسط بغداد محتجزين أكثر من 100 رهينة. وعندما اقتحمت قوات الأمن العراقية مبنى الكنيسة بعد ساعتين كان 58 شخصًا في الداخل لقوا مصرعهم.

وأدان المسلمون الاعتداء الارهابي بشدة، لكنه أدى إلى زيادة عدد المسيحيين الباحثين عن الأمان خارج العراق. وقال بسام جورج (24 عامًا)، وهو نجا من الهجوم بالاختفاء في غرفة المقدسات: "دخل مسلح من الباب شاهرًا كلاشنكوف وبدأ يطلق النار، وأمضيتُ الوقت في التفكير كيف أُلاقي ربي".

ولا يعتزم جورج مغادرة العراق، قائلًا إن العراقيين عانوا بسبب اعمال العنف الطائفي والمذهبي. وفي حين أن نحو 1000 مسيحي قُتلوا منذ العام 2003 فان 30 الف مسلم قُتلوا في فترة العنف الطائفي وحدها عامي 2006 و 2007.

سأغادر!

لكن وضع الأقلية الذي يعيشه مسيحيو العراق ترك لديهم احساسًا بأنهم مهددون، لا سيما في منطقة الدورة التي بُنيت على رقعة تحفها اشجار النخيل على ضفة دجلة جنوبي بغداد. وقال الأب إيشا لصحيفة صندي تلغراف إن المسيحيين كانوا يمارسون عبادتهم بحرية قبل الحرب، "لكن منذ العام 2003 تعرضنا للاعتداء والنهب والاغتصاب والتهجير من الدورة ومن البلد".

وأضاف: "ان الضغط النفسي وحده كاف في احيان كثيرة ليمر اشخاص في سيارة ويطلقون النار في الهواء أو يتركون طلقات ورسائل تهديد خارج بيوت المسيحيين، واحيانًا يُستغل التطرف الاسلامي ذريعة، واحيانا أخرى يكون الأمر مجرد ابتزاز لأغراض اجرامية".

وازدادت اعمال العنف تفاقمًا في الآونة الأخيرة. وقبل اسبوعين مثلا رُميت ثماني جثث في منطقة الدورة لم يتم التعرف إلى هوية اصحابها، لكن حقيقة انهم كانوا معصوبي الأعين تشير إلى عودة فرق الموت التي دفعت العراق إلى أحلك ايامه قبل خمس سنوات.

وإزاء هذا الأفق القاتم، قرر العديد ممن حضروا إلى كنيسة الأب إيشا للصلاة أن يكون عيد الميلاد هذا العام آخر عيد ميلاد يحتفلون به في العراق إذا وجدوا وسيلة للهجرة. وقال اسحاق نابليون الذي فقد اخاه وابنه في اعتداءات ارهابية: "سأغادر متى ما أستطيع... المسيحيون انتهوا في العراق".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف