الشرطة المصرية... جلاد في يوم وضحية في اليوم التالي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يؤكد عناصر الشرطة المصرية أنهم كبش محرقة لإخفاقات الحكم الإخواني في معالجة المشاكل الإقتصادية والإجتماعية. ويتساءل أحدهم "الرئيس مرسي لا يعرف ماذا يريد منا، هل يريد محاربة البلطجية أو سحق الاحتجاجات"، ما يعكس الحيرة التي وجدوا أنفسهم فيها بعد تغيير النظام.
لندن: جلس الشرطي الشاب بحذاء ممسوح وعينين ساهدتين على دراجة نارية في حي من أحياء القاهرة لم يعد يخافه أو يحترمه.
وكان العسكري خالد سيد يعلن عن مهنته بقبعة سوداء يزينها نسر فضي. ويؤدي سيد الذي يعمل شرطيًا منذ ثلاث سنوات واجبه في حارة تزخر بالسلاح وبشباب عاطلين يجوبون هذه الشوارع مسلحين بالسكاكين والغضب. وكان رجال الشرطة يبسطون سطوتهم في السابق، لكنّ نظامًا جديدًا وخطيرًا تكفل بالحد من سطوتهم.
أزمة هوية
وتتولى قوات الشرطة والأمن المركزي التي سهرت طيلة عقود على حماية دولة حسني مبارك القمعية بأساليب فظة، حراسة حكم جديد يديره إسلاميون كانت هذه القوات نفسها تلاحقهم في السابق. وأوقع تغيير النظام في عام 2011 قوات الشرطة والأمن في أزمة هوية. وفيما اتخذ ضباط جانب المحتجين فإن آخرين اتُّهموا بممارسة التعذيب، بما في ذلك الاعتداء الجنسي واستخدام الصدمات الكهربائية.
وتهدد اجواء مصر اليوم استقرارها الهش وسياحتها وفرص الاستثمار الأجنبي في اقتصادها، فيما يمارس الغرب ضغوطًا متزايدة بشأن توسيع الضمانات التي تصون حقوق الانسان.
ماذا يريد مرسي؟
وقال سيد لصحيفة لوس انجيليس تايمز "إن الثورة أسفرت عن تغيير النظام وأصبحنا في حيرة لا نعرف من نحن الآن". واضاف "أن الرئيس مرسي لا يعرف ماذا يريد منا. هل يريد من الشرطة أن تحارب البلطجية والمجرمين أم سحق الاحتجاجات التي تشهدها الشوارع ضده؟"
ويجسد تساؤل العسكريخالد سيدمأزق قوات الشرطة المصرية التي تكون جلادًا اليوم وضحية في اليوم التالي. وكثيرًا ما يبدو رجال الشرطة ومجندو الأمن المركزي تائهين في عالم غريب يبحثون عن غطاء ويشعرون بتخلي قادتهم عنهم اثناء القيام بواجبهم في خدمة رئيس من الاخوان المسلمين كثيرون منهم يزدرونه.
أساليب عهد مبارك
وتتهم احزاب المعارضة قوات الشرطة بتعذيب وقتل ناشطين ومحتجين. وانتقدت منظمات حقوقية مرسي لامتناعه عن اصلاح وزارة الداخلية التي تمارس في احيان كثيرة اساليب عهد مبارك الوحشية، بما في ذلك ضرب رجل قام رجالها بتعريته وسحله في الشارع وتصوير الحادث كله على شريط فيديو شاهده العالم.
وقال رمضان عيسى وهو متقاعد يسكن حي امبابا الذي يعمل فيه سيد "إن رجال الشرطة يتصرفون تصرفًا سيئًا. يضربون الناس. لماذا؟ لماذا يخاطرون بما تبقى من سمعتهم؟ إنهم كانوا دائمًا هكذا. هم يتقاضون رواتب أفضل الآن وعليهم أن يتوقفوا عن هذا السلوك ولكنهم متغطرسون ومختالون بأنفسهم".
كبش محرقة
ويقول رجال الشرطة أنهم كبش محرقة لاخفاقات الحكم في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي اثارت غضب المواطنين ودفعتهم إلى عدم احترام قوات الشرطة. وتعرضت اقسام شرطة للهجوم، وقُتل ضباط بينهم خمسة في بورسعيد حيث قُتل اكثر من 50 شخصًا منذ كانون الثاني (يناير) في اشتباكات بين غوغاء مسلحين وقوى الأمن بعد صدور احكام على متهمين في احداث ملعب بورسعيد عام 2012.
ونقلت صحيفة لوس انجيليس تايمز عن هبة مورايف، مديرة منظمة هيومن رايتس ووتس لحقوق الانسان في مصر، أن مرسي أعلن دعمه للشرطة بعد احداث بورسعيد "وأعطى الضوء الأخضر بالعودة إلى مواصلة الممارسات المهينة السابقة"، محذرة من أن "عدم التعامل مع المسألة المتعلقة بوحشية الشرطة قنبلة موقوتة".
لكن أعدادًا من ضباط الشرطة ذوي الرتب الصغيرة أعلنوا اضرابًا عامًا للمطالبة بعزل وزير الداخلية الجديد محمد ابراهيم متهمين مرسي والاخوان المسلمين باستخدامهم رأس حربة في قمع المعارضة الشعبية.
وندد ضباط بالاخوان المسلمين لمحاولتهم اختراق صفوفهم والتأثير عليهم. وفضل ضباط الانسحاب من موقع الاحتجاج امام القصر الرئاسي في كانون الأول (ديسمبر) الماضي على أن يشتبكوا مع المتظاهرين، في مشهد سوريالي ما كان ليحدث في عهد مبارك.
وعد بمسدسات جديدة
ولتهدئة ضباط الشرطة المضربين وعدت وزارة الداخلية بشراء مسدسات جديدة للشرطة الذين كثيرًا ما يواجهون عصابات اجرامية متفوقة عليهم في التسليح. ولكن منظمات حقوقية تخشى أن يستخدم أزلام الوزير ابراهيم الأسلحة الجديدة ضد المحتجين.
وقال نقيب أول محمد الذي يعمل ضابط شرطة في امبابا منذ 13 عامًا "نريد السلام في الشوارع والاحترام. فأنا لا أريد أن أرى مواطنين يشهرون السلاح بوجهي. هذا غير مقبول. هناك اسلحة كثيرة وفوضى عارمة. الناس غاضبون بسبب التضخم والبطالة. وهم يصبون جام غضبهم على الشرطة ولكن حالنا في الواقع كحال هؤلاء الناس".
واضاف نقيب اول محمد لصحيفة لوس انجيليس تايمز "كنتُ اتقاضى 500 جنيه شهريًا في عهد مبارك واتقاضى الآن 1500 جنيه. أسكن في الريف على بعد ساعتين ولا أحمل إلا شهادة التوجيهية. فماذا افعل غير هذا؟ ليس هناك شيء آخر".
ويبدو قسم الشرطة في حي امبامبا الذي كان في السابق معقلاً للاسلاميين، وكأنه حصن مخرم بآثار الرصاص يحرسه رجال مسلحون بالكلاشنكوف، يتعرضون للسخرية احيانًا وينالون ثناء المواطنين في احيان أخرى.
سمعة الشرطة تلوثت
وقال محمد ابراهيم الذي جلس أمام احد المساجد: "لا احد يحمينا إلا الله والشرطة. كثير من الشبان يتجولون مسلحين بالمسدسات. الجريمة اسوأ بكثير مما كانت قبل الثورة".
وعلى مسافة أسفل الشارع وقف محمد عبد الهادي وسط اطارات لا يجد من يشتريها. وقال فاركًا اصبعيه: "لا أحد لديه نقود" وهو لا يستطيع أن يبيع بالدين. وكان عبد الهادي فتح متجره لبيع الاطارات قبل 40 عامًا عندما كان حي امبابا على مفترق طرق بين الصحراء ودلتا النيل. وقال عبد الهادي إن سمعة الشرطة ملوثة "ولا احد يستمع اليهم بعد الآن وحين يأتون لفض نزاع ينقلب المتنازعون عليهم".
وجلس الضابط خالد سيد مع ضابط آخر على دراجتهما يتابعان وجوه المارة. وقال سيد: "من الصعب هذه الأيام تمييز الصالح من الطالح".
انخرط سيد في سلك الشرطة قبل عام على الثورة عندما كانت الشرطة رمزًا مذمومًا لنظام منهار. وحضر في هذه الفترة دورات تدريبية في حسن السلوك. وينتمي سيد إلى موجة جديدة من ضباط الشرطة الذين تصورهم اعلانات تلفزيونية ضباطًا يسهرون على خدمة المواطن.
ولكن هذا التصوير يبدو غريبًا إزاء الاتهامات التي تُوجه إلى عناصر الشرطة في احيان كثيرة بانتزاع الاعترافات بالضرب. إذ توجد ثغرة بين الاعلانات والواقع في حين لا يعتقد سيد بجدوى التغييرات الجارية. وقال "نحاول أن نكون أفضل ولكن الناس لا يثقون بأن الأمور ستتغيّر".