أصيب قائد كتائب الفاروق فأعلن الحرب على جبهة النصرة

يحتدم الصراع في سوريا بين كتائب الفاروق وجبهة النصرة المعارضتين للرئيس السوري بشار الأسد، وتخوضان القتال ضد قواته، وتحول صراع القوتين إلى حرب حقيقية وباتت كل جهة تستهدف الأخرى. بدأ محمد الظاهر المعروف بلقب ابو عزام قائد كتائب الفاروق يومه كالمعتاد في منطقة الجزيرة السورية التي تضم محافظات الرقة والحسكة ودير الزور ابتداء من الحدود التركية الى تخوم العراق. إذ عقد ابو عزام سلسلة من الاجتماعات الصباحية في مناطق مختلفة من بلدة تل ابيض على الحدود السورية مع تركيا وفي مركز الشرطة الذي اتخذته كتائب الفاروق مقرا لها رغم تدمير اجزاء منه. وكان ابو عزام يريد زيارة والدته ايضا. ولكن بحلول العصر كان ابو عزام (34 عاما) وهو من ابناء الرقة ، يرقد في احد المستشفيات بعد اصابته بجروح على أيدي عناصر من جبهة النصرة الاسلامية التي أدرجتها الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الارهابية. وأحدث استهدافها ابو عزام شرخا حادا وفجر نزاعا كان يغلي منذ فترة بين كتائب الفاروق الوطنية وجبهة النصرة الاسلامية المتطرفة. ويعتبر طرفا النزاع من أشد فصائل المعارضة المسلحة فاعلية وأحسنها تنظيما. وهو نزاع ما زال في بدايته. انتصار في تل أبيضولكتائب الفاروق الغلبة على جبهة النصرة في تل ابيض الذي سيطرت على معبره الحدودي من قوات الأسد في 19 ايلول/سبتمبر الماضي. واثار سيطرتها على المعبر حفيظة فصائل اخرى بينها مجموعات علمانية تنضوي تحت لواء الجيش السوري الحر فضلا عن جماعات اسلامية تعمل بصورة مستقلة. ولكن بلدة تل ابيض ليس المنفذ الحدودي الوحيد الذي تسيطر عليه كتائب الفاروق بل معه معبر باب الهوى قرب مدينة ريهانلي التركية الذي يشكل بوابة الى محافظة ادلب. وتصدرت جبهة النصرة ، من الجهة الأخرى ، معركة السيطرة على مدينة الرقة جنوبا التي كانت أول مركز محافظة يقع تحت سيطرة فصيل معارض. هاتفين خلويين وتعنيف من الأموكان ابو عزام توقف لزيارة والدته ام محمد في شقتها المتواضعة على بعد مسافة قصيرة من قاعدة كتائب الفاروق. وانحنى ابو عزام لتقبيل يد والدته ثم أخذها بحنان في احضانه. قالت له "أخيرا رأيتك" معنفة ولدها بلطف حين جلس بجانبها. وأوضحت أم محمد لمجلة تايم ان آخر مرة رأت فيه ابنها كان يتكلم بهاتفين خلويين في آن واحد ثم رفعت يديها الى أذنيها متظاهرة بإصدار اوامر على هاتفين. وبين الحديث عن السلاح وأخبار المعارك على هاتف كان ابو عزام يسأل أمه عن صحتها على الهاتف الآخر. وضحك الرجال الستة الموجودون في الغرفة على حركة أم محمد في تقليد ابنها. واعتذر ابو عزام لوالدته قائلا "آسف ، ولكن ما العمل؟" دارت فناجين القهوة التركية على الحاضرين ولم يكن ابو عزام بملابسه العسكرية بل كان يرتدي بنطال جينز ازرق وكنزة خضراء وسترة جلدية سوداء وحذاء غامق اللون. وأطلق ابو عزام لحيته على طريقة السلفيين بلا شارب. وكثيرا ما يعمد الى نتفها اثناء الحديث. وله ابتسامة عريضة ساحرة تبدو وكأنها تفترش كل وجهه. الموت قادم على يد النظام أو "النصرة"التفت ابو عزام نحو والدته قائلا "قبل ان تسمعي الخبر من مصدر آخر زرعوا عبوة ناسفة في سيارتي يوم أمس". فوضعت أم محمد يدها على فمها. فهي فقدت ابو حسين ابنها الأوسط من بين ثلاثة ابناء في 20 شباط/فبراير خلال المعارك التي شهدتها الرقة. وكان ابو حسين ايضا من مقاتلي كتائب الفاروق وله ابنتان وها هو ابنها الأكبر يقول لها انه كان مستهدفا بعبوة ناسفة. فقالت له "الله يحميك يا ولدي". وأكد لها ابو عزام ان لا أحد يموت قبل أجله ، وفي نذير شؤم بما حدث بعد ساعات اضاف "أعرف إني سأُقتل على يد النظام أو يد النصرة ، لا فرق فكلاهما قذران". وكانت العبوة تتكون من عدة اصابع ديناميت رُبطت بسيارة كثيرا ما يستخدمها ابو عزام. ولكن جارا نبه قائد كتائب الفاروق الى وجود العبوة. ماذا حررت جبهة النصرة؟وعدَّد ابو عزام وهو جالس على الأرض المدن والبلدات التي قال ان كتائب الفاروق حررتها من قوات الأسد متسائلا عن جبهة النصرة "ما الذي حرروه؟" وتابع "انهم هنا لا لشيء سوى محاولة فرض احكامهم علينا". ورفع ابو عزام سيكارته قائلا ان جبهة النصرة "هددوا بتكفيري بسبب هذه". وروى بعض المقاتلين الحاضرين في الغرفة من مدينة الرقة تفاصيل حملة التشهير التي تشنها جبهة النصر ضد ابو عزام وكتائب الفاروق في المدينة. ونقلت مجلة تايم عن احد المقاتلين قوله "انهم يسموننا كتائب الساروق بدلا من الفاروق وبعضهم يقولون اننا كفار". محاولات رفع علم القاعدةوهذه ليست المرة الأولى التي اصطدم فيها ابو عزام باسلاميين متطرفين. فهو قبل السيطرة على بلدة تل ابيض كان مسؤولا عن معبر باب الهوى وهناك حاول المتطرف الاسلامي ابو محمد العبسي الذي سيطرت جماعته لبعض الوقت على احدى بوابتي المعبر ان يرفع علم القاعدة الأسود على المبنى. ولكن ابو عزام اعترض على ذلك. وخُطف العبسي ثم قُتل في ايلول/سبتمبر 2012 ويُرجح ان كتائب الفاروق هي التي تقف وراء خطفه وقتله رغم انها لم تعترف بذلك. ورد الجهاديون بقتل ابو علي الذي تسلم مسؤولية باب الهوى من ابو عزام. وخلال عدة مقابلات اجرتها مجلة تايم مع ابو عزام العام الماضي أكد مرارا انه لن يسمح للمتطرفين الاسلاميين "ان يخطفوا الثورة". أنيسة أو قائد الأركانسُمع طرق على الباب. ودخل شيخ ذوي لحية طويلة وجلباب طويل. فطلب ابو عزام من والدته ان تنتقل الى غرفة أخرى ومن الرجال الحاضرين ان يلتحقوا بها قائلا "انتظروا رجاء مع رئيس الاركان" مازحا وهو يشير الى والدته. ويطلق مقاتلون آخرون في كتائب الفاروق من باب المزاح ايضا اسم "انيسة" عليها كناية بأنيسة والدة بشار الأسد . وان تكون أم محمد موضع احترام بين مقاتلي الفاروق لحنانها وحكمتها وقوتها فان هذا أمر لا شك فيه. وستتضح خصالها هذه بكل جلاء في الساعات القادمة حين تسمع بإصابة ابنها. كان اللقاء مع الشيخ قصيرا ولم يبق الضيف لتناول الغداء. وبعد الغداء نهض الحاضرون وتبادلوا عبارات الوداع ثم توجه ابو منصور نائب ابو عزام وابن عمه قائلا انه ذاهب لزيارة عائلته في مدينة اكجكال التركية. وقطع ابو منصور المسافة مشيا. وقبل ان يتناول ابو منصور رشفة من القهوة التي قدمتها له ابنة اخيه في اكجكال رن احد هاتفيه ليبلغه ان ابو عزام أُصيب بعد اطلاق النار عليه. كانت الساعة قبل الخامسة بعد الظهر. وعلى الجانب السوري من الحدود كان ابو عزام تلقى قبل دقائق مكالمة من احد رجاله قال له ان جبهة النصرة اقامت حاجز تفتيش في رقعة تُسمى دوار التحرير على احد الطرق الرئيسية في تل ابيض وانهم يعتقلون مقاتلي الفاروق ويحاولون تجريدهم من اسلحتهم. خطف ابو عزام رشاشته وغادر مسرعا لنجدة رجاله. وقالت أم محمد لمجلة تايم انه لم يطلب أن يرافقه احد من رجاله ولكن اثنين تبعاه رغم ذلك. ولدى وصوله الدوار ونزوله من السيارة قيل ان احد عناصر جبهة النصرة القى قنبلة يدوية باتجاهه قبل ان يفتح آخرون نيران اسلحتهم عليه. وانتهى الاشتباك في غضون دقائق وقام مارة بنقل ابو عزام وعدد من رجاله اصيبوا معه عبر الحدود الى تركيا حيث كان ينتظر ابو منصور لأخذ قائده المضرج بالدم في سيارة اجرة الى المستشفى المحلي في اكجكال. أُصيب ابو عزام في الجانب الأيسر من بطنه وفي يديه وبشظايا في ساقيه وفوق عينه اليمنى. وحين رن هاتف احد رجال كتائب الفارق رد قائلا للمتصل "لا تفعلوا شيئا الى ان نأتي بالرجال والعتاد". ودعا الى الهدوء. ثم قال له ان يتصل بام محمد ويفعل ما تقوله. وقالت ام محمد لمن اتصل بها "أرجوكم ، كلكم ابنائي. هذا ليس وقت القرارات المتسرعة. يجب ان نكون أذكياء. اهدئوا! نحن جميعا غاضبون. اصبحت هذه قضية شخصية ولكننا لا نريد وقوع خسائر في الأرواح بلا سبب. ارجوكم ان تهدئوا ، وأنا اعتمد عليكم". نُقل ابو عزام الى غرفة الأشعة. وتقدمت والدته شاقة طريقها برفق بين الحشد المتجمع لتغطي كتفه العاري بملاية بنفسجية باهتة اللون. وكان احد مقاتلي الفاروق يبدو في العشرين من العمر ممدا على نقالة في غرفة الطوارئ. جبهة النصرة تقترح تسويةابو منصور نائب ابو عزام وقريبه قال ان جبهة النصرة اتصلت به واقترحت تسوية القضية بين كتائب الفاروق وبينها في محكمة شرعية. وفي بادرة حسن نية افرجت الجبهة عن 11 من مقاتلي الفاروق و22 آخرين اعتقلتهم في وقت سابق. وقال ابو منصور عن جبهة النصرة "انهم نسوا اننا جميعا نقاتل بشار. هم يريدون امارة اسلامية ويقولون انهم اسلاميون ونحن مرتدون ولكننا لن نقبل بأن تكون لهم أي سيطرة او سلطة علينا. الله يشفي ابو عزام وهذا هو الأمر الرئيسي ولكننا الآن سنقاتلهم في كل محافظة". انطلقت كتائب الفاروق من حمص والرستن القريبة منها بعد أشهر على اندلاع الانتفاضة. ومنذ ذلك الحين شكلت تحت لواء الجيش السوري الحر وحدات في انحاء البلاد ، من درعا قرب الحدود الاردنية جنوبا الى باب الهوى على الحدود التركية شمالا.