أصداء

شمعون بيرس: تريدون التخلص من رئيس الشاباك؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

المقولة موضوع العنوان لرئيس الدولة اليوم شمعون بيرس وكان أطلقها عام 1986 حين كان رئيسا للحكومة، على خلفيّة ما سُميّ حينها قضيّة الباص رقم 300. هذه المقولة تحوي في طيّاتها القدسيّة التي تكلل بها المؤسسة الإسرائيليّة والمجتمع اليهودي الشاباك (شيروت هبيطحون هكلالي- خدمات الأمن العام)، هذه القدسيّة ما زالت قائمة حتى اليوم وتلقي بظلالها على إسرائيل المؤسساتيّة والشعبيّة ويبدو أن رجال الشاباك استطابوا هذه القدسيّة فصاروا حكاما بأمرهم على "أعداء الدولة" ومحصنين أمام كل الموبقات وخصوصا إذا كانت ضحيتهم من العرب، ومراسيم الإعفاء موقّعة مسبقا.

قضيّة الباص 300:
في يوم 18 أيار 1986 أعلم المستشار القانوني للحكومة يتسحاك زمير الحكومة أن معلومات وصلته حول ارتكاب رجال الشاباك مخالفات جُرميّة في قضيّة "خط الباص 300 " وطلب تقديمهم للمحاكمة، إلا أن رئيس الحكومة حينها شمعون بيرس اعترض بحدّة قائلا: "تريدون إلقاء رئيس الشاباك للكلاب"؟. تطوّر الأمر إلى مواجهة بين المستشار ورئيس الحكومة والقائم بأعماله حينها ورئيس الحكومة لاحقا يتسحاك شمير والذي تمّ حسب طلبه استبدال زمير لاحقا بسبب موقفه هذا بمستشار جديد هو يوسف حريش.

أمّا الخلفيّة فكانت أنه في 12 نيسان 1984 سيطر أربعة مسلحين فلسطينيين من غزّة على حافلة على الخط رقم 300 من تل أبيب إلى أشكلون (عسقلان) بهدف التبادل بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيليّة. وفي الغداة هاجمت وحدة النخبة "سيّيرت متكال - وحدة القيادة العامة" الباص قرب دير البلح. قُتل خلال الهجوم مسافرة ومسلّحان وألقي القبض على اثنين، فقام رئيس الشاباك حينها أبراهام شالوم بالإيعاز إلى إيهود ياتوم رئيس قسم العمليّات في الشاباك بقتلهما، فأخذهما هذا ورجاله إلى مكان خال وقاموا بتهشيم جمجمتيهما بالحجارة والقضبان الحديديّة ثمّ أحضروهما إلى المستشفى ليقرر طبيب وفاتهما، وصدر بيان للجمهور أن كل "المخربين" الأربعة قتلوا خلال العمليّة.
لاحقا نشرت صحيفة حداشوت صورة لأحد المسلحين مقبوض عليه مقتادا حيّا بعد السيطرة على الحافلة، فتفاعلت القضيّة وطالت الشبهات وزير الدفاع حينها موشي آرنس كمن أوعز بقتل المسلحَين فاضطر هذا إلى تشكيل لجنة تحقيق برئاسة الجنرال احتياط مئير زوريّع وكان أحد أعضائها يوسي غينوسار رئيس المنطقة الشماليّة في الشباك حينها.
قدّم ياتوم ورجاله معلومات كاذبة للجنة وقاموا بإخفاء أخرى عنها وأدلوا بشهادات كاذبة وصلت حدّ "تلبيس" التهمة ليتسحاك مردخاي قائد المنطقة الجنوبيّة لاحقا وزير الدفاع، الذي قاد عمليّة السيطرة على الباص، فقد شهد ياتوم كاذبا أنه رأى يتسحاك مردخاي يضرب بمسدسه أحد "المخرّبين" على رأسه. وبمساعدة عضو اللجنة غينوسار الذي كان يسرّب لزملائه ياتوم ورجاله المعلومات من أبحاث اللجنة نجح هؤلاء بالتخريب على التحقيق بالكذب والاختلاق.

قُدّم لاحقا الجنرال يتسحاك مردخاي للمحاكمة على خلفيّة شهادة ياتوم الكاذبة وبُرّئ، ومنح رئيس الدولة رجال الشاباك ياتوم وجينوسار ورجالهما العفو رغم ذلك. وعندما حاول النائب العام للدولة حينها يونا لوطمان أن يفحص ظروف موت المسلحَين خُرّب مجهوده على يد رجال الشاباك وشهاداتهم الكاذبة.

قضيّة درايفوس الشركسيّ:
كان سبق ذلك وفي يوم 4 كانون ثاني 1980 أن اعتقل الشاباك ضابط المخابرات العسكريّة الشركسي النقيب عزت نابسو ودون علم ذويه، وتمّ التحقيق معه على مدى 14 يوم متلاحقة دون علم أحد وبدون تمثيل دفاعيّ. وكان يوسي غينوسار المذكور أعلاه رئيس فريق المحققين مع نابسو وتمّ لاحقا اتهام نابسو على يد الشاباك اعتمادا على معلومات كاذبة وبيّنات مختلقة بالتجسس والخيانة العظمى ومساعدة العدو خلال خدمته في لبنان وتمّ الحكم عليه ب-18 سنة سجن، ومنعت الرقابة نشر معلومات عن مجريات القضيّة.
عام 1987 بدأت تتسرّب المعلومات عن القضيّة وكانت قضيّة الباص 300 قد تفجّرت. وفي استئنافه أمام المحكمة العليا ادعى نابسو البراءة وأن يوسي غينوسار اختلق بيّنات ضدّه وكذب وقام ورجاله بتعذيبه. وبشكل مفاجيء أعلنت النيابة العامة خلال المداولات أمام المحكمة أن معلومات ظهرت تبيّن صدق ادعاءات الكابتين عزت نابسو وتمّ إطلاق سراحه بعد أن قضى قرابة ال-8 سنوات في السجن.

في قرارها القاسي أشارت المحكمة أن الشاباك كذب في القضيّة. فشكل المستشار القضائي يوسف حريش حينها وعلى خلفيّة القرار لجنة لاندوي للتحقيق والتي قررت بدورها أن رجال الشاباك قاموا بتعذيب نابسو وابتزاز أقوال مُدينة واختلقوا بيّنات كذبوا في المحكمة، وظلّ وما زال قسم من خلاصات اللجنة سريّا. قاضى نابسو لاحقا الدولة حقوقيّا فقامت بتعويضه شرط أن لا يكشف تفاصيل القضيّة، وقد حملت هذه القضيّة اسم "قضيّة درايفوس الشركسي". وكسابقتها نال غينوسار ورجاله العفو.
الإله المقدّس والقرابين:
هذا هو الشاباك الإله المقدّس عند المؤسسة الإسرائيليّة والجمهور اليهودي الذي يلاحق القيادات العربيّة والشخصيّات العربيّة، فإذا كان كاذبا ملفقا محيكا ضدّ جنرال هو الجنرال يتسحاك مردخاي ومعذبا وكاذبا ومختلقا ضد نقيب هو النقيب في المخابرات العسكريّة عزت نابسو، فما عساه أن يكون في حقّ العرب والقيادات العربيّة والشخصيّات العربيّة؟!

بالمناسبة تدور في الأروقة الإسرائيليّة وعلى كل المستويات "سُمعات" أنّ تفجيرَ قضايا الفساد ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمارت مصدرُه الشاباك وشخصيّات سياسيّة مرتبطة، وعلى خلفيّة ما قدّمه أولمارت من "تنازلات" في لغتهم، في ملف المفاوضات الإسرائيلي الفلسطيني.

نحن كعرب نعرف الشاباك ودوره جيّدا من ضحاياه، وخصوصا يعرفه منّا من رافع بحكم مهنته عن معتقلين أمنيين ونعرف التغطيّة التي يحظى بها أحيانا كذلك من السلطة القضائيّة اللهم إلا عندما يطال الأمر يهودا أو لغرض في نفس يعقوب، نعرف ويعرف منّا الإنسان العادي "بطولاته" ودون أن نعرف تفاصيل قضيّة الباص 300 أو قضية درايفوس الشركسيّ. ولكن إذا أردنا أن نخاطب المجتمعين الدولي واليهودي علينا تذكيرهما صبح مساء بملاحقة وبدونها، بهذه القضايا وأنّ قرابين قدسيّته لن تقف عند العرب.
تقديس المؤسسة الإسرائيليّة "شبّاكها" مدروك وتقديس المجتمع اليهودي "شبّاكه" يمكن أن يُدرك ورغم أنه لم يكن مقدّسا وليس مقدّسا ولن يكون كذلك تجاههم فها كان قد طالهم ويطولهم وسيطولهم إن هم استمروا بتقديس كل صنائعه ضدّ العرب وتقديمهم قرابين له حتّى لو هزوا بعض هذه القدسيّة بين الحين والآخر عندما يتعدّى طوره ويجعل بعضهم قرابين.

ومع كلّ ذلك يظلّ هنالك سؤال موجه لنا نحن رغم الحرج الذي فيه: قبل فعل الملاحقة للقيادات والشخصيّات أو إخراج هذا الفعل إلى حيّز التنفيذ تحقيقا أو اعتقالا للتحقيق أو اتهاما، هنالك حلقة سابقة مفقودة لدينا وما دامت هذه "مخروقة" ستظلّ القيادات والشخصيّات عرضة للملاحقة والاعتقال والاتهام، قرابين مقدّمة من بين ظهرانيهم!

النائب المحامي سعيد نفّاع

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف