فضاء الرأي

مغامرة يوليو والصعود للهاوية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تكاد تنحصر مواقف من أرخوا لانقلاب يوليو 1952 في اتجاهين، أولهما من يمجدها ويعتبرها ثورة خلصت مصر من ملكية فاسدة وإقطاع ورأسمالية مستغلة، ووضعتها في طليعة الدول المقاومة للاستعمار والصهيونية، والساعية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية عبر التطبيق الاشتراكي، والثاني يهيل عليها التراب، معتبراً إياها كارثة هبطت من السماء كما لو جرم سماوي، سقط على مسيرة مصر نحو الحداثة والديموقراطية.. الاتجاه المناصر للثورة أو المنتصر لها ينسبها للشعب المصري، وإن كان أبناؤه الضباط هم من تولوا عنه مهمة تحقيق أحلامه وطموحه، بينما الاتجاه المعادي والمحقر لها يعتبرها أمراً خارجياً محضاً فرضته بنادق العسكر ودباباتهم، لينحصر النقاش أو الجدل بعد ذلك حول ما يعتبره الفريق الأول إنجازات الثورة، وهو تقريباً ذات ما يعتبره الفريق الثاني جرائمها التي لا تغتفر في حق مصر شعباً ودولة، ويرجعون إلى ما أحدثته من تدمير، ما نرزح فيه حتى الآن من تخلف وتعثر في جميع ميادين الحياة المصرية.
إذا كان كاتب هذه السطور -على الأقل- يتفق مع أصحاب الفريق الثاني في تقييمهم السلبي لانقلاب يوليو، فإنه من غير المنطقي الاقتناع بالنظر لهذا الانقلاب كحدث طارئ مقحم على المسيرة المصرية، فلو كان الأمر بالفعل كذلك، لكان كما لو جملة اعتراضية خارجة على السياق، سرعان ما تذهب الريح بكلماتها، أو سرعان ما يشفى الجسد المصري مما أحدثته فيه من جروح، رغم حقيقة سهولة الهدم وصعوبة إعادة البناء.. لكن بنظرة بانورامية على الساحة المصرية الآن، وبعد أربعة عقود من نهاية الفترة الانقلابية التي استمرت ثمانية عشر عاماً، بموت قائدها محسوراً مقهوراً، ليخلفه من حرص على السير تماماً في عكس الاتجاهات التي سار فيها خلفه، سواء سياسياً أو اقتصادياً.. سنجد أن الهيكل الأساسي للأحوال المصرية يكاد يكون على حاله في العهد الذهبي للانقلاب، رغم المجهودات الخارقة للتغيير والتحديث، ورغم فرض التطور العالمي لأشكال جديدة من العلاقات.
نجد الحزب الوطني الحاكم هو ذات النسخة السابق طباعتها في العهد اليوليوي، بداية من النموذج الذي سمي وقتها هيئة التحرير، ثم الاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي، ثم سمي في عصر السادات حزب مصر قبل أن يقرر استبداله بالحزب الوطني الديموقراطي.. كلها تسميات لذات التكوين الواحد، من قائد متحكم بقبضة من حديد، وحوله منتفعون وانتهازيون، وتكنوقراط مسخرون لتنفيذ ما يملى عليهم من توجهات.
نجد بالساحة الشعبية الآن الإخوان المسلمين، يلعبون مع الحاكم لعبة القط والفأر، بذات القواعد التي لعب بها معهم مغامروا يوليو، الذين انتموا فكرياً وتنظيمياً للجماعة، وأقسموا على المصحف والمسدس على الولاء لها، لتبدأ بعد نجاح الانقلاب لعبة الصراع على السلطة بين الفريقين.. العسكر أرادوا السلطة خالصة لهم، وأرادوا من الإخوان لعب دور الكومبارس المساند والمدعم، وأرادها الإخوان لهم في جوهرها، ليلعب العسكر دور البيادق التي يحركونها على رقعة الشطرنج كيفما شاءوا.. مازالت ذات قواعد اللعبة هي المتحكمة في الساحة المصرية حتى اليوم، رغم التفاوت الظاهري في أحوال الحكم وأحوال الجماعة الجهادية الدينية خلال العهود الثلاثة.. فحرارة المواجهات أو سخونتها، كذا تشدد مواقف كلا الطرفين وتقدمها أو تقهقرها، لا يغير من حقيقة واحدية اللعبة وقواعدها.. فإبان نجاح الانقلاب كانت جماعة الإخوان المسلمين في عنفوان مجدها من حيث التنظيم والفاعلية، بعد نجاحها في هز الحياة السياسية بما قامت به من اغتيالات وحرق للقاهرة، ونجاحها في تجنيد شباب بزعم مقاومة الاحتلال على خط القنال، ثم انضمام مغامري الجيش إليها، ما كان كفيلاً بتصور قادتها وكوادرها بأنهم أصحاب الانقلاب وسادته، فكان اندفاعهم للمواجهة الدموية مع القائد الذي تصوروه مجرد عضو عاق في جماعتهم، لا يستحق ما هو أقل من التصفية الجسدية، فكان حادث إطلاق النار الفاشل على عبد الناصر في المنشية بعد عامين من الانقلاب عام 1954، ثم كانت محاولتهم الثانية لعمل انقلاب على نظام الحكم عام 1965، رغم ما واجهوا من عنف وتنكيل عقب محاولة الاغتيال.. في هذه المرحلة كان الإخوان المسلمون لاعباً أساسياً في الساحة، حتى لو كان دورهم هو دور الحاضر الغائب، ناهيك عن بقاء عناصر من الانقلابيين الباقين في السلطة وفيَّة لفكرهم، بغض النظر عن الانتماء التنظيمي، مثل كمال الدين حسين وحسين الشافعي وغيرهم كثيرون.. في مرحلة السادات تم استدعاء الغائب من السجون ليكون حاضراً، لتستمر بين القابض على السطلة وبين الجماعة ذات اللعبة، ويستمر الصراع بذات القواعد، مع اختلافات شكلية في المواقف وسخونة المواجهات، التي انتهت هذه المرة بنجاح الجماعة أو فروع مشتقة منها، في إنجاز ما فشلت فيه عام 1954، فكان اغتيال السادات عام 1981.. نأتي إلى المرحلة الثالثة من عمر الانقلاب اليوليوي، لنشهد خلال العقود الثلاثة الماضية ذات اللعبة وبذات القواعد أيضاً، وإن كانت بأقل حدة وأكثر مرونة وشياكة بما يتناسب مع العصر، بين ما يسمى حزب وطني حاكم، وما تسمى جماعة محظورة.. لو تأملنا قليلاً ما يحدث منذ يوليو من نشاط وفعالية لجماعة الإخوان وعلاقتها بباقي التيارات والقوى بالساحة المصرية، ثم قارناها بالحال قبيل الانقلاب، سنجد أن مراحل ما بعد الانقلاب الثلاثة، لم تكن غير امتداد لذات اللعبة التي كانت جارية قبيل الانقلاب مباشرة، والتي كانت فيها الجماعة تلعب ذات لعبة التحالف والعداء مع الملك، وتمارس العنف في الساحة استعراضاً وتأكيداً لدورها المحوري، ويمارس الملك أيضاً العنف معها، إلى حد ترجيح قيامه باغتيال مؤسسها.. يجرنا هذا التحليل إن صح إلى نتيجة نظنها خطيرة، وهي أن ما اعتبرناه ثلاث حلقات أو مراحل سياسية منذ انقلاب يوليو، هي في الحقيقة تجليات أو تطورات لمرحلة أولى هي مرحلة ما قبل الانقلاب، لنكون أمام أربع مراحل وليس ثلاث، ليكون انقلاب يوليو هكذا ليس حادث انقلاب طارئ في المسيرة المصرية، يجوز أن ننسب له كل ما نعاني الآن من بلايا، وإنما هو بالفعل كما يدعي مناصروه، كان تحقيقاً لما ترهص به الساحة المصرية، وما المغامرون العسكر إلا أبناء بررة للأمة المصرية، التي انتكست عن مسيرتها الليبرالية التي بدأت مع الوفد عام 1919، ذلك الحزب الذي كان بالفعل ممثلاً للصفوة المصرية من إقطاعيين ورأسماليين، استطاعوا لفترة أن يجندوا الفلاحين والعاملين في إقطاعياتهم ومصانعهم ليساندوا تيارهم الليبرالي، إلى أن أنجبت القاعدة الشعبية من هو أقدر على تمثيل وتجسيد روحها، لينشئ حسن البنا عام 1928 جماعة الإخوان المسلمين، لتمضي من يومها وحتى الآن في طريقها، تزداد شعبيتها وقوتها يوماً بعد يوم، رغم ما واجهت عبر مختلف العصور من تحديات.
حين أرى الآن توارد وتهافت رموز المعارضة ودعاة التغيير على الاحتماء بالإخوان وخطب ودهم، بداية من البرادعي الذي اعتبره آلاف الشباب هو القائد المنقذ من الاستبداد والفساد، إلى سائر رموز المعارضة وقادة الأحزاب الكرتونية.. وأرى حزب الوفد الجديد يفتتح لنفسه دكانة إخوان مسلمين خاصة به، ويضم إليها رموزاً تقنع الجماهير المصرية أن فكر الإخوان قد تم خصخصته وافتتاح فرع جديد له بالحزب العريق، ولم يعد هذا الفكر حكراً على تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، لتضاف الدكانة الجديدة إلى ما سبقها من دكاكين في العديد من الأحزاب وفي مقدمتها الحزب الوطني وسائر مؤسسات الدولة.. حين أرى كل هذا أجدني أقول "ما أشبه اليوم بالبارحة"، حين انضم مغامرو العسكر المتذمرين على الملك ونظامه السياسي إلى ذات الجماعة، والتحفوا بها في مسيرتهم نحو السلطة!!.. هكذا أيضاً لا أجد مفراً من ترديد مقولة الفنان "محمود ياسين" للفنانة "مديحة كامل" في فيلم "الصعود إلى الهاوية": "هي دي مصر ياعبلة"!!.. فهذه هي بالفعل مصر، وهذ هي بالفعل مسيرة شعبها ومصيره، صعود أو هبوط إلى الهاوية!!
مصر- الإسكندرية
kghobrial@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
نصيحه ...
د.درويش الخالدي -

نعم يااستاذ كمال كانت كارثة فعليه تلك التي فعلها جمال عبدالناصر والتي سميت بالثوره! ضد الملكيه وللعلم انا لست مع الملكيه ولكن الاخير كان افضل من الضباط الاحرار! والكارثة الاكبر ايها الاستاذ ان ما يسمون اليوم بالاخوان المسلمين بدأوا بالسيطرة على افكار الشباب وجذبهم الى الهاويه! نصيحة للشعب المصري ولكل شعوب العالم لا تثق بهؤلاء فأنهم يزخرفون الاحاديث وفي جوفهم الكوارث .فهم حاقدون على البشرية جمعاء بدءً وثانيا: من يريد ان ينظر الى حكمهم فاليرى ماذا فعل بالعراق وماذا صنع بافغانستان وباكستان وفي الشيشان ناهيك عن فتاويهم التي لا تصل بالاسلام شيء!وثالثا:ان ترشح(الاخوان) لاسامح الله للحكم فسيقول العالم انذاك كانت هنا مصر!!

Egypt
Zaki -

EGYPT LIBERATION IS COMING- BE READY TO COME OUT IN THE STREETS OF EGYPT SOONAll things change, nothing is extinguished. There is nothing in the whole world which is permanent. Everything flows onward; all things are brought into being with a changing nature; the ages themselves glide by in constant movement, and that is the reason why things will change ,the Tyranny of this Illegitimate Puppet regime of Egypt brings ignorance and brutality with it. It degrades men from their just rank into the class of brutes; it damps their spirits; it suppresses art; it extinguishes every spark of noble ardour and generosity in the breasts of those who are enslaved by it; it makes naturally strong and great minds feeble and little, and triumphs over the ruins of virtue and humanity, A regime, an established order, is rarely overthrown by a revolutionary movement; usually a regime collapses of its own weakness and corruption and then a revolutionary movement enters among the ruins and takes over the powers that have become vacant, this is precisely what will happen in Egypt but soon, oppressed people are authorized whenever they can to rise and break their fetters.Yes people may think the Egyptians are not liberators. Liberators do not exist. The people liberate themselves. “and that is precisely what the Egyptian Masses will do with the help, leadership and guidance of the true Patriotic Egyptian Dr Al BaradieFreedom is first of all a responsibility before Allah from whom we come. the Egyptians are seeking to regain Allah given birth right to freedom and liberty to all mankind, History does not long entrust the care of freedom to the weak or the timid, for that we the Egyptians shall pay any price, bear any burden, meet any hardship, support any friend, oppose any foe, be ready for sacrifices and march the streets of Egypt ,to assure the survival and the success of liberty for all Egyptians . This much we pledge to do, to uproot and remove the implanted and installed regi

أقول قولي
بسيوني -

مصر كانت هي المرشح الأول لتكون جمهورية إسلامية وبالذات بعد إشهار إسرائيل دولة دينية يهودية تعترف بها الدول وهي تأتي في خاصرة عالم المسلمين.وتم إجهاض ذاك الحراك المؤطر بالدين في مصر بواسطة الضباط .. وراحت مصر في دوامة التخبط بين العسكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع حتى وصلت الى ما وصلت اليه من ترد وتراجع من موقعها الرائد في كل مشارب الحياة وليس ذاك بغريب فهي ماهي من ثروة وموقع وارث حضاري وقوة بشرية إزدهرت في الملكية ووصلت أن تنقل الزراعة الى الصناعة وأن تكون بورصة القطن العالمية في الإسكندرية ، إبحث عن موقعها ستجده خرابة أو ستجد أنه قد تم طمسه.الثورة الإسلامية في إيران قامت على أكتاف إسرائيل .. ولن يهدأ لها بال إلا بأن تقوم في مصر دولة إسلامية .. وياويل فؤادي من غد...