فضاء الرأي

مسألة الدكتور عبد الرزاق عيد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

في مقالتي السابقة ("تمثال" ياسين الحاج صالح ومعاول النظام السوري) أوردتُ جملةً مجحفة بحقِّ الدكتور عبد الرزاق عيد، هي ابنة انطباع سابق تمَّ تعميمه، ولم تسمح كثافة جريان الأحداث بإعادة محاكمة هذا الانطباع أو تقويمه.
وفحوى الانطباع أن الدكتور عبد الرزاق عيد تورّط في سجال طائفي لا يليق بمفكّر مثله.
وبعيداً عن الجهة التي ساهمت في ترسيخ هذا الانطباع في أوساط المعارضة تجاه الدكتور عيد، وهي جهة معارِضة نكنّ لها كل الاحترام، فإنني أودّ استغلال الفرصة لإعادة النظر في هذه المقولة، لسببين: الأول أخلاقي يتعلّق بإنصاف الدكتور عيد، والثاني سياسي يتعلّق بالتطوّرات الحاصلة في سوريا جرّاء الثورة الشعبية التي كسرت الكثير من المحرّمات الذهنية، ومنها المسألة الطائفية.
حين راح الدكتور عيد يطرح المسألة الطائفية في النظام، بتسمياتها المباشرة، كانت الثورة السورية آنذاك ما زالت تعيش مرحلتها الرومنسية - إذا جاز القول - حيث السلميّة شعاراً وحيداً، والتظاهر آليةً وحيدةً، وأيّ حديث عن السلاح هو تشويش (نتذكر الضجّة التي أثارها تصريح هيثم مناع عن تلقيه عرضاً بالتسليح)، وأيّ تسمية لطائفة بعينها هو فعل طائفي مرفوض.
لكن الثورة السورية أُخرجت من تلك المرحلة بقوّة المجازر التي بات من باب الخداع للنفس عدم الاعتراف بأنها ذات طابع طائفي محض. لقد شاهدنا - إضافة إلى أشلاء الضحايا المنتمين إلى طائفة واحدة - جنوداً يتسلّون بقصف البيوت بالدبابات وهم يضحكون، ورجالاً غير سوريين مدفوعين بغريزة الحقد المذهبي يتطوّعون للقتال على الأرض السورية ضدّ الثورة السورية، وقادة إيرانيين لا يجدون حرجاً في القول إن أسوار دمشق من أسوار طهران...
وبالطبع، وعلى الرغم من ذلك كله، لا يمكننا إنكار وجود انقسام أكثري سنّي حول الثورة، لكنه ذو طبيعة فكرية تتعلّق بالخوف من الحرب الأهلية والخوف على مدنيّة الدولة، على العكس من طبيعة الاصطفاف العلوي الذي يستند إلى قوة الغريزة.
وأمام الانقسام السنّي بين الثورة وضدّها، والاصطفاف العلوي شبه التام ضدّها حتى وهي في مرحلتها السلمية الرومنسية (مع استثناءات فردية شجاعة لا تملك قدرة دحض هذا الاصطفاف)... يمكن للمرء أن يدرك الخطيئة الكبرى التي ارتكباها مهندسا الانقلاب الطائفي في سوريا (صلاح جديد وحافظ الأسد) حين استغلا تشجيع الأكثرية (أكرم الحوراني) لأبناء جلدتهما الانخراط في الجيش والدولة ليقوما بأسوأ وأخطر انقلاب بين انقلابات سوريا الكثيرة.
فالحقيقة إن ما أسميناه "انقساماً سنياً" لهوَ دليل على أن الأكثرية الطائفية في سوريا لم تكن تنظر إلى نفسها ذات يوم على أنها جهة طائفية واحدة في مواجهة جهات طائفية أخرى. بل إنها اليوم ورغم كل هذه المجازر لم تأخذ قرارها النهائي بالتعامل ككتلة واحدة. وهذا ما يُفسّر لنا المكانة المرموقة التي شغلها أبناء الأقليات في أجهزة الدولة بين فترتَي الجلاء وانقلاب 8 آذار 1963 (على سبيل المثال نجد العديد من الضباط الدروز أيام "حكم السنّة" شغلوا منصب وزير دفاع، في حين أنهم في عهد حافظ الأسد هُمِّشوا بطريقة ثأرية).
إن ثقة الأكثرية بنفسها، وبالتالي عدم تعاملها مع ذاتها ككتلة طائفية واحدة، بل كجماعات وتيارات سياسية، هو سبب "الرخاء" السياسي الذي عاشته الأقليات.
وهذا الدرس كان أول من استوعبه وعمل به سلطان الأطرش، حيث رفض تقلّد أي منصب سياسي بعد تحرير سوريا، رغم أنه مَن قاد ثورة طرد الاستعمار. وقال قولته الشهيرة للذين أتوا يعرضون عليه تقلّد المنصب الذي يريد: "نحن حرَّرنا وأنتم احكموا". فما فعله الأطرش ليس وليد زهد وترفُّع، بقدر ما هو فهم لطبيعة سوريا الفريدة، وهو ما كرّره في سنوات الستينيات أثناء توبيخه للرائد الطائش سليم حاطوم الذي راوده حلم أن يحكم سوريا.
اليوم، وبعد وقوع طائفة كاملة في شرك عدم الاكتراث لهذا الدرس، وانخراط أبنائها في عمليات قتل طائفية مخزية، علينا الاعتراف بهذا الواقع المخيف، والانطلاق بقراءات جديدة، وبالتالي إعادة قراءة ما كتبه الدكتور عبد الرزاق عيد ومناقشته خارج إطار الاتهام والانطباع المسبق، فالمفردات التي استعملها قبل أشهر في طروحاته، وكانت مستهجنة، بتنا نستعملها اليوم بشكل طبيعي ودونما استهجان.
لقد كتبتُ في العام الفائت مقالاً بعنوان "عن شيطنة العلويين" (جريدة "النهار"، 31/ 12/ 2011) نبَّهتُ فيه السوريين من مغبّة شيطنة العلويين. لكنني اليوم - وبكل أسف - لا أعرف كيف أكتب مقالاً جديداً أُحذِّر فيه العلويين من مغبّة شيطنة أنفسهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
,,,,,,,,,,,
عباس الزين -

سخافات...

كل يوم تزيد معلوماتنا
فاديا -

نضبف الكاتب إلى الأبواق الطائفية التي لا ترى إلا الطائفية، وقد إختبرنا ديموقراطية وحرية الرأي لعبد الرزاق عيد فلم نجد إلا الديكتاتورية المتفوقة على ديكتاتورية بيت الأسد بمراحل. أما عن سلمية الثورة فليتهم يفسرون لنا من جديد كيف قتل موظفون من طائفة معينة في درعا والمعضمية لا ناقة لهم ولا جمل في الإسبوع الأول من الحركة (السلمية)، وكيف تم قتل ضباط وأفراد من الجيش السوري آنذاك، وألا يعيدوا تكرار الكذبة في أن الجيش هو من كان يقتلهم. هذه الكذبة صدقناها في البداية، ولكن كل ما رأيناه من فوران ثورتهم على الفيديوهات التي ينشروها وصفحات الفيس بوك والبالتوك لا تدل إلا على طائفية مصبوغة بالخدع السينمائية التي فعلاً تفوقت في الأشهر ال 11 الأولى على كل ما أنتجته السينما في تاريخها، ولكن الحقيقة وضحت، واليوم كلنا يعرف أنهم هم من يقومون بالقتل وبالأخص الذبح على الطريقة الإسلامية المباركة، وهم من يخرج أهالي الأحياء والقرى من سكنهم ويحتلوها ليأتي الجيش ويتحارب معهم فيها فتصبح دماراً، ومن ثم ينتقلون إلى أماكن لم يصبها الدمار لتلحق بأخواتها المدمرة. الطائفية هي روحكم ودينكم، والطائفية هي ما تجمعكم، ولولاها لما كان لديكم لا ثورة ولا فورة ولا قرص فلافل. ولولا الطائفية فإن كراهيتكم لبعضكم على تقاسم السبايا والمال المسروق ستظهر اليوم قبل الغد. سنتكم الإرهاب، ولن تفلحوا لأن الأغلبية العظمى من الشعب السوري لا تكن لكم أية محبة ولن تغفر لكم ما ألحقتموه بسوريا من دمار,

الطائفية
مسعود -

مبروك لماهر هذا التحول. في مقاله السابق كان ينبذ الطائفية ويستهجنها كقيمة اجتماعية مرذولة. أما اليوم فإنه أصبح يبررها ليعتنقها كشريعة وإيديولوجيا. حبذا لو تفضل ماهر وأرشدنا إلى الكتاب الذي قرأه فصار في ضوئه طائفيا خلال ثلاثة أيام...

========
lolo -

عزيزي الكاتب الفترة بين الجلاء وانقلاب اذار لم تكن فترة حكم السنة بل كانت فترة حكم البورجوازية الوطنية الواعية بمعنى اخر حكم نخب اهل المدن وليس السنة او غيرهم. اما ان تحاول تصوير مايجري حاليا على انه ثورة السنة فاقول لك بشار الاسد سني بحسب الدستور وقوة القانون الا اذا كان انتقال الفرد من مذهب لاخر ضمن الدين الواحد يحتاج لتوقيع من عبدالرزاق عيد مثلا.

المعارضة الطائفية
عدنان -

إذا افترضنا أن نظام الأسد طائفي كما تصفه بذلك معارضته، فإنه ينفي على الأقل عن نفسه كونه طائفيا ويرفض توجيه هذا الاتهام إليه ويسعى جاهدا لكي يروج عن خطه السياسي أنه خط وطني وقومي وعروبي. أما معارضة هذا النظام، من خلال نموذجين عنها هما عبدالرزاق عيد وماهر شرف الدين، فإنها تجاهر بطائفيتها ولا ترى أي حرج أو خجل في تبنيها كخيار سياسي بل تريد أن تجعل من الطائفية في سورية سلوكا عاديا وطبيعيا ومقبولا من طرف كل السوريين ومنهجا سياسيا للتحكم فيهم بمنطق فرق تسد. صدق من قال: إن المعارضة السورية أسوأ من النظام الذي تعارضه. الشعب السوري على صواب حين يحترز من هذه المعارضة ويرفض مدها بالزخم الجماهيري التي تحتاجه لتغيير النظام. الشعب في سورية أكبر وعيا بكثير من المعارضة التي تزعم أنها تتكلم باسمه بتوجيه من السلطان العثماني أردوغان والأمير الذي قام بانقلاب على والده فأزاحه من السلطة وجلس على الكرسي مكانه...

كسر الحلقه المفرغه
مصياف عود على بدء -

هناك فقره جوهريه في المقاله هي "وبالطبع، وعلى الرغم من ذلك كله، لا يمكننا إنكار وجود انقسام أكثري سنّي حول الثورة، لكنه ذو طبيعة فكرية تتعلّق بالخوف من الحرب الأهلية والخوف على مدنيّة الدولة، على العكس من طبيعة الاصطفاف العلوي الذي يستند إلى قوة الغريزة" و تعليقي أن الشعور الأقلوي في بحر التحريض الشيعي السني المحيط بسوريه يجعل هذا الشعور ينحدر الى " قوة الغريزه " اي غريزة البقاء في عرش القوه مخافة العوده الى القاع .. قد يكون هذا الشعور لا يعني الدروز و لا الاسماعيليين كثيرا و لكن عند معظم أبناء الطائفه العلويه الوضع مختلف فهم الآن في السلطه ( أو هكذا يخيل لهم ! ) و هذا الوضع يجعل الشعور الأقلوي لديهم متجسد الى أبعد مدى و بقوه نتيجة هذا الوضع و نتيجة لسنوات الحكم الديكتاتوري التي استثمرها النظام في تعميق الشعور الأقلوي لدى العلويين من خلال تصعيد شعورهم بالقوة للتغلب على شعورهم التاريخي بالضعف ...أي تسليح " من يظن نفسه ضعيفا " ب " ما يعتقد انها القوة التي تحمي ضعفه " فلا هو قادر لاحقا عن التخلي عن هذه القوة لأنه أساسا غير قادر على ازالة " وهم ضعفه " ..انه مثل الدونكي شوت الذي يحارب طواحين الهواء فلا أنت قادر على اقناعه بأنه يحارب وهما و لا انت قادر على اخراجه من ورطته في مقاتلة السراب ..... و لكن من الانصاف القول ان "قوة الغريزه المشار لها " أيضا توجد لدى فئه غير قليله من ابناء الطائفه السنيه في هذه الثورة و قوة الغريزه لديهم ليست نابعه من "شعور أقلوي" لانهم باختصار ليسوا أقليه و انما " قوة غريزه " نابعه من حالة "شعور أكثري " و " ظلم " و مشاعر ثأريه مع النظام و ربما من باب طائفي بحت ...... باختصار " قوة الغريزه " موجوده لدى الجميع لأنهم بشر و لكن تختلف دوافعها نتيجة اختلاف الظروف التاريخيه و الانتماءات و غير ذلك ...كما تختلف نسبة انتشارها و تمثيلها النسبي في الطوائف ... على الجميع تفكيك مركبات " القوة - الضعف " حتى نخرج من حالة " الفأر المستاسد " و الأسد المستضعف " ....على الجميع المشاركه في كسر الحلقه المفرغه هذه كل من صوبه و الا فان نار الموت و الدمار ستستمر .... أما السلاح و السلاح المضاد فليس الا تعميق لهذه الحلقه و تكريس لمفعولها ... ان العنف و العنف المضاد ليس الا " تلقيم راجع ايجابي " في هذه الحلقه ....... و غبي من يتصور أن عسكرة الثورة ستعيد سوريه الى جادة الص

تحية
حكمت .ع. -

تحية لماهر شرف الدين المعارض العنيد والنقدي والشجاع

الموت لازلام اسد
وليد الحلبى/الشعار -

بعد سنه ونصف من المجازر والفتل والتعذيب والهدم والتشريد لا جدوى من اى حوار اوتفهم لموقف أغلبية العلويين نعم هم طائفيون مجرمون أستولوا على الحكم وسرقوا سوريا وساندوا المجرم الجبان بالمال والسلاح يجب أن يدفعوا ثمن جرائمهم وقريبا سيدفعوه يوم لا ينفع الندم وشكرا لكاتبنا العزيز ولا تهتم لتعليقات شبيحة بشار

الفشل
مستعد -

بعد سنة ونصف من المجازر والقتل... الذي يرتكبه السلفيون ضد أبناء الشعب السوري فشلوا في الوصول إلى غايتهم وما زال الرئيس بشار الأسد يزأر حاكما في دمشق.. فلم يجدوا من حل سوى تسعير الخطاب الطائفي، ولعل هذا دليل قاطع على إفلاسهم واصطدام مشروعهم الصهيوأمريكي بالجدار في سورية المقاومة والممانعة والعروبة..

لب الحقيقة
علي ابو خطاب -

شكرا لمقالك الطائفية للاسف حاضرة في المشهد

لب الحقيقة
علي ابو خطاب -

شكرا لمقالك الطائفية للاسف حاضرة في المشهد

تحية لك
محمد حلبي -

تحية لك أستاذ ماهر على هذا المقال الذي يدل على نزاهتك وصدقك وأعانك الله على أفراد الحزب الذي تتحدث عنه -والذي أظن أنه حزب الشعب وقائده رياض الترك- والذين على ما يبدو بدؤوا فورا بمهاجمتك ووضعك في نفس خانة عبد الرزاق عيد الطائفية!!! تحية لك مرة أخرى

تحية لك
محمد حلبي -

تحية لك أستاذ ماهر على هذا المقال الذي يدل على نزاهتك وصدقك وأعانك الله على أفراد الحزب الذي تتحدث عنه -والذي أظن أنه حزب الشعب وقائده رياض الترك- والذين على ما يبدو بدؤوا فورا بمهاجمتك ووضعك في نفس خانة عبد الرزاق عيد الطائفية!!! تحية لك مرة أخرى