قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وإلى وقت غير بعيد، وقبل حصول ما يسمى "الربيع العربي" "معبود الجماهير" في بلاده وخارجها، وواحدا من بين أكثر ساسة العالم الإسلامي الحائزين على رضا الجيران الإقليميين ونظرائهم الغربيين على حد سواء. فقد حقق الرجل عديد الإنجازات داخليا وخارجيا وكان الأفضل، على أكثر من صعيد، بعد أتاتورك من بين جميع من تداولوا على سياسية شؤون الأناضول بعد الحرب العالمية الأولى.لكن "أردوغانا" جديدا رأى النور مع بزوغ فجر "الربيع العربي"، شخصا غير مألوف، مغايرا لذلك الذي خبره العالم طيلة السنوات التي سبقت هذه "الفوضى الخلاقة" في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن. حيث افتقد الرجل حكمته خصوصا فيما يتعلق بالملفين السوري والمصري وبدا عاطفيا مترددا يرتكب الخطأ تلو الخطإ، همه إرضاء إخوانه المسلمين الصاعدين للحكم في هذه البلدان وتنظيمهم العالمي على حساب مصالح بلاده الحيوية.
الملفان الكردي والأمنيفالمصلحة التركية تقتضي أن تتم المحافظة على إستقرار سوريا، وأن تبقى دمشق موحدة خاضعة للمركز. فأمن الأتراك من أمن السوريين والعكس صحيح، وذلك بقطع النظر عن "سائس" شؤون بلاد الأمويين حتى لو كان "الشيطان" نفسه. وبذلك فإن إغراق سوريا بالتكفيريين غير المنضبطين ليس مصلحة تركية بالمرة وخطوة ستعود بالوبال على أنقرة قبل غيرها إن عاجلا أم آجلا. إذ يتوقع جل الخبراء أن يُكفَر هؤلاء لاحقا الساسة الأتراك بسبب انضوائهم تحت راية نظام علماني، ويعلنوا عليهم الجهاد، وذلك بعد القضاء على الأسد (رغم أن الأمر مستبعد) أو بعد وصولهم إلى قناعة مفادها استحالة الإطاحة به.كما أن إفلات الكرد السوريين من "قبضة" النظام في دمشق يهدد إستقرار الأناضول ويقوي النزعة الإنفصالية لأكراد تركيا. فمن الطبيعي أن يطالب سكان ديار بكر والأقاليم المجاورة بحق تقرير المصير أسوة بـ"أقرانهم" في سوريا وخصوصا في العراق، ومن الطبيعي أيضا أن تتحول المنطقة الحدودية بين تركيا و"سوريا الكردية" إلى "جنة" للمهربين واللصوص والمجرمين وقطاع الطرق وممتهني الإرهاب الدولي، وهو ما سيهدد، بحسب التوقعات، ليس تركيا فحسب وإنما المنطقة بأسرها.
اللعب بالنارأما مصلحة الإخوان، والتي انتصر لها أردوغان في نهاية المطاف، وسار على دربها، فتقتضي أن يتم إسقاط نظام الأسد بكل السبل المتاحة حتى لو تعلق الأمر بإغراق بلاد الشام بالتكفريين و"مجاهدات النكاح" في مرحلة أولى، ثم العمل على إيصال إخوان سوريا للحكم عبر إقناع اللوبي الصهيوني وصناع القرار في واشنطن بتلك المقولة السحرية التي برع في ترديدها البعض والتي مفادها أن الإخوان هم خير ضامن لمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة، وأنهم بـ"اعتدالهم المزعوم" الأقدر من غيرهم على محاربة الإرهاب أو ما يسمى لدى الدوائر الغربية بـ"الإسلام المتطرف".فأردوغان لعب بالنار بحسب أغلب المحللين وسيكون وبلاده أول المكتوين بها، والخاسر الأكبر من هذه اللعبة هو الشعب التركي دون سواه، والذي ستكون تركة هذه السنوات الثلاث ثقيلة عليه وأكبر من طاقة احتماله. كما أن قرارات أردوغان ومواقفه مما يحصل في دول الربيع العربي ستعود على العثمانيين الجدد (حزب العدالة والتنمية) بالوبال إذ يتوقع لهم الخبراء تراجعا في نتائج الإنتخابات البلدية القريبة وسقوطا مدويا خلال الإنتخابات التشريعية القادمة.
عزلة حماسوعلى غرار أردوغان فقد تورط "إخواننا" في قطاع غزة وتونس ومصر (قبل الإطاحة بهم) في الإنتصار لتنظيمهم العالمي على حساب مصالح شعوبهم. فالغزاويون الذين يعانون الأمرين من حصار جائر امتد لسنوات، و"حاكمتهم" حركة حماس، بحاجة إلى الدعمين السوري والإيراني بعد أن تخلى عنهم محيطهم العربي. وتقتضي البراغماتية السياسية في هذا الإطار الحفاظ على شعرة معاوية مع النظام الأسدي في دمشق ونظام الملالي في طهران، وعدم الإنسياق وراء الدول التي انخرطت في عملية الإطاحة بالنظام السوري.لكن حماسة "الربيع العربي" أخذت الحمساويين واصطفوا وراء المرشد العام والقرضاوي والغنوشي ومرسي وغيرهم، ضاربين بالمصلحة الوطنية الفلسطينية عرض الحائط فما جنوا غير العزلة والعجز عن مقارعة العدو. فلا أحد من بين من اتُبعوا (بضم وشد التاء) قادر على مد يد العون لمن قد يُذبحون مستقبلا من الغزاويين على يد الإحتلال الغاشم، فهم (أي المُتَبعون بفتح الباء) أضعف من أن يقوموا بذلك الدور وكفاهم ما يواجهون من مصاعب في أوطانهم.
أزمات ديبلوماسيةأما في تونس فقد أوقع الولاء المطلق للإخوان، حركة النهضة ومن يدور في فلكها على غرار المتربع على عرش قرطاج، في مشاكل ديبلوماسية بالجملة تحدث عنها القاصي والداني. فقد قُطعت العلاقات مع سوريا من دون موجب ودفعت جاليتنا في دمشق وشتى المدن السورية الثمن باهضا. فوحشية النظام السوري في استهداف المدنيين العزل أمر مفروغ منه، لكن ذلك لا يبيح بأي حال من الأحوال الضرب بمصالح التونسيين، الذي نصَبوا الإخوان على عروشهم، عرض الحائط والإستعاضة عنها بمصالح هذه الدولة الخليجية أو تلك.كما أن اصطفاف حركة النهضة وحليفها "المفدى" ساكن قرطاج، مع الرئيس السابق محمد مرسي وحركة الإخوان المسلمين في مصر، فيه الكثير من المراهقة السياسية وقلة الخبرة والعشوائية في التسيير. فالمصلحة الوطنية التونسية تقتضي الحفاظ على علاقات جيدة مع أرض الكنانة بقطع النظر عمن يدير شؤون هذه البلاد، فبيننا وبين مصر أكثر من رابط ومن حقها علينا كدولة شقيقة نشترك وإياها في الدين والعرق والجغرافيا والتاريخ ووحدة المصير أن نحترم شأنها الداخلي وأن لا نتدخل فيه إلا متى طلب منا أن نكون وسطاء خير. والحقيقة أنه لولا رصانة الديبلوماسية المصرية وحكمتها ورجاحة عقل القائمين عليها الذين فضلوا عدم الإنخراط في مستنقع طفولي من التصريحات والتصريحات المضادة أطلق شرارته التونسيون، لعرفت العلاقات بين القاهرة وتونس أزمة حادة كان الشعبان الشقيقان في غنى عنها ولوصلت الأمور إلى ما لا يحمد عقباه. لقد غض المصريون الطرف وكانوا كبارا خلال هذه الأزمة في مواجهة مُغلَبي مصالح الإخوان على الأوطان.