"الشميريكا" والنظام العالمي القادم
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان
مع انتهاء القرن العشرين وبدأ العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، يتهيأْ العالم لأفول هيمنة حضارة القرن العشرين الأمريكية، كما أفلت من قبل هيمنة الحضارة البريطانية في القرن التاسع عشر، وسيستعد العالم للانتقال لعالم تشرق فيه حضارة الشرق الأسيوية. فقد بدأت الولايات المتحدة تحس بأن قرن حضارة الغرب قد بداء غروبه، وخاصة بعد أن تزايدت ازماتها الاقتصادية، مما أدى بحكوماتها لربط الاحزمة لخفض نفقاتها والتي تعتمد علي الديون من دول الشرق. كما بدأت الولايات المتحدة في خفض ميزانياتها العسكرية، والتخلص من الحروب المكلفة في الشرق الأوسط، وخاصة بعد أكتشاف كميات هائلة من الطاقة الأحفورية، والتي ستحولها لدولة مصدرة للطاقة. كما بدأ الغرب بالشعور بأن الحروب القادمة ستكون حروب اقتصادية وليست سياسية أيديولوجية.وفي خضم هذه التغيرات، نجد عالمنا العربي، بعد ما سمي بانتفاضات "الربيع العربي" في حيرة من أمره، ومرتبك من السياسات المستقبلية لحلفاء القرن العشرين، وينظر للمستقبل بوجل وتخوف. وسنحاول عزيزي القارئ في هذا المقال أن نعرض مثلا للتحولات الدولية المستقبلية، من خلال التطورات القادمة في العلاقات الأمريكية الصينية، فقد تكون منارا تستفيد منه حكومات وطننا العربي، لتقرير استراتيجياتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية المستقبلية.فمن المعروف بأن تخطيط استراتيجيات دول الغرب تعتمد على مؤسسات بحثية علمية متنوعة، والتي تقوم بنشر أبحاثها في مجلات علمية مرموقة. ومن خيرة هذه المجلات العلمية التي تناقش العلاقات الدولية هي المجلة العلمية الشهرية العالمية فورن أفيرز، والتي تصدر بمدينة نيويورك. وقد كتب بهذه المجلة في شهر سبتمبر الجاري، البروفيسور مارك ليونارد، مؤسس ومدير المجلس الاوربي للعلاقات الخارجية، مقال بعنوان، لماذا يؤدي التقارب لولادة الازمات، يقول في مقدمته: "يخاف الكثيرون بأنه في المستقبل الذي ليس بالبعيد أن يتمزق العالم، حينما تزداد الفجوة بين الولايات المتحدة والصين، ويتساءلون: كيف ستستطيع ديكتاتورية شيوعية، وديمقراطية رأسمالية، ان تملئ هذه الفجوة بينهما؟" يعلق الكاتب على هذا السؤال بقوله: "لقد حان الوقت أن نتوقف عن التفكير بأن هذين البلدين أتوا من كوكب اخر، وبأن تأزم العلاقات بينهما نتيجة لاختلافاتهم الأيديولوجية. بل فحتى زمن ليس ببعيد، كانت العلاقات الصينية الامريكية جيدة، وذلك لكون مصالحهما وخصوصياتهما تختلف. واليوم، تقارب التشابه بين هذه المصالح والخصوصيات، فليس الاختلاف الذي يبعدهما عن بعضهما، بل التشابه."لقد كانت العلاقات الامريكية الصينية في بدايات القرن الحادي والعشرين مناقضة للعلاقات الامريكية السوفيتية. فخلال الحرب الباردة، حينما كانت الجغرافية السياسية مرتبطة بالاختلافات الايديولوجية، كانت زيادة التواصل ونمو التقارب بين المجتمعين المبتورين يعزز الانفراج، ولكن اليوم تداخل العلاقات الدولية يعكس تلك الديناميكية. فيرتبط التنافس اليوم بهيبة المركز الاقتصادي وليس بالايديولوجية، ونتيجة لذلك تؤدي الاختلافات بين القوى العظمى عادة للتكامل والتعاون، بينما بالعكس يكون التقارب في المستوى الاقتصادي جذور للازمات. فبمحاولة الصين والولايات المتحدة اعادة التوازن الاقتصادي بينهما ومراجعة السياسات الخارجية سيزداد الصراع على المصالح المشتركة. فكما توقع سيجموند فرويد بأنه كلما زاد التشابه بين الصين والولايات المتحدة، كلما قلت المحبة بينهما، وسمى فرويد ذلك "بنرجسية الاختلافات الصعيرة"، وهي ميول الشعوب المتشابه على التميز، من خلال خلافاتهم الصغيرة، ليبرروا الشعور العدائي بينهما. ومع أن هذين البلدين غير متماثلين، ولكن ضاقت الهوة التي كانت تفصل بينهما في جيل سابق، وبسبب تقارب التشابه هم الان عرضة للمجابهات. فقد تأمل اوباما، حينما أستلم الرئاسة في عام 2009، أن يدمج الصين في مؤسسات العولمة، ويشجعها لتحديد مصالحها ضمن النظام العالمي الغربي. ولكن انتهي اوباما بعد خمسة سنوات من المحاولة بخيبة أمل كبيرة، بل اعتبر الصين معضلة بدل أن تكون شريك، في حين يتجنب الصينيون الدفاع عن نظام دولي ليس لهم فيه لا ناقة ولا جمل.فقد شعرت القيادات الصينية الحاجة لعلاقة جديدة بين القوى العظمى، لتعبر بذلك عن رغبتها الاحترام من الولايات المتحدة، وبأن تساعدها في مطالبها الحدودية، وتتفهم أهمية تحديد الصين لمصالحها الاستراتيجية والاقتصادية بدل دعمها للاجندات الغربية، وليبقى العالم قلقا من خلافات القوتين الاعظميين. ففي العقدين الماضين استمتعت الصين والولايات المتحدة بتعايش جميل، فبينما كانت الصين تدخر أرباحها، من استهلاك بضائعها في الولايات المتحدة، وتودعها في السندات المالية الامريكية. كما تجنبت الهيمنة الامريكية من تقليل شأن السياسات الخارجية الصينية المهتمة بشؤونها الداخلية، مما أدى لتداخل مصالحهما. وليختار المؤرخ نيل فرجسون، والاقتصادي مورتز شولاريك، تسمية "شيمريكا" لهذه النوعية الفريدة من التعاون. فقد خلقت "شميريكا" بالرغم من الاختلاف العميق في فلسفة البلدين، بعد أن أديرت الصين برواء الرئيس دنج في التسعينيات، والتي كانت تهدف للمحافظة على الاستقرار الوطني والعالمي، بخلق سياسة خارجية طموحة، والتركيز على التنمية الاقتصادية، من خلال التصدير والاستثمارات الاجنبية. بينما ركزت الولايات المتحدة في التسعينيات على سياسة خارجية، تحافظ على الاستقرار في الجزء العالم التي كانت تهيمن عليه، والتي بنيت على نظام التجارة الحرة الخارجية مع التنمية الداخلية في الولايات المتحدة. ومع إن النظرتين مختلفتين ولكن نادرا ما تكونا متضادتين، بل كانتا مكملتان لبعضهما، بالرغم من المنافسة الهادئة التي تجنبت المجابهه، باختيارها اهداف مختلفة، وطرق متباينة لتحقيقها. فقد ركزت الولايات المتحدة في اسيا على هيمنتها العسكرية، وقاومت أية مبادرات اقتصادية اقليمية لم تكن من ابتكاراها، بينما ركزت الصين على طمأنة جيرانها عن صعودها السلمي، بدعمها التعاون والتكامل الاقليمي من خلال معاملات تجارية مربحة. وتجنبت واشنطون وبيجين التنافس، حيث ركزت الولايات المتحدة على علاقاتها مع الديمقراطيات المتقدمة ودول الشرق الاوسط الغنية بالطاقة الاحفورية، بينما ركزت الصين على طاقاتها الدبلوماسية للبحث عن فرص في القارة الافريقية وأمريكا الجنوبية بعد انسحاب الولايات المتحدة منها.ومع الأسف أدت الازمة الاقتصادية لعام 2008 للقضاء على عصر "شيميريكا"، بمراجعة واشنطن وبيجين توازن علاقاتهم الاقتصادية التي وصلت لمرحلة هشة. فتحاول الصين اليوم أن تتحول لاقتصاد يعتمد على الاستهلاك الوطني. بينما تحاول الولايات المتحدة أن تحقق نموها الاقتصادي بدعم القطاع الصناعي، وذلك بخفض سعر منتجاتها بخفض قيمة الدولار. بالإضافة للدعم المالي لصناعاتها، وتشجيع معاملاتها التجارية المرتبطة بالدول الغنية كاليابان والاتحاد الاوربي. وقد أدى ذلك لزيادة التنافس بين الدولتين بعد توجههما لاسلوب تقليدي في الانتاجية والاستهلاك. فمثلا لم تعد الصين راغبة في أن تصنع تلفون "الاي فون" لينتهي بمعظم ارباحه في جيب الشركات الامريكية، بل شجعت شركاتها الاقتداء بشركة هوي الصينية التي نجحت في تسويق تلفون قريب من الاي فون لتحافظ على ارباحها في البلاد. كما تحاول الصين أن تناضل لإدارة تأثير صعودها العولمي لشكل حسن، فقد بدأت قياداتها دراسة سياساتها الخارجية، ووضع استراتيجية تضمن دورها في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، بعد أن صدمت من دعم الدول النامية لحرب الناتو ضد القذافي. كما زادت ضغوط الشركات الصينية على السياسات الخارجية الصينية السلبية لحماية مصالحها في سوق العولمة، مما أدى لبروز قيادات سياسية وعسكرية تدعو لحماية الصين لمصالحها الخارجية. وقد علق البروفيسور الصيني يان زيتونج بقوله: "حينما تكون الصين قوية كالولايات المتحدة، سيكون لديها نفس السياسات الخارجية الأمريكية، لحماية سيادتها ومصالحها الدولية."وينهي البروفيسور مقاله بالقول: "يبدو بأن العالم سيمر بمرحلة جديدة من المنافسة، وستكون منافسة جغرافية اقتصادية، بسبب زيادة الكلفة العسكرية، كما سيكون هذا التنافس الصيني الامريكي متداخل بسبب التشابك الاقتصادي العميق بين الدولتين، وسيعتبر صانعو السياسة في البلدين هذا التدخل الاقتصادي خطر وسيحتاج تخفيفه وإدارته بشكل سليم. كما ستحتاج الولايات المتحدة أن تستمر الصين في شراء مستنداتها المالية، كما ستعمل لجلب الاستثمارات الصينية، وفي نفس الوقت ستكون قلقة من الاعتماد على الرأسمال الصيني، والتجسس الصيني عبر الانترنت. وفي الطرف الاخر ستحتاج الصين مسكن امن لمدخراتها المالية، كما ستحتاج للمعلومة الامريكية لتنمية صناعاتها ومجتمعاتها، ولكنها ستكون قلقة من السياسات النقدية الامريكية التي تخفض قيمة الدولار لتحطم الثراء الصيني. وستدفع الحرب الباردة الاقتصادية القادمة بينهما دول العالم لاختيار الحليف الانسب، وذلك باستغلال الفرص المناسبة لتحقيق مصالحها الوطنية، وسيناضل الامريكيون والصينيون للمحافظة على مواقعهما الاقتصادية لا على الايديوجيات البالية. وقد كانت الصين ضعيفة في القرن الماضي لتفرض نظام مخالف للنظام الليبرالي التى تقوده الولايات المتحدة، ولكن سيتغير كل ذلك حينما يستخدم الاثنين نفس الحوافز: النظام ، الشرعية، التنمية، والمسئولية، ولكن سيختلفان في المعنى واللغة." ويبقى السؤال لعزيزي القارئ: هل ستتوقف المعارضة العربية عن تسويق الايديولوجيات التقليدية البالية وتركز على التنمية الاقتصادية؟ وهل سيرجع رجال الدين المسيسين لاختصاصاتهم الروحية، ويتجنبوا التلاعب بمستقبل شعوبهم، بطرح نظريات أكل الزمن عليها وشرب؟ ولنا لقاء. سفير مملكة البحرين في اليابانالتعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف