التاريخ لا ينتظر أحداً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&
لا ينظر إلى الخلف، و هذه هي المفارقة، بل يسير قُدُماً و إذا سقط منه شيء فإنه لا يفكر بالتقاطه أبداً. التاريخ الذي أعنيه هنا ليس ذلك المدون في الكتب، إنما هذا الذي تصنعه الشعوب الحية حضارةً و علماً و تجربةً. تجربة الإنسانية كلها التي هي في عمقها أكبر من أن يحملها شعب بمفرده أو حضارة بعينها. التجربة التي تتراكم عبر الزمن و الحضارات المتعاقبة و تتفاعل مع ما يحيط بها من منجزات في رحلةٍ لا تنتهي بالوصول. هي مسيرة التاريخ التي أصبحنا عالةً عليها في عالم اليوم.السؤال هو لماذا تخلفنا عن ركب الحضارة؟ لماذا فقدنا مكاننا على خارطة العالم؟&هنالك قطعاً أسباب عديدة، من بينها هذا التصور السائد في المجتمعات المسلمة، الذي يرى أن ما "ينبغي" أن تكون عليه الحضارة "الحقيقية" المتوازنة روحياً و مادياً، هو ما حققته الحضارة الإسلامية. و أن على الجماعة المسلمة أن تنظر إلى الخلف "لتستعيد" ما تحقق في الماضي. بهذا المعنى، نحن المسلمون في حالة خصام مع مجريات الحضارة الإنسانية ما بعد اللحظة الإسلامية، بحيث صرنا نستهلك المنجز المادي للحضارة المعاصرة و ننبهر به، ثم نرفض الأسس المعنوية التي بني عليها.&في مواجهة هذا التخلف الحضاري الذي نعانيه، يروج الإسلاميون بأن "الحل" هو في إحياء الحضارة الإسلامية عن طريق بعث التراث، و هذا هو التضليل بعينه. ذلك أن الحضارات الميتة يستحيلُ إحياؤها. ينبغي أن نفرق هنا بين الدين الإسلامي الذي يبقى حياً، كأي دين آخر، ما دام على الأرض بشر يؤمنون به. و بين الحضارة الإسلامية من جهة أخرى، التي مرت بدورة حياة كاملة و أعطت ما لديها و انتهت. هذه الأخيرة لا يمكن أن نستعيدها من جديد لسبب بسيط، هو أنها فقدت حيويتها و مبررات وجودها في الأصل حين تجاوزَ الزمنُ المبادئ و الطروحات الأساسية التي استندت إليها.&
&نعم يمكن الإستفادة من جوانب محددة في التراث، و هذا مما فعلته أوربا في انطلاقتها. غير أنها في الوقت نفسه هضمت حضارات سابقة و أخرى معاصرة لنهضتها، ورثتها و تفاعلت معها ثم انطلقت إلى أفق مبتكر مضيفةً قيمة جديدة إلى مخزون الخبرة الإنسانية. فأوربا عصر النهضة لم تلتفت إلى الخلف في محاولات يائسة لإحياء حضارة الرومان على سبيل المثال، و لا سعت إلى بعث تراث اليونان بقضه و قضيضه. لكنها أخذت مثلاً بذرة الديمقراطية من الإغريق و طورتها إلى منظومة حياتية شاملة، وظفتها في بناء جديد هو ليس تكراراً لما سبق.&
&اليوم نحن نفعل النقيض تماماً، نتدثر بماضٍ صار بالياً و ننفخ في الرماد فتعمى عيوننا عن رؤية ما حولنا. نحن بعبارة أخرى عالقون في تراثنا، و من هنا تبرز أهمية تصفية الحساب مع ذلك التراث قبل محاولة الاستفادة من تجاربه. المقصود بتصفية الحساب أن نعيد قراءة التراث بنصوصه و شخوصه و مقولاته في ضوء التاريخ. أن نخلع عنه عباءة التقديس التي تستر ما فيه من عيوب و علل استحالت مع طول العهد بالتستر إلى تشوهاتٍ خطيرة. هذه العملية تضمن أننا سنرى ماضينا لا بعين المُقدِس الناقل للسم مع الدسم، و إنما بعقل الفاحص المدقق الواعي بحركة التاريخ و الذي لا يتردد في طرح ما أصبح رثّاً من تراثه. و لهذا السبب بالذات فإن محاولة بعث التراث من مرقده، التي نادى بها الإسلاميون، دون المرور بمرحلة تصفية الحساب هذه انتهت و ستنتهي دائماً إلى صناعة وحوش تنقض على صانعيها قبل غيرهم.&
&و بعد، هل من شك في أن المنفذ الوحيد للخلاص من المأزق التاريخي الذي نحن فيه، يأتي بالإنفتاح على المنجز الإنساني الذي استكمل المشوار من حيث توقفنا؟ لا بد أن نتعلم لغة العالم اليوم التي هي لغة المعرفة العلمية لا المسلمات العمياء، و من ثم نخرج بصيغة جديدة تلائم حياة قادمة، و إلا فإن ما يعصف بنا الآن من زوابع ليس سوى مقدمة لما قد يحصل على المدى البعيد.&التاريخ لا ينتظر أحداً، و لا يتوقف و لا حتى لالتقاط أنفاسه، اما أن تسير معه أو يسير على حساب مستقبلك.&* شاعر و كاتب عراقي azado196@gmail.com&
التعليقات
التقديس اصطلاح ديني وليس حضاري
Sam -المشكلة ياعزيزي هو انه لا توجد حضارة اسمها حضارة إسلامية . اولاً : لم توجد حضارة في تاريخ البشرية ارتبطت بدين معين فالحضارات التي قامت كان أهلها يدينون بديانات مختلفة ولكن أتقفقوا علي يتعايشوا مع بعضهم البعض مهما كانت اختلاف ديانتهم وتنوعها وعددها. فقد قيل ان الرومان قبل ان تتحول الي المسيحية كان هناك الآه لكل حي في روما. ثانياً: الإسلام هو الدين الوحيد الذي اقصي كل الأديان الأخري واجبر كل البلاد التي احتلها باعتناق الإسلام كرهاً او بشتي انواع الاغراءت ثالثاً: كل الحضارات بدءات من منطقة معينة وعظمت حضاراتها وبعدها انتقل اثار تلك الحضارات الي جاراتها وهنا نعترف ان هذا الانتقال قد يكون بطرق سلمية وقد يكون بحروب ولكن لا يحتمي بأي مسمي ديني بل كانت دوافعه سياسة اقتصاديه فقط. رابعاً: الغزو العربي الإسلامي بداء من الجزيرة العربية التي كانت صحراء جرداء لا خضرة فيها ولا ما وظلت ١٣٥٠ سنة علي هذا المنوال حتي ظهر البترول وتغير الحال وكل ما حدث بعد ذلك جاء من الخارج وليس من الداخل وليس لهم أي فضل في ذلك. إذا كنت تتكلم عن الأندلس او بغداد او الشام او مصر كلها كانت بلاد حضارية قبل الإسلام . وما فعله العرب أنهم استغلوا أهل هذه البلاد بعد الأسلمة القصرية لصالحهم كأي مستعمر. رابعاً: ان كنت تتكلم عن تقديس التراث فلا يوجد شخص يقدس التراث الحضاري بل أصحاب الحضارات يفتخرون بإنجازات أجدادهم وليس باعترافهم هم فقط بل العلماء الأجانب هم الذين يثمنون ما فعله هؤلاء العظماء وهم بكل طاقاتهم ان يحافظوا علي هذا الإرث ولكن ليس هناك أي تقديس. اما التقديس فيأتي من الأديان فإذا كنت ترغب في رفع القداسة عن التراث فانت ترفعه عن الدين وليس عن الحضارة
إلى الكاتب مع المودة
ن ف -ها أنت عُدّتَ وعادت مقالاتك التي صارت جزءاً من سعادتي.. لا تعرف كم توّقاً أنا لقراءة ما تكتب. مقالتُكَ هذه هي حُسنُ ختام في هذا العام. أتمنى لك عاماً جديداً آخراً تُتحفنا به من وعيك المُميّز وقلمك الرشيق ولغتك الرّصينة. أنظرُ قدماً لقراءة المزيد من نتاجاتك في قادم الأيام.. تقبّل رائع شكري واعتزازي.
أحسنت يا استاذ
فول على طول -الاستاذ اسكندر جاء بالمختصر المفيد ..الأخذ بالتراكم الحضارى والبناء علية هو السبب فى التقدم .وصدقت يا استاذ حينما قلت : التخلف الحضاري الذي نعانيه، يروج الإسلاميون بأن "الحل" هو في إحياء الحضارة الإسلامية عن طريق بعث التراث ..نعم يا استاذ صدقت . التراث الاسلامى بة الكثير من القيود المكبلة للعقل . والحضارة ليست لها ديانة الا عند المسلمين فقط ..الدين لا يصنع حضارة بل البشر هم الذين يصنعون الحضارة وأحيانا يكون الدين عائقا للتقدم الحضارى مثل التراث الاسلامى .
اروع ما قرأت عن تخلفنا
دكتور حسين -مقالة رائعة للكاتب الشاب ازاد اسكندر .. لقد لأمس قلمه مواطن الخلل للمسيرة المتعثرة لمجتمعاتنا العربية و المسلمة في سعيها للتلاقح مع ثقافات الامم المتحضرة.. لقد حررها بأسلوب سلس واضح يفكك برشاقة كل تعقيدات السؤال المزمن لموضوع الأزمة الفكرية للغالبية العظمى من المثقفين العرب والمسلمين ............ انها الجواب على السؤال التالي : لماذا نحن في الخلف دائماً في الصف لا نتقدم ؟؟؟
تنقيح القرآن
2242 -تخلف العرب بدأ منذ ظهور الحركة الإسلامية