فضاء الرأي

يوميّات كتالانيّة (2)

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

[سباحة]
تنزل بحرها بعد سنة من قدومك، مع أنك جارهُ في السكن وسبّاح قديم. تنزل رأد الضحى، قريباً من فندق الشراع، وتكتشف أن مياهه أملح من مياه بحرك. تذوق وتفرح: فلا خطر هنا ولا تحتاج المسألة لأي جهد. فقط أعطِ ظهرك للماء واسترخِ، وهو كفيل بحملك كما لو كنت خشبة.
تسبح من الضحى للعصر. وتلاحظ الأهالي والسوّاح لا ينزلونه إلا دقائق. تنتبه وتضحك حين يحضرُكَ المَثَل: "ويل المشتاق إذا ذاق".
تسبح وتندم على سنة كاملة مضت بلا مرح.
بعدها، تعود له كل يوم: مرة في الصباح، ومرة في المساء.
تتعامل معه كأفضل رياضة لك، ككاتب أجبره التطور على الجلوس اللامتناهي أمام الشاشة.
آه.
غير ما تراه من بهجة الدنيا، وأنت تسبح وهم حولك في الماء وعلى الرمل كما زلطتهم الطبيعة.
اسبح يا عزيزي بكل اطمئنان، فلا مآسي هنا مثل بحرك البعيد.
ذلك الذي كل صيف له قرابين.
اسبح، حتى تتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
إسبح، حتى تخزّن من المؤونة، ما يكفي لسنواتك العجاف آنَ ترجع.
آنَ ترجع فتسبح مرة في السنة في تلك المياه الأقلّ كثافة،
والأكثر وحشة وانغلاقاً، من كل مياه الكوكب.
إِسبح واطفُ وغنِّ في الثانية صباحاً، فأنت في قلب مهرجان لا بحر.
ألله يا برشلونة!

[تلاعُب]
في صيفها العامر، يروقك الجلوس إلى أولئك المؤمنين بمزيدٍ من البيرة، للتخفيف من خفّة المَرَح البشري.
أحياناً، تلاحظ أن هذا الاختراع القديم ـ البيرة ـ عندما لا يؤخذ منه المزيد، يصير له جبروت الميديا الحديثة: يتلاعب بالوعي الجمعي!

[حكّة]
تذهب إلى باسيج دي غراسيا، وتعود من باسيج دي غراسيا، حتى تصل إلى هذا: إذا كنت شاعراً وأدمنت التسكع تحت شمس هذه المنطقة، حتماً ستصاب بحكّة السرد.

[غيتو]
أحمد شوقي عاش في برشلونة خمس سنوات كاملة (1914 ـ 1919) ولم يكتب عنها كلمة. ولا ذكرها بحرف ولو في حوار صحفي. معقول؟ مع أنه يعني، برشلونة كانت في ذاك الوقت تشهد ازدهاراً في مجالات الفنون كافة. فهل كان شاعر البلاط، مثل بعضهم الآن، عايش في غيتو ومسكّر بابه، ورامي المفتاح في البحر القريب؟
شيء عجيب!

[انطباع]
جرعة الويسكي الكبيرة جابت أجلك. ثقلت حتى لا تتبيّن الضروري من الثرثرة على الشاشة. إنك لتشعر الآن كمن يسحبه التيارُ ويغرق. فلا تقدر ليس حسب على مواصلة الكتابة، إنما على القيام من فوق الكرسي. إنه لشيء خارق أن تسمع أحدهم يحدّثك أول من أمس، وأنتما الإثنان تتنزّهان بجوار "مقهى القطط الأربعة"، وفي يديكما علبة بيرة واحدة، عن التحرر الأدبي بالكحول، والانطلاق كالحصان في سماء الخيال وبراري السرد.
ألانك مستجدّ يحدث معك العكس؟
لا تدري.
كل ما تدريه بالتقريب أنك تقوم اللحظة، وتحاول غير مرة لتقطع المترَ الفاصل بين المكتب والسرير، فلا يعقل بعد أن تمّت المحاولة بحمد الله، أن تبذل جهداً إضافياً لتعلّل وتبرّر.
لذا ستنام فوراً وتكتفي بهذا الانطباع:
"غريبة".

[حلم]
سبينوزا يكتب عن "الدولة" قبل قرون، وأنت تمشي الآن في أحد شوارعها لحظة الفجر.
هو يقول: ldquo;إن الهدف من تأسيسها ليس السيادة أو إرهاب الناس، بل تحرير الفرد من الخوف بحيث يعيش في أمان".
هو يقول، وأنت تشاهد كلماته متجسّدة في فتاة وحيدة عائدة للبيت، من سهرة البار. والأمان يملأ أعطافها، من خلف ومن قدام.
هو يقول، وأنت تمشي وتحلم: من أعطاكم يعطينا يا أخ.

[غلابا]
غلابا هُم، مثلك قبل أن تأتي إلى هنا، ومثلك بعد أن ترجع إلى هناك. غلابا هُم. وإلحاح طلباتهم وكثرتها أنت أفضل من يحسّ به ويتفهم الدوافع خلفه.
أليسوا رهائن المحبسين: حصار إسرائيل وخراب الأصولية؟
بلى. لكنهم يسهون - وأنت تعذرهم على هذا السهو - أنك، في الأخير، لست مؤسسة أهلية ذات باع، ولا وزارة ثقافة في أوروبا.
كلهم يريد تدبير سفرة ليشم حبة هواء خارج الجحيمين.
وأنت تفعل المستطاع: ترشّح أسماءهم في كل مهرجان تشارك فيه.
أكثر من ذلك، لا تستطيع شيئاً.
أنت المبسوط مؤقتاً هنا، وهم الغلابا الدائمون هناك.

[حصاد]
إشحذ ضرورة جسمك من فُتاتهم. واكتبْ: هذا آخر الحصاد.

[لغز]
أحياناً، لغز الجمال يبدو أصعب من لغز الموت. ما الذي في هذه العابرة جعل عقلك يدوخ وطائر روحك يتلعثم؟ تنفتح الإشارة الضوئية، وتذوب هي في الزحام، ليبقى اللغز!

[تضاريس]
حدّقْ مرتين: لكل شيء تضاريس حتى اللامرئي.

[هَزَل]
أُثقبِ القشرة. يقول له الكتابُ الذي يقرأه في ظهيرة الحديقة.
وثَقَبَها، فوجد قشرة، فثقَبها فوجد قشرة.
ظهيرتئذٍ، شعر بالمعنى الحارق لِهَزَل الوجود.

[سعادة]
الله موجود، بدليل هذا الكمال وهذه السعادة في جميع مخلوقاته.

[مقارنة]
لا يمكن مقارنة عطسة بعطسة. الكتابة أيضاً.

[صدى]
النحيب، كماالأدب: صدى الواقع، لا صوته.

[بحث]
والآن: جاء وقت البحث عن نصوص لا يكتبها بشر.

[معضل]
يتداعى الجسد، وتندلع الروح. كيف يمكن حلّ هذا المعضل الفلسفي في فراش متشرّدة؟

[عاهة]
واحدة من عاهات البشر غير المُنْتَبَه لها: التصفيق. إنه الرياضة الجماعية للقطيع. حتى هنا .. في أوروبا.

[رواية]
أنت مُنضوٍ داخل جِلْدك. والعالم منضوٍ داخل نطاقه الأرضي. هذه هي كل الرواية. البعض يعتبرها مأساة، والآخر يعتبرها ملهاة، ولأنك أقل أنانية وأكثر كسلاً، فأنت تعتبرها: تحصيل حاصل.

[خجل]
ما يحدث للشعب السوري، يفعل بك أكثر مما فعله جميع الفلاسفة والشعراء السوداويين على مرّ العصور: أنت تخجل الآن من بقائك حيّاً.

[نداءان]
يا نزيه! ما هكذا يورد الأحرار في سوريا يا نزيه!
ويا شارون!
مَن خَلَّفَ ما مات يا أسد الله!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف