فضاء الرأي

العراق : السّياسي ومرض التوحّد

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

السياسي العراقي القديم والجديد معا، لم يعرفا ولا تعرّفا يوما على معنى السياسة كممارسة سياسية حديثة. والقلّة الشاذة عن هذه القاعدة كانوا دوما من بين ضحايانا. الأحياء منهم والأموات. كانوا قلّة لا تكفي ولا تقوى على المواجهة في أزمنة الأوبئة والإجتياحات الكبرى. لكنّ لكلّ عصر أبطاله ومجانينه. الشجاعة هي نوع من التهوّر. وتعطيل ارادي للتفكير في لحظة. الآمال& كانت دائما بعيدة ونائية وبطيئة الحركة في أرض الرسل والأنبياء وكهنة المعابد البابلية القديمة. أرض الرافدين قد دُنّست على مدى تاريخها الغابر، وسنابك خيل الغزاة عبثت بها مرّات، لكنّها بقيت واستمرّت كإسم وكإنتماء وكحضارة تعرفها وتعترف بها الحضارات القديمة والحديثة. الجنون ومعاقبة الذات هما مستلزمات الإدمان على الهزيمة والتعايش معها بذلّ. هل ثمّة زاوية باقية للعقل؟. آخر عصفور لا زال يزقزق في ثناياه كل صباح. لكنّ عقل السياسي عندنا هو في بطنه التي لا تشبع من أكل لحم أخيه ميتا أو حيّا. العقل السياسي لا يحبّ العصافير إلّا في الأقفاص. الحرّية تربكه.
&الدنس كان يتسرب من الجبروت الكاذب لطغاتنا ومستبّدينا وما أكثرهم من المهد الى اللحد. من أوهامنا حولهم. من فوق لتحت. ثمّ بات يتسرّب بالعكس منذ أن بنينا للوهم بيتا وأقام بيننا. منذ متى؟. لم يعد ذلك مهمّا الآن. لقد كان في نفوس& حكّامنا دوما شيء من ضغائننا ومن بارودنا المحلّي الكامن وشيء آخر من الكبريت المستورد غير الأمين. يجلبوه معهم مستترا في أرواحهم وجيوبهم وحقائبهم الدبلوماسية وفي أرصدتهم المالية ثمن بيع الروح للشيطان. "فاوست" لم يرسم لنا سوى صورة أولية لهذه المبايعة. فالصفقة قد تغيرت والشيطان والبائع أيضا.
&هذا ما كان يحصل وما زال يحصل. شيء يتوحّد مع نفسه أو مع مثيله الأقرب بإستمرار وبتردّدات متناقضة وغامضة لا علاج لها لحدّ الآن. اضطراب شديد أو خفيف في وظائف الدماغ. يشبه الخبل ولكنه ليس كذلك. مقطوع عن المحيط غالبا. وله ردود افعال سريعة وسلبية.
&التوحّد يشبه الهيستيريا أحيانا وله أعراض أخرى شبيهة بأعراض إزدواج الشخصية المرضي. أكثر أوجه الشبه مع ساستنا الأفاضل هو في التمسّك بالذات والتمحّور حولها. الدوران بإيقاعات وحركات وإيماءات روتينية ومتكررة. السياسي يدّعي بأنّه يرى ما لا يرى. على الأقل هو يرى ما تراه أنت بالمقلوب. ما هو أبعد من مدى الرؤية. لإيهام النفس وخداع الآخرين. أعراض شبيهة بالهلوسة البصرية. معاكسة الماضي والحاضر والمستقبل. الزمن غائب. التدمير بهدف البناء. إنّها لعبة المصالح الأنانية المتوحّدة مع نفسها أيّها العراقي البائس والمغلوب على أمرك. أبن الطوائف والصرائف والمناحات التاريخية الطويلة. أنت تراها فقط، لطما ودروشة& وعقابا وأرثا من الثأر والإنتقام العابرين للعصور بلا توقّف ولا مراجعة. وهناك من يراها فرصته السانحة للثراء الفاحش في مزاد الدماء المفتوح حيث الضحايا وجلّاديهم يصرخون معا بصوت واحد نصفه مسروق ونصفه غائب عن الوعي.
في هذه الحفلة التنكرية التي تقيمها المنطقة الخضراء منذ 2003& بإعتبارها عاصمة السياسة ومقرّ الأسرار والعقارات والصفقات والمناورات والأحضان الدافئة والقريبة من السفارات الأجنبية، تكاد الأقنعة أن تلتصق بالوجوه. لا وجوه بدونها. الوجه والقناع قد توحّدا. الكذب له عدّة وجوه مدرّبة لسنوات طويلة ولكنّها تفقد كلّ ملامحها في لحظة السقوط والإنهيار. البلاهة وحدها هي كلّ ما سوف يتبقّى على وجوه مذعورة. هي بعض من أقدارنا وأوهامنا وشعاراتنا الغبيّة.
وغالبا ما يكسب الغبي رهانه في المعارك الصغيرة. وحتّى في المعارك الكبيرة أحيانا. ولكن ليس في الحروب الطويلة أبدا. الأمثلة كثيرة. السياسة العراقية الحاكمة لا يمكن وصفها الاّ بالبدائية. وعلى الأرجح بالشاذّة عن جميع القواعد العملية التي نعرفها ونفهمها.
&ولكن هل هي أقدار مرسومة لنا سلفا بأن نعلي شأن الشواذ والبدائيين والجهلة؟.
&وهل يمكن تغيير مسار الأمور بتدخّل من قبل البشر؟. الإجابة المنطقية هي: نعم بالطبع. وذلك بسيطرة مفاهيم الحقّ وسيادة القانون والعدالة الإجتماعية وبث الشعور بالمسؤولية بين الأفراد وإعلاء شأن القيم السياسية الحديثة التي تعاقب وتجرم وتخوّن التلاعب والتزوير والسرقة للمال العامّ. مال المجتمع ورأس مال وجوده وإستمراره. فهي تعني الصحة والتعليم والتنمية والخدمات التي تحوّلت الى أرصدة شخصية في البنوك الخارجية التي ستضيع آثارها يوما كما ضاعت غيرها من قبل.
أغلب ساستنا عاشوا في ظلال تلك المفاهيم ردحا طويلا من الزمن في بلدان اللجوء والمهجر دون التأثر بها ومحاكاتها وإستيعاب أبعادها الإنسانية العميقة إلّا شكليا. عند الحاجة وعند لزوم ما يلزم. عند تقويض الديموقراطية بالآليات الديمقراطية نفسها. الحاكمون منهم هذا اليوم في العراق هم ممّن كان يفضّل السراديب المظلمة على النور الكاشف للحضارة. يستلهم مثالبها القريبة لروحه ويترك جانبا صراحتها وإيمانها بالإنسان وبقدراته. أخذوا ما يناسبهم منها وما يرضيهم كذوات فردية وأنانية وتركوا تسامحها ومراجعتها الدائمة للأخطاء وتصحيحها للذات.
لذلك فإنّ ساستنا بحاجة للأقنعة والتوحّد معها لأنّهم أضاعوا "المشيتين". الغربية والشرقية معا. هم كانوا دائما من ورثة اللونين الأبيض والأسود. القيم المادّية والأملاك الدنيوية غربا وتجارة الروحانيات شرقا. تبرير الدنس القديم متاح ومتوفر كما لم يكن من قبل. المخبأ السرّي للغرائزالفالتة لا مكان له على الخرائط ولا يمكن أن تستدلّ عليه البوصلات. لا مكان له سوى في أعماقهم المريضة فقط. المتّوحد غالبا ما يتبع غريزته. يتعلّم الأشياء ببطء شديد وبحكم قوّة العادة والتعوّد لا بأحكام العقل والمنطق الغائبين. تعلّق المتوحّد بلعبته المفضلة لا تشبه سوى تعلّق السياسي بالسلطة. الفارق الوحيد هو أنّ المتوحّد ليس لديه حسّ التملّك. المتوحّد نقي وبريء والسياسي ليس كذلك. فهو فاقد لكلّ شيء سوى التملّك. الأملاك أساس المُلك. صباح الخير أيتها العدالة.

باريس

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
العراق دولة منبوذة ...ان
Rizgar -

العراق دولة منبوذة ...انها دولة آلهة التكفير. ..ليس للانسان فيها وجود ولا ثمن ..ولا للحرية مكان في تلك الدولة المنبوذة انسانيا واخلاقيا..والتي زرعها الشيطان.وسايكس وبيكو ومن اجل مصالح قومية عنصرية وعلى الشعوب في المنطقة ان تحصد مايزرعه الشياطين. وعلى الكورد القبول بالاخوة الاجبارية والحصار الاقتصادي والمقابر الجماعية ....اليس سؤ الحظ ؟

عدالة بلا عيون
جبار ياسين -

صباح الخير ايتها العدالة المعصوبة العينين ، حاملة الميزان ، اعدلي . ان لم تعدلي فمن سيعدل ؟ ايتها العدالة المعصوبة العينين ، مثل محكوم اما فصيل الإعدام ، اصرخي صرخة المعدوم الأخيرة . اصرخي بقوة قبل ان تتهاوين مضرجة بالدم على وتد الخشب . ايتها العدالة ، يا انثى ارحمي رجولتنا ، ايتها الام العمياء امام اطفالها ، نحن اطفالك العراة من الباطل ، ضعي على اكتافنا معطف الحقوق ، قميص الرحمة ، لباس العفو . انت الأعلى في المشهد ، واقفة كشجرة باسقة ، لاتحني ظهرك فتصيرين مثل مومس السياب تستدرين العطف والبكاء في دروب المساء الحزينة في بلادنا . ايتها العدالة ابرئي اوجاعنا ، هدئي من روعنا ، اشفي غليلينا بكلماتك لحظة تنطقين بالحكم بصوتك الرخيم .اقلبي الميزان فالعالم صار مقلوبا .نحن ابناؤك ، قضينا العمر نعبد الطريق لك ، نزيل الحصى عنه والغبار كي لا تتعثرين وانت العمياء منذ ولادتك في اور وبابل و أثينا وروما ومكسيكو . دعي اثقال ميزانك تتتهاوي على رؤوس القضاة الخونة ، أبناء الباطل المحمر العينين ، طالب الثأر . القضاة الذي شرعوا قطع السنتنا و آذاننا وتعزينا في الخنادق والسهوب واحراش الجبال . قضاة السدارات والعمائم والقبعات والرؤوس الصلعاء . القضاة أصحاب الأصوات التي تشبه خرير المزاريب في شارع المتنبي ومحكمة الجنايات و المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الذي هبط بشرفنا اسفل السافلين . نحن الأبناء الايتام من الاوطان، والايتام من راحة البال ، نحفظ القصائد عن ظهر قلب لننسى فجيعتنا . ايتها العدالة ليكن صباحك خيرا ، كل يوم ، وانت تنصفين عذابتنا وتنطقيين بالحكم دون تمييز بيننا وبين جلادينا الجدد والقدامى . آمين ، آمين ، آمين

اذا جاء نصر الله والفتح
جبار ياسين -

بعد الفتوحات المكية وصلنا الى الفتوحات الكردية . غدا يعين الولاة وتفرض الجزية ويبدأ التكريدالاجباري . متى يفهم الاكراد " بعضهم بالطبع " ان تاريخا من هذا النمط لن يدخل الكتب . متى سيعلم الصوادم ان الكويت صار ت دولة ولن تصير محافظة ؟ التاريخ لاتصنعه القوة حسب . لكن يبدو ان البرزاني يحب اشعال النار في الأوقات غير المناسبة . " هذا مرض يسمى بيرومان "مستعجل دائما للغيظ ولا يستطيع الكتمان . ليقرأ " لن تستطيع معي صبرا " وسيتخذ حوته مجراه في البحر سربا ، وسيبقى جائعا لزمن طويل ولن يصل لمشرق الشمس . والعاقل يفهم

ن ما قام به رئيس الإقليم
لقمان درويش -

ن ما قام به رئيس الإقليم والبيشمركة، والبدء بعملية تحرير شنكال ليست آخر المطاف، بل هي مرحلة مكملة لمراحل سابقة، ومراحل تالية أيضا لمسيرة تحرير كل جزء من أجزاء كوردستان، فجميع المكونات والأطياف تنادي وتطالب بارزاني والبيشمركة بتحرير مناطقهم من أيدي الدواعش، ولا يقتصر هذا الطلب والنداء على أجزاء ومناطق كوردستان، بل وحتى مناطق خارج إقليم كوردستان يطالب مواطنيها من الأخوان العرب وعشائرها وشيوخها بأن يحرر الكورد مناطقهم أيضا، لأنهم على يقين بأن الرئيس بارزاني والقيادة والشعب الكوردي، هم ضد التعسف والظلم والإستبداد، وتقديرا وثقة منهم بصدق رئيس الإقليم بارزاني عندما تطرق وقال في حديث له، نحن لا نعتدي على أحد ولا نقبل أن يعتدى علينا. ومن هذا المنطلق في التعامل المتوازن من قبل القيادة الكوردية لجميع المسائل والقضايا،

ونائب رئيس مجلس قيادة الث
حردان التكريتي -

وللحقيقة فان حكمنا لم يكن مخلصا للاكراد في اي يوم ولن يستطيع ان يصبح مخلصا لهم في المستقبل اطلاقا . . وسيكتشف الاكراد ذلك ان لم يكن قد اكتشفوه فعلا . - مذكرات حردان التكريتي . حردان التكريتي (1925 - 30 مارس 1971)، قائد سلاح الجو العراقي ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة في العراق.

انجازات الحاكم الجعفري
سليم السليم -

العراق مريض بداء ايران التي دخلت مع الاحتلال والتي تؤيد الاحتلالين الصفيوني ...لابد من اقتلاع جرب الصفويه الذي ينخر بجسد العراق ...

تعليق
ن ف -

اعتقد لو أن عبدالرحمن دارا سليمان استمر على هذا المنوال من الكتابة فإنه سيُوثِّق تاريخ العراق الحديث (سياسياً / اجتماعياً) كما فعل الراحل أُسامة أنور عُكاشة مع تاريخ مصر، ولكن بنكهة أُخرى. نحن بحاجة جداً إلى أقلام من هذا النوع. شخصياً، أشعر بالفخر أنّني والكاتب نحمل نفس الجنسية. أعجبتني المقالة جداً. أتمنى على الكاتب أن يجمع مقالاته ويطرحها في كتاب يوماً ما. تمنياتي لأُستاذنا عبد القدير بوافر الصّحة مع فائق إحترامي.

وجهة نظر
كامل -

الكاتب لهذه المقالة هو ماهر وعميق في التحليل يا ليتكم يا جماعة ايلاف تتركوه يكتب المزيد لكي نستكشف خلفيات السياسة واحوال العالم