فضاء الرأي

لماذا تفشل الدول (أو الأمم)؟

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عنوان هذه المقالة هو عنوان الكتاب الذي قام بتأليفه كل من "جيمس روبنسون" (James A. Robinson) من جامعة هارفرد، و "دارون أكيموغلو" (Daron Acemoglu) من مؤسسة مساشوستس للتكنولوجيا. عنوان الكتاب الكامل باللغة الإنجليزية هو "Why Nations Fail &- The Origins of Power, Prosperity, and Poverty”.

توصل الباحثان من خلال دراسة معمقة إستغرقت حوالي 15 عاما، قاما خلالها بتحليل الأدلة التاريخية لعدد من الدول أو المدن في حضارة المايا والإمبراطورية الرومانية ومدينة البندقية في القرون الوسطى، والإتحاد السوفيتي والصين في القرن العشرين، إلى رؤية أو نظرية إقتصادية تؤكد أن فشل أو نجاح الدول غير مرتبط بالعوامل الجغرافية أو الديموغرافية (العنصر البشري) أو الموارد الطبيعية، وإنما العامل الرئيس هو التطبيق العادل لمبدأ تكافؤ الفرص بين جميع مكونات الشعب لأي دولة، وبناء المؤسسات السياسية والإقتصادية التي يشارك في بناءها وإدارتها كل طوائف المجتمع دون تمييز على أسس عرقية أو دينية أو إثنية.

ولإثبات أو تعزيز نظريتهما، أشارا الباحثان إلى عدة دول أو مدن في العالم حالفها الفشل أو النجاح بسبب السياسات التي طبقتها هذه الدول في بناء مؤسساتها السياسية والإقتصادية. وفي هذه المقالة القصيره سنشير إلى الوضع الإقتصادي والسياسي لمدينتين كانتا في الأصل مدينة واحدة، وبلدين كانا في الأصل بلدا واحدا.&

أما المدينتين فهما "نوجاليز" في ولاية أريزوناالأميركية (Nogales, Arizona)، "ونوجاليز" في ولاية سونورا المكسيكية (Nogales, Sonora)، كانتا مدينة واحدة قطعت إلى نصفين في عام 1848م خلال الحرب المكسيكية &-الأميركية. حصلت أمريكا على الجزء الشمالي من المدينة، بينما حصلت المكسيك على الجزء الجنوبي، حيث يفصل بينهما سياج حديدي.

من الناحية الإقتصادية، الجزء الشمالي الواقع ضمن الحدودالأميركية، متوسط دخل الفرد يبلغ 30 ألف دولار أمريكي، أكثر المراهقين يواصلون تعليمهم في المدارس، وأكثر البالغين تخرجوا من المدارس الثانوية. الأغلبية الساحقة من المواطنين يتمتعون بصحة جيدة، ويعمرون طويلا، ويحصلون على خدمات طبية جيدة، إضافة إلى الخدمات الأساسية الأخرى كالكهرباء، والماء، والهواتف، ونظام الصرف الصحي، وشبكات طرق جيدة تربطهم بالمدن الأخرى، وأخيرا وليس آخرا سيادة النظام والقانون الذي يوفر لهم الحماية من الجرائم، ويحفظ لهم حقوقهم وممتلكاتهم. وفي الجانب السياسي، يمكنهم التصويت على تغيير عمدة مدينتهم، وأعضاء مجلس البرلمان والشيوخ، وإنتخاب رئيس للبلاد. الديمقراطية هي الحق الطبيعي الثاني بعد الحقوق الإقتصادية.

الجزء الجنوبي من المدينة الواقع ضمن الحدود المكسيكية، متوسط دخل الفرد حوالي 10 آلاف دولار أمريكي (أي ثلث مما يحصل عليه المواطن في الجزء الأمريكي). أغلب البالغين لم يحصلوا على الشهادة الثانوية، وكثير من المراهقين خارج المدارس. نسبة وفيات الرضع عالية مما يقلق الأمهات. الخدمات الطبية متدنية ما يعني أن المواطنين في الجزء الجنوبي لا يعمرون طويلا مقارنة بأقرانهم في الجزء الشمالي. كما أن الكثير من الخدمات الضرورية ضعيفة أو غير متوفرة. أما سيادة النظام والقانون فهما في وضع سيء، ونسبة الجريمة عالية، ويعاني المواطنون من فساد الطبقة السياسية والمعاملة غير اللائقة بشكل يومي. وفي الجانب السياسي، الجزء الجنوبي حديث عهد بالديمقراطية التي بدأت في عام 2000م في المسكيك، وقبل هذا التاريخ كان المواطنون كباقي الشعب المكسيكي يعانون من فساد الطبقة السياسية ممثلة في الحزب الثوري الحاكم وقتها.&

أما البلدين فهما كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، اللتين كانتا في الأصل بلدا واحد حتى عام 1950م، ثم إنقسمت إلى جزئين بسبب الحرب الأهلية التي إستمرت حتى عام 1953م. الشعب في كوريا الشمالية يعتبر من أفقر الشعوب على هذه الأرض، بينما إخوتهم وأخواتهم في الشطر الجنوبي يعتبرون من بين الأغنياء في العالم.

كوريا الجنوبية صاغت مجتمعا يخلق الحوافز ويكافئ المبدعين، ويسمح لكل مواطن بالمشاركة في الفرص الإقتصادية المتاحة للجميع كل حسب قدراته. ونجاحها الإقتصادي المستمر كان سببه وجود حكومة منتخبة بطريقة ديموقراطية من قبل الشعب وتخضع لمراقبته ومحاسبته. وعلى المستوى الإقتصادي تحتل كوريا الجنوبية المركز الخامس عشر عالميا وفق الناتج المحلي الإجمالي، والثاني عشر وفق تعادل القدرة الشرائية.

أما الشعب في كوريا الشمالية، فهو للأسف الشديد يعاني لعقود من المجاعة، والقهر السياسي، ومؤسسات إقتصادية محتكرة من قبل طغمة سياسية وعسكرية لا تراعي من قريب أو بعيد مصالح الأغلبية من شعبها.&

خلص الباحثان في كتابهما القيم إلى نتيجة مفادها أن بناء المؤسسات السياسية والإقتصادية المختلفة في الدول هو المدخل الرئيسي لتطورها وإزدهارها لاحقا، مع أهمية أن تكون هذه المؤسسات شاملة جامعة لكل أطياف المجتمع، أي لا يسيطر عليها ويديرها حزب واحد أو فصيل واحد.

كما أكدا الباحثان أنهما لم يجدا دليلا على أن أي قيم ثقافية أو دينية بعينها يمكن أن تؤدي أكثر إلى التطور السياسي أو الإزدهار الإقتصادي، بل يظهر من تحليلاتهما للأدلة التاريخية أن المؤسسات السياسية والإقتصادية التي يصنعها البشر هي الأكثر قدرة على تحقيق النجاح للدولة.&

آخر الكلام: كتاب يستحق القراءة من قبل حكام دول العالم الثالث.&

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
العدل
صادق -

الحكم يدوم مع الكفر ولايدوم مع الظلم فالعدل اساس الحكم ثم لابد من القوه لمنع الظلم الخارجي وجار السوء فالكويت اجتاحها صدام وسوريا عبثت فيها الدواعش بدعم من تركيا والخليج وكذلك ليبيا واما لبنان فعانى من اسرائيل

تعزيز الفوضى غير الخلاقة
عادل -

غياب العدالة ومؤسساتها وتكريس الاقصاء ومؤسساته هما سبب فشل الأمم. هذا ملخص الكتاب الهام كما بين المراجع الكريم. المشكلة عموماً ان العلمانيين العرب بعد ما يعرف بالربيع العربي اشتاقوا مجدداً الى السلطة ولعبة الاقصاء والاستخدام المتزايد والمفرط للقوة، في دول معظم سكانها من المسلمين، فزاد الظلم وبالتالي التطرف في تكريس مخيف للفوضى غير الخلاقة

ولنا سؤال
فول على طول -

نعم والف نعم أن المساواة بين البشر فى الدولة الواحدة هو السبيل الوحيد لنجاح أى دولة والسؤال هنا وبوضوح تام : هل الدول الاسلامية المؤمنة تساوى بين البشر جميعا ولا تميز بين المسلم وغير المسلم ؟ مطلوب الاجابة بصراحة لمن لدية الشجاعة .

إلى من يهمه الأمر
ن ف -

كتاب يستحق القراءة من قبل شعوب العالم الثالث! الشعوب هي التي تقرر مصيرها بنفسها.. إن أرادت أن تعيش ذليلة فلها ذلك، أما إن أرادت تعيش كريمة عزيزة فلها ذلك أيضاً. يستخلص العالم المتحضر من التاريخ دروس وعِبر، أما نحن فالتاريخ بالنسبة لنا حتوتات ليس إلا ولله في خلقه شؤون وشجون!

اجابة
كامل -

أخشى ان لا ترضيك أي اجابة مقترحة. لكن لأغراض الاستفادة من قبل الجميع, من الأمثلة الساطعة: دولة المدينة المنورة عند نشأة الاسلام بعد وثيقة المدينة، والأندلس. ومن العصر الحديث: تركيا وماليزيا. في المقابل، الدولة العلمانية يمكن ان تشكل مرتعاً للظلم والاقصاء مثل الاتحاد السوفييتي سابقاً، وغيره الكثير! وحتى في "الدولة المدنية" الغربية والحديثة، هنالك تمييز بدرجات متفاوتة، خصوصاً ضد المهاجرين

أنا أُجيبك يا فول!
ن ف -

ليست هناك مساواة بين أفراد الشعب الواحد في أي بلد عربي! بل هناك تمييز عنصري، ديني، عرقي، مذهبي، عشائري، طائفي علاوة على إنعدام المساواة بين الرجل والمرأة أيضاً. ضف إلى ذلك، ارتفاع نسبة البطالة، إنعدام القانون، تفشي الأمّية والجهل والتخلف والأمراض المزمنة.

الجهل
القس ورقة بن نوفل -

معظم الدول التى تفشل هى دول اسلامية فمنذو 1433 عام وهم يتحاربون بين شيعة وسنة وفى الجانب المظلم الاخر ان الاسلام هو الدين الوحيد الذى يعادى بقية الاديان