فضاء الرأي

داعش وباب الاجتهاد...!

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يخطئ منظرو المذهب الجعفري بالقول إن باب الاجتهاد مفتوح لديهم ومغلق لدى الآخرين. فالمذاهب الرسمية، بما في ذلك الجعفري، احتكرت التمثيل لتفسير "الفقه الاسلامي" منذ ألف سنة تقريباً، وما ظهر كان انعكاسا لها، او متلبساً بغطائها، مع مذاهب أخرى أقل شهرة، بعضها انقرض وبعضها محدود الانتشار. فالتعدد يكون ضمن سقف المذاهب، بما في ذلك ابن تيمية الذي يعد أحد أهم من يقال انهم أضافوا. والحقيقة أنه لم يضف في منهج الفهم الحنبلي، بل وسع دائرة تطبيق هذا المنهج.

وخلال القرنين الماضيين، كان واضحاً ان المتغيرات ضغطت على فكرة "حصر الفقه في المذاهب الرسمية". غير أن تجاوزها غير ممكن. لهذا حصلت انقلابات داخل المذاهب نفسها، ربما تكون أكثر تطرفاً لكن اكثر استجابة لمواجهة التحديات. فانهارت "منظومة الاخباريين" الاكثر تمثيلاً للمذهب الجعفري القديم وحلت محلها منهجية بديلة، وظهرت الوهابية في الجزيرة العربية، وبرز ما عرف بمحاولات "الاصلاح" الديني، ثم تكللت بظهور الاسلام السياسي على يد الأخوان المسلمين. في هذه المتغيرات، ظلت المذاهب نفسها، مع اجراء تعديلات ومقولات معينة تتصل بمنهجية فهم النص او فهم الواقع.

في مرحلة أخرى، تكثفت الضغوط ، مع الاستعمار وغزو العلمانية ودخول الشيوعية كقوة مؤثرة وجارفة، بلغت مدى عالياً، وثم تعقد مشهدها مع نكسة حزيران 67، لتتكلل بقيام ولاية الفقيه في ايران. حينها قطف الاسلام السياسي الشيعي ثمار اجتهاده في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، بتغيير مبدأ الانتظار للمهدي الى التمهيد له بقيام دولة دينية، وعدم تأجيل إقامة الحدود الى عصر ظهور المنتظر. وشهد خطاب الاسلام السياسي السني عودة صريحة لفكرة الخلافة، مع متغيّر "الثورة الدينية" التي لم يكن يتحدث عنها، وتصاعدت عقائد السلفية الى مزيد من الجهادية ايضا، خصوصا مع الحرب ضد السوفيات في افغانستان.

لذا، التاريخ يشير إلى أن باب الاجتهاد داخل النص وليس خارجه، ظل متاحاً وخاضعا للعبة الصراع. وبعد ذلك، العملية يمكن أن تخرج عن النص بالتأويل، المعتمد عليه حتى لدى العقول الباحثة عن الظاهر والمعنى اللغوي الصريح. فتاريخ الفقه الاسلامي انتج العديد من المحاولات التأويلية، وهي في الغالب محاولات متطرفة، تعود للبدائية أو تبحث عن المكسب السياسي. الا أن الاجتهادات في السابق، غالبا ما انتصرت للاسلام، دون أن تراجعه، مثّلت ردا اسلامياً على خطر خارجي، استعماري او علماني او شيوعي... أما هذه المرة، فإن داعش اجتهاد في النص المقدس. فحتى لو افترضنا بأنها استثمار امريكي، ستؤدي الى ضغط داخلي على عملية انتاج الفقه والعقيدة. هي جزء من الاسلام، بما في ذلك للذين يقولون إن الاسلام منها بريء. قولهم يفترض ضمنا ضرورة مراجعة النصوص بما يساعد على طردها من الدين.

فالارهاب يصنع تحدياً لعملية الاجتهاد نفسها، ويفترض أن يؤدي الى اسئلة عميقة حول الكثير من المسكوت عنه، مما تحاشاه تاريخ الاجتهاد الاسلامي. لكن المانع الوحيد في اللحظة الراهنة، التعامل مع القاعدة ونظيراتها على أنها خروج عن المذاهب السائدة، حيث يراها البعض تمردا على التاريخ الرسمي للفقه والعقيدة الاسلاميين. رغم هذا، لن يكون الهروب متاحاً، لأن داعش كنموذج، اعتمدت على نصوص أساسية لكافة المذاهب، ولا يفلح الامر دون مواجتها...!
&
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الحل سياسي فقط!
عراقي يكره المغول -

كما تفضلت حضرتك؛ الوهابية وداعش وولاية الفقيه لها أسس وأصول فقهية؛ لكن هل كان لها أن تظهر وتتعملق لولا الأوضاع الإقتصادية والسياسية الاستثنائية التي شهدتها بعض بلداننا؟ ياسيدي أنا مع من يرى بأنّ التعويل على نبذ الخلافات المذهبية والدينية كمن ينفخ في قربة مخرومة؛ الخلافات الفقهية عميقة لا يمكنها أن تلتقي على قاسم مشترك وقد عجز أعظم المصلحين في تاريخنا عن ذلك فهي نار تحت الرماد سرعان ماتظهر وتحرق اليابس والأخضر. ولا يقتتصر هذا الأمر على شعوبنا وحسب بل أن الشعوب الغربية لو لم تحصل على حياة رغيدة لعادت تنبش أيضاً في ماضيها الكنسي الأسود.. أنا أزعم بأنّ الخميني لو لم يجد فرصة شعور ملايين الإيرانيين بالقهر لما استطاع أن يسوّق نظرية ولاية الفقيه.. ولو لم يجد البغدادي فرصة الفوضى والخراب والتشتت في سوريا والعراق وليبيا وشبه جزيرة سيناء لما استطاع أن ينطلق هكذا وببساطة وسرعة فائقتين يبسط سيطرته على مساحات شاسعة منها.. أظن أنّ البحث يا أستاذي يجب أن يتجه ناحية السياسة فقط. فعندما نعرف أن شعوبنا شعوب تغمرها الأمية والتخلّف علينا أن نشير يإصبع الاتهام للقوى العالمية المقتدرة كونها اللاعب الرئيسي الذي بإمكانه جعل شعوبنا تتخندق بمثل هذا التخندق الذي نحيا اليوم. وعندما نشير بإصبع الإتهام للغرب لايفوتنا أن نشير أيضاً لتهور وغباء هذا الغرب الذي استغفله الخميني الذي ركب موجة دعمه له ضد الشاه الذي أراد أن يعاقبه الغرب ثم انقلب عليه بعد تمكنه من السلطة. وهذا ماسيفعله داعش في القريب العاجل أو البعيد العاجل؛ فداعش الذي لازال يعتمد على دعم الغرب وحلفائه سينتقل إلى مرحلة التمرد والحرب الشاملة البعيدة والتي هدفها الغرب كله بعد أن يبسط سيطرته على منطقتنا في حربه المحدودة القريبة..لذا فأنا مع الحل السياسي وليس الفكري وأعني بالحلّ السياسي الذي يحمل في طياته حل المشاكل الأمنية والاقتصادية التي تعاني منها شعوبنا وإلاّ فإنّ هذه الترليونات من الدولارات التي تصرف لتغذية خلافاتنا وتشرذمنا ستعود حتماً بالوبال الكبير ليس علينا فقط بل وعلى العالم أجمع!

أى اجتهاد ؟
فول على طول -

صدعتونا وورطتم أنفسكم والاسلام بالقول أن الاسلام دين ودولة وصالح لكل زمان ومكان وأعتقد أن هذة السقطة الكبرى هى سبب سوف يهدم الصرح بالكامل الذى ظل 14 قرنا وهو أكذوبة كبرى . لا فرق بين ولاية الفقية وبين الخلافة وكلاهما يعتمد على نصوص مقدسة .داعش تمثل الاسلام السنى الحقيقى وايران تمثل الاسلام الشيعى ولذلك وصلتم الى هذة النتيجة ..لا سنة ولا شيعة مرتاحين . الكل يئن من وطأة الدين الأعلى ..مجرد محاولة الاجتهاد على طريقة عصرية تقبل بحقوق الانسان والمساواة - وهو ما يكطالب بة العالم اليوم والبعض من المسلمين - سوف تؤدى الى انهيار الصرح بالكامل حتما . يكفى 14 قرنا خداع .

سؤالان للكاتب والمعلق فول
خادمكم -

أظنّ أنّ الكاتب الموقر يوجه دعوة للمتصدين الكبار كالأزهر الشريف والسيستاني أن يقوموا بمراجعة (ضرورية) لنصوص الدين بما يساعد على طرد النظريات المتطرفة التي قادت الأمة إلى هذا الإحتراب الدموي وسؤالي للكاتب: لو أنّ المعنيين بالدراسات الفقهية شيعة كانوا أم سنة توصّلوا إلى صِيَغ فقهية جديدة تهدف لطرد تلك النظريات المتطرفة ألا تخشى أن تتحول تلك الصيغ إلى نظريات أخرى متطرفة تفتح على الأمة جبهةات قتال أخرى تزيد في الطين بلّة وفي الطنبور نغمة؟ ..... أسأل الأستاذ فول أيضاً: هل تظنّ أن مايزيد على المليار مسلم سيتركون دينهم بمجرد نداءات كنداءاتك؟ لو كان الدين الإسلامي مجرد طقوس وشعائر ظاهرية ولا يملك نظرة فكرية وفلسفية وتغييرية كباقي الأفكار لاحتملنا احتمالك لكنك كما رأيت يا أستاذ بعض التعقيدات التي وردت في مقالة الكاتب ليس من السهولة بمكان رفضها بطريقتك؟ ثم ألا ترى أنّ الذين انقلبوا إلى علمانيين أوملحدين كحضرتك قد شكلوا هم أيضاً جبهات فكرية وحتى قتالية في مجتمعاتنا؟!