ذات رِحلةٍ عاثرة الى باريس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&
في خريف العام /1978 وقبيل اندلاع الثورة الايرانية على نظام الشاه محمد رضا بهلوي ، حزمتُ حقائبي وعزمت السفر الى باريس ، حجزت على الخطوط الجوية العراقية وكان وقت اقلاع الطائرة في السادسة فجرا في يوم منحوس اواخر شهر سبتمبر ، وصلت ارض مطار بغداد الدولي قبل الاقلاع بساعة ونصف لانهاء اجراءات السفر مع دائرة الجوازات وأعرف كم كانوا يثيرون المرء بأسئلتهم واستفساراتهم واستجوابهم الغريب حتى لو كنت في خانة الانسان السليم الطويّة ؛ ووقفت في الطابور منتظرا ختم ضابط الجوازات بالمغادرة
وحالما تم ختم جوازي دخلت صالة الانتظار مترقبا ابلاغنا عن طريق اذاعة المطار بالتوجه الى البوابة الخاصة لرحلة باريس غير اننا بقينا زهاء ثلاث ساعات في صالة الانتظار وبدأ الملل يدبّ في اوصالنا وأحسسنا ان شيئا ما قد عرقل سفرنا وأعاق بهجتنا خاصة اننا نعرف تماما ان طائرات الخطوط الجوية العراقية كانت من الخطوط الدقيقة في مواعيدها وقتذاك بالمقارنة مع الخطوط الجوية الاخرى
حان وقت الضحى ولاشيء يبشّر بخير اننا سنقلع قريبا اذ لاتوجد اية اجراءات توحي باننا على وشك المغادرة
فجأة طرق اسماعنا صوت الاذاعة عبر المايكرفون وعبر اللوحة المرتسمة امامنا معلنة ان رحلة باريس ذات الرقم (....) ستتأخر أربع ساعات اخرى نظرا لوجود وفد ايراني على مستوى رفيع سيسافر معنا على نفس متن الطائرة
ظللنا نترقب مجيء الوفد حتى وصل للمطار بحدود الواحدة والنصف ظهرا ، وأدركنا من خلال تناقل الخبر بين هذا وذاك وكم كانت دهشتنا وذهولنا البائن في تقاسيم وجوهنا لما أيقنّا ان السيد الخميني ورهطه العالق في صفوان بين الحدود العراقية-- الكويتية هم من سيسافر معنا وها نحن نراه بأمّ أعيينا مع مجموعة ليست قليلة من اتباعه يرافقونه في الرحلة الى منفاه الجديد باريس بعد طول اقامة في النجف
كثرت الجلجلة وتم حصرنا في زاوية من زوايا صالة الانتظار ريثما يدخل وفد الخميني الى الطائرة اولا ولم أنس الحفاوة البالغة والحراسة المشددة له ولرهطه وكيف تم فرش السجادة الحمراء له احتفاء به اذ عمل مسؤولو المطار على حجز الطابق العلوي للطائرة الجامبو الضخمة للوفد وحالما دخل كلهم واستقروا في مقاعدهم ؛ سمحوا لنا بالصعود
كانت الشرارات الاولى للثورة الايرانية تتطاير في ارض وسماء ايران منذ ايلول من العام /1978 وقد بدأت الجموع البشرية تتزايد في شوارع طهران وغير طهران احتجاجا مطالبةً بإسقاط النظام الملكي الشاهنشاهي أو قل الامبراطوري كما يحلو لحاشيته ان يسموه لكن الشاه مازال قويا رغم المعارضة الشديدة وقد اضطر العراق آنذاك تحت ضغط الشاهنشاه الى ابلاغ الخميني بالبحث عن مأوى جديد خارج العراق باعتباره احد رؤوس المعارضة وترك النجف عاجلا واتذكر انه تم مفاتحة عدة دول بهذا الشأن حتى جاء ردّ الكويت بالموافقة على استقبال الخميني والإقامة في الكويت ويبدو ان القيادة الايرانية الفهلوية ومعها قيادتنا العراقية لم تكونا تريدان ان يعكّر صفوهما وجود الخميني خاصة بعد الاتفاقية المبرمة بينهما حول شط العرب ومازال شهر العسل بين الدولتين حينها لم ينقضِ بعد
سافر الوفد الايراني بزعامة الخميني الى صفوان بعد الموافقة المبدئية الكويتية على قبوله لاجئا لكنه بقي عالقا على الحدود ساعات طويلة بعد ان عدلت الكويت عن قرارها في اللحظة الاخيرة ورفضت استقباله
ثم جاء الرد الفرنسي على لسان فاليري جيسكار ديستان / الرئيس الفرنسي بالموافقة على استقباله والترحاب به شرط ان لايقوم باية نشاطات سياسية او التعرّض لشاه ايران الذي مازال يمسك بزمام السياسة الايرانية بقوّة رغم الاحتجاجات الشديدة التي قام بها الشعب الايراني وكان المنجاة الوحيدة للخميني ورهطه وعلى اثر ذلك تحرّك الوفد سراعا صوب مطار بغداد الدولي ليستقلّ الطائرة التي أخذتنا معا الى باريس دون سابق موعد
بينا نحن طائرون في الجو طلب الزبائن المسافرون شيئا من البيرة والويسكي بعد ملل وانتظار طويلين لاستعادة الانفاس وكسر طوق اتعاب الرحلة المضنية لكن الردّ جاءنا بالمنع اكراما للوفد المسافر معنا وزاد الامر سوءا حينما اغلقت الموسيقى التي كانت تمتعنا وقت الرحلة وكأننا نجلس في مأتم او نقرأ الفاتحة " لاحظوا كيف يتم مجاراة ومداراة مشاعر الاخرين ذوي التوجهات الدينية بينما الطرف الاخر العقائدي او المتأسلم يمارس الصلف والعنجهية وعدم اعتبار او احترام اذواق ورغبات المختلف معهم "
بقينا في الفضاء لأكثر من ثلاث ساعات بصمت وكدر وحرمان من اية وسائل للتسلية حتى حطّت الطائرة بمطار جنيف في سويسرا مع ان مسار رحلتها كانت مباشرة الى باريس ولم نكن نعلم السبب في هذا الاجراء المفاجئ ومُنع علينا النزول الى مطار جنيف لأخذ قسط من الراحة باستثناء الوفد الايراني الذي كان يجول في حركة دائبة بين متن الطائرة ومبنى المطار جيئة وذهابا دون ان نعرف السبب بينما بقي السيد الخميني في مكانه دون ان يخرج من الطائرة
لكن الشيء الاخطر في هذه الرحلة العرجاء اننا سمعنا طراطيش كلام مفزع الى حدّ الرعب وهو ان سلاح الجو الايراني كان عزمَ على اسقاط الطائرة بمن فيها جوّا وتحطيمها بواسطة مطاردات ايرانية بعيد اقلاعها من مطار بغداد وبالذات في اجواء تركيا لتسقط في المناطق الجبلية الوعرة لكن هذا القرار سرعان ما تم العدول عنه والى الان لااعرف هل كان هذا الخبر الصاعق الذي وصل اسماعنا ونحن في جنيف& صحيحا ام لا ، ومَن هي الجهة التي منعته ؟
انتهت الجلبة وعاد الوفد الايراني الى مقاعده في الطابق الثاني من الطائرة وتحركت الطائرة باتجاه باريس عبر جبال الالب وفي ظرف اقل من ساعة وصلنا الى مطار " اورلي " وكم كانت دهشتنا على اشدّها حين شاهدنا ان ارض المطار قد امتلأت بحشود هائلة جدا من العساكر والشرطة وقوات الامن بأعداد تفوق التصوّر لحمايته ووفده المرافق اضافة الى مجموعة منتخبة من الديبلوماسيين لاستقباله استقبال المرحّبين وقامت القوات المسلحة بمنع الاقتراب من الطائرة سواء من قبل الصحفيين او المصوّرين الكثر الذين توافدوا بشكل لافت وكثيف
أمرونا نحن المسافرين مع الوفد بعدم الحركة والبقاء في مقاعدنا ريثما ينزل الوفد الايراني .. ومن خلال النافذة الصغيرة للطائرة رأيت مشاهد الاستقبال الحافل والحماية النابهة الكثيرة والسيارات السود الخاصة بالمراسم والجنود المدججين بالسلاح يحوطون ارض المطار لحراسة السيد الخميني ووفده اللاجئ
بعد فترة ليست بالقليلة سمحوا لنا بالنزول والاتجاه لختم جوازات السفر الخاصة بنا لدى موظفي الجوازات في مطار " اورلي " والمنطقة المحيطة به الذي بدأ يكتظّ ليس بالمسافرين بل بالحشود البشرية الهائلة من الايرانيين والفرنسيين والجاليات الاخرى المتضامنين مع بشائر الثورة وهم يملأون ارض المطار بكثافة سكانية ملحوظة وهم يهتفون للثورة التي لم تتمخض بعد ويهللون بترحاب بالغ على سلامة وصول الوفد الذي يترأسه السيد الخميني وكأنّ انتفاضة اخرى ولدت هي الاخرى وانطلقت من ارض المطار
للموضوع صلة
التعليقات
أسرار للعين الثالثة
دعد دريد ثابت -تعرف عزيزي، حينما قرأتها لأول مرة خطرت لي خاطرة قد تقول عني خيالية أو مجنونة، ولكني أصيب أكثر الأحيان إن لم أقل أكثرها. هذه الإشاعة التي سمعتموها في الطائرة من إن سلاح الجو الإيراني وعزمه على إسقاط الطائرة، كان صحيحا، وتعرف لماذا لم يتم؟ لأنهم عدلوا عن ذلك فبقاء الخميني حياً أفضل لهم أقصد للغرب، فلولا وجوده أو سببه لنقل، لما أبتدأت الحرب العراقية الإيرانية وأستعرت 8 سنوات، لما ضعف وأُنهك أقوى جيشين في المنطقة، لما قُتل من قُتل من المعارضة الشريفة من الأحزاب الأخرى، وحتى من المعتدلين واليسار من حزب البعث، ولما ولما ، هذا أفضل توثيق تاريخي لكل ماحصل بعدها، لكن من أين نثبت ذلك، ومن سيدعنا؟
تصور
سعود عبدالله -تصور لو اسقطت الطياره لمات مئتين و لنجا عشره ملايين
عزيزي جواد
كمال حنا -تصف الخميني بسيد ولا ادري ما نكون نحن اعبيد ام اهل ذمة ؟ لا اجدني اقبل وصفا يسبق اسم هذا المخلوق غير اسمه المجرد خميني دون بهرجة فارغة تحط من قدر الاخرين . تبا للزمن اللعين وتبا لتدهور وانحطاط الفكر وتبا لتراجع الحريات المدنية والحقوق البشرية , زمن يكون فيه القاتل بطلا , تهرول الجموع وتطرب لنعيق الخراب . اي بؤس .