فضاء الرأي

من مفكرة سفير عربي في اليابان

"موراكامي" وبؤس الطاقة النووية

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

&
ليسمح لي عزيزي القارئ أن اقدم في هذا المقال شخصية أدبية يابانية، كتب الكثير من الرويات، جمع فيها الحنكة الدرامية، بالتحديات المجتمعية، وأحيانا مع الفلسفة. وقد ترجمت رواياته لخمسين لغة، كما أن كتبه هي الاكثر مبيعا في اليابان، وهنا نتحدث عن اكثر من مليون نسخة للرواية. فقد ولد الكاتب الياباني، موراكامي هاروكي، في عام 1949، وقد كان جده راهب بوذي، كما كانت جدته ابنة تاجر ياباني، بينما كانا والديه يدرسون الادب الياباني. وقد تأثر موراكامي بالثقافة الغربية منذ نعومة اظفاره، وخاصة الموسيقى والادب الغربي، كما اهتم بالمفكرين الغربيين، وخاصة بكتابات غوستاف فلوبرت، وشارل ديكنز، مما ادى ذلك لتميز كتاباته عن باقي الادباء اليابانيين. وقد درس في جامعة واسيدا اليابانية، حيث التقى بزوجته، يوكو. وقبل أن ينهي دراسته الجامعية فتح مقهى في طوكيو، وأداره هو وزوجته منذ عام 1974 وحتى عام 1981. وقد قدم اول كتبه باللغة الانكليزية، مطاردة خروف متوحش، في عام 1989، في نفس السنة التي اطيح بجدار برلين، وفي نفس السنة التي انتقلت اليابان من عصر "الشوا" الى عصر "الهيسي"، بعد وفاة الامبراطور هيروهيتو، وتتويج ابنه الامبراطور اكيهيتو، ليتغير العالم بعدها تغير بشكل لم يمكن توقعه.
ولفهم هذه الشخصية اليابانية، سأعرض مقابلة عرضتها صحيفة اليابان تايمز في شهر مايو الماضي. وقد لفت نظري فلسفته في فهم معضلة الارهاب اليوم، فقال: "كنت اشاهد مؤخرا فيلم، معركة الجزائر، الذي انتج في عام 1960، ولأول مرة بعد فترة طويلة، وقد أبرز الفيلم المستعمرين الفرنسيين كالاوغاد، بينما أبرز الجزائريين الذين يحاربون لتحرير بلادهم كالأبطال، وطبعا كانت هذه الصورة المعروفة التي كنا نفهمها في ذلك الوقت. ولكن حينما عدت رؤية الفيلم هذه المرة، وفي هذا الوقت بالذات من تاريخ العالم، فما الذي كان يحدث في الفيلم بالأمس لا يختلف عن ارهاب اليوم تقريبا، وحينما تلاحظ ذلك تصبح إحساساتك مزدوجة. فمع قيم ستينات القرن الماضي، كان النضال ضد الاستعمار عدلا، وحينما تشارك في هذه القيم، ممكنك ان تشاهد الفيلم وتتفق مع وجهة النظر هذه. ولكن الان، في هذا العصر الذي فيه الصحيح والخطأ غير واضح، ويتغير مواقعه بلمحة نظر، حينما اشاهد الفيلم يصبح فكري مشوشا جدا.& ففي هذا العالم الجديد ليس هناك خير مطلق وشر مطلق، مع أن الخير والشر كيانين ثابتين، ولكنهما يغيران مواقعهما باستمرار."
وقد ناقش في في روايته المشهورة& "1Q& 84"، موضوع الخير والشر أيضا، وخاصة بأن كتاباته تتميز بعالم يستمر فيه تغير مواقع الخير والشر دائما. فيعتقد الكاتب: "أن القضية الكبرى اليوم، هي أن الحدود بين الدول بدأت تتلاشى، وترافق ذلك بظاهرة جديدة سميت بالإرهاب، وهي مرتبطة بمنظمات متكاملة، منتشرة بين حدود الدول. ولا يمكن معالجة هذا التحدي من خلال المنطق أو الاستراتيجية الاوروبية الغربية، فهم يقولون بأنهم يدمرون الامم الارهابية، ولكن باستخدامهم القوة الغير مدروسة، يؤدون لزيادة تفريق وانتشار الارهاب. وقد عشت في الولايات المتحدة خلال حرب العراق، وحينها انصدمت بالسطحية التي عرض الاعلام الغربي هذه الحرب، على مواطني الغرب. ولربما يجب ان اقول بأن الخطر من العدل الامريكي، فعلى المدى الطويل، فما يحدث في العالم الغربي اليوم، بطريقة التعامل مع الارهاب، هو دوبان، وتمدد، وانقراض لذلك المنطق. وقد بدأت هذه الالية منذ سقوط جدار برلين، وفي تصوري بأن كتاباتي تتماشى، بالتوازي مع ظاهرة ذوبان المنطق. فحينما اكتب رواية اركز على اهمية عالم اللاوعي على حساب عالم الوعي، فعالم الوعي هو عالم المنطق، ولكن ما احاول ابرازه هو العالم ما وراء المنطق."
كما تحدث عن مميزات كتاباته فقال: "حينما تخرج من حدود المنطق، لا يمكنك أن تقرر، ما هو الخير، وما هو الشر. وحينما تضع قيم، لتعرف الخير والشر، خارج هذه الحدود، قد تشعر باحساس خطر. ولكن من المهم أن تتجاوز ذلك العالم، الذي تستطيع بباسطة أن تفرق فيه بين الخير والشر، ولكن ممكنك أن تقوم بذلك حينما تجاري البوصلة التي في داخل اللاوعي. وتأتي هذه البوصلة، التي توجهنا نحو الطريق الصحيح، من سلوكنا الحياتي في الرياضة، والأكل الصحي المتوازن، وقلة الشرب، والنوم مبكرا، والاستيقاظ مبكرا، فهذه العوامل لها تأثيرات مدهشة، وباختصار ان تعيش حياتك بلطف، وهذا بسيط جدا."
كما علق الكاتب على مرحلة انهيار الشيوعية، مع انهيار الاتحاد السوفيتي فقال: "ومع سقوط جدار برلين في عام 1989، لاحظنا اراقة الدماء في ميدان تينامين، وبعد نصف قرن، في كلمتي بقبول جائزة ولت للاداب، ذكرت بأن هذا العالم ملئ بالجدارن بين مواطنيه كالعرق، والدين، وعدم تحمل الخلاف، كما ارسلت رسالة لشباب هونج كونج الذين يناضلون ضد جدارهم. كان لدي انطباع بأن شباب هونج كونج ادخلوا طريقة جديدة للتعبير، والمهم بانهم حافظوا على قيمهم المثالية، واعتقد بانني احب ان ادعم هذا النوع من الحركات - بناء عالم به معاير، وفي نفس الوقت اهدم الجدار المعيق. وقد يكون ذلك صعبا، ولكن في تصوري بأن ذلك ما يجب أن نركز عليه& في وقتنا هذا."&& كما تحدث عن تصوراته عن العلاقات بين الشرق الاسيوي واليابان، والخلافات التاريخية فقال: "على المستوى الثقافي فشرق اسيا لها مستقبل كبير، فمن المحتمل ان تنمو لسوق هائلة جيدة، وحتى على المستوى الاقتصادي، ولن يكون هناك فوائد من العداء بيننا. فتتعرض منطقة شرق اسيا اليوم الى تحولات تكتونية، فحينما كانت الصين وكوريا دول نامية، واليابان دولة متقدمة، اخفيت كثير من الامور تحت السجاد، ولكن مع صعود الصين وكوريا، بدأت تتهدم تلك البنية، كما بدأت الاشياء المخفية تظهر على السطح. فقد عانت اليابان من شيء، كفقدان الثقة، كما ان قوتها بدأت تضعف نسبيا، ولكنها لا تستطيع ان تتقبل هذه التطورات علنا. فهل يعني ذلك بان الكثير سيحدث حتى تتحقق قاعدة جديدة للتوازن بين اليابان والصين وكوريا؟ طبعا سيكون هناك نوع من الصخب حتى تستتب الامور. ولا نعرف هل سيستمر الاقتصاد الصيني في النمو، كما لا نعرف اين سينتهي توازن القوى، ولكن الاعتراف بالتاريخ شيء جاد ومهم، كما اعتقد بانه علينا الاعتذار بطريقة مناسبة. بل علينا الاستمرار في الاعتذار حتى تقول الدول الاخرى، حتى الان لم ننسى ولكن ما دمت اعتذرتم فقد يكون ذلك كافيا، فليس هناك اي شيء مخجل في الاعتذار. وبغض النظر عن التفاصيل فالحقيقة الواسعة باننا غزينا دول اخرى."
كما تحدث عن زلزال وتسونامي عام 2011، وعن حادثة المحطة النووية فوكوشيما واحد، فقال:& "الشعب الياباني جرب رعب القنبلة النووية، فكان عليه ان يستمر ويقول لا للطاقة النووية، واليوم بدأ الشعب الياباني يناقش اعادة تشغيل المحطات النووية. فحوالي مائة وخمسين الف مواطن اجبروا على إخلاء المنطقة الملوثة إشعاعيا، ولكن حينما يتركوا المواطنين ارض اعتبروها بيوتهم لمدة طويلة، فكأن جزء من الروح البشرية قتلت، والحقيقة بأن 150 الف ياباني يتحملون كل ذلك، سيؤثر على قلب وجودان بلادنا، ولا يمكن حل هذه المشكة على استحقاقات الكفاءة الاقتصادية، وبعدم ايجاد حلول اللازمة، اتصور بأنه لا يمكن أن نبدأ تشغيل المحطات النووية ما زال& هناك خطر في من بنيتها التحتية."
وقد إهتم الكاتب من قبل بمعضلة التكنولوجية النووية، فناقش في احد روايته في عام 1997 ضرورة استبدال الطاقة النووية، بنوع جديد من الطاقة النظيفة والامنة، كما وصف في عام 1985 نوع جديد من مزارع الرياح في رواية أخرى للتخلص من الطاقة النووية. وقد عقب على ذلك بقوله: "وحتى المانيا، التي ليس بها زلازل، قررت التخلص من محطات الطاقة النووية، لانها خطيرة، وليس هناك مواطن الماني يدعي بأن كفاءة الطاقة النووية سبب لإبقاء تشغيل المفاعلات النووية." ولنا لقاء.

د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف