كتَّاب إيلاف

التفاوض مع الشياطين ...!

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


السياسة لا تعرف المستحيل فهي فن الممكن ولقاءات منتصف الطريق التي تترجم القاعدة القائلة بأن "المصالح تتصالح"، فمنذ سنوات قلائل مضت كانت وسائل الاعلام الأمريكية تتحدث عن سيناريوهات قصف المنشآت النووية الايرانية، واليوم يتحدث الجميع عن شروط اتفاق نووي وخطوة راديكالية في مسار العلاقات الامريكية ـ الايرانية، وهو أمر بات مرجحاً بدرجة كبيرة، لاسيما بعد التوصل إلى خطوة مماثلة في العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة الأمريكية.
من هنا لا أستغرب، شخصيا حدوث تحولات دراماتيكية في مسارات العلاقة بين الدول، بل أبحث فوراً عن الأبعاد الماورائية للأحداث في سعي دؤوب لفهمها واستيعاب أبعادها ودوافعها ومن ثم تأثيراتها الاستراتيجية المحتملة. وفي ضوء ماسبق لا استطيع منع نفسي من المتابعة الجادة لكل مايكتب عن مستقبل تنظيم داعش، ولاسيما مايتعلق بالسيناريوهات التي تبدو للكثيرين بمثابة تغريد خارج السرب،& وأقصد تلك التحليلات التي تتحدث عن بقاء التنظيم و "دولته" خلال السنوات المقبلة، وانتقال العالم من حالة الصراع مع التنظيم إلى حالة البحث عن مخارج تفاوضية تشرعن وضعه الاقليمي والدولي!!
منذ فترة تناولت في مقال لي، أحد طروحات البروفيسور الأمريكي المعروف ستيفن والت، والتي ناقش فيها احتمالية انتصار تنظيم داعش في المعركة الدائرة حاليا بالعراق وسوريا، وذكرت أن مناقشة والت كأحد علماء السياسة البارزين لهكذا احتمالية يتطلب التعامل البحثي الجاد مع الفكرة، طالما انها باتت تطرح على هذا المستوى البحثي الرصين، لاسيما أن والت لم يكن خياليا في طرحه بل ذكر أنه لا يعني بانتصار داعشأن يتمكن قادة هذا التنظيم من تحقيق طموحاتهم بنشر نفوذهم في جميع أرجاء العالم الإسلامي وإقامة دولة الخـلافة المـزعومة من بغـداد إلى الرباط، بل يعني، تحديدا، أن يحافظ داعش على سيطرته على المناطق التي استولى عليها، وأن ينجح في تحدي الجهود الخارجية الرامية إلى تقويضه وتدميره، وهو احتمال وراد بدرجة كبيرة في ضوء تطورات الأحداث على الأرض، وفي ظل عجز الجيش العـراقي عن شن هجوم مضاد ناجح، حسب ما قال البروفيسور والت.
ذكرت أيضا أن هذا النقاش يعبر عن الذهنية الأميركية القائمة على التفكير في الاحتمالات كافة، بغض النظر عن الموقف الذاتي تجاه هذه الاحتمالات، أو بمعنى آخر القيام بالدور المتوقع من مصانع الفكر في دراسة السيناريوهات كافة، السيئ منها والجيد على حد سواء، لا تقديم "دراسات تبريرية" للسياسات والخطط والبرامج القائمة.
الجزئية الأهم في مقال ستيفن والت أنه طرح فكرة الاحتواء للتعاطي مع تنظيم داعش، معتبرا أن التنظيم، ودولته المزعومة، لن يكونا لاعبا عالميا كي يتم إهدار القوة الأميركية في مواجهته، ومبررا ذلك بأن حشد نحو 25 ألف جهـادي من بين سكـان العالم الذين يبلغ تعدادهم نحو سبعة مليارات نسمة ليس بالأمر الذي يثير قلق القوة العظمى الأولى، وهذا يعني استعداد بدرجة ما للاعتراف بالأمر الواقع والقبول ولو مؤقتا بفكرة وجود دولة لداعش في الاقليم مستنداً غلى تاريخ حركات راديكالية عدة فشل العالم في القضاء عليها وانتهى إلى الاعتراف بها والتعايش معها على مضض في النهاية.
هذا الطرح له ماله وعليه ما عليه، ولكن متابعتي للنقاشات البحثية الغربية تشير إلى أن ستيفن والت لم يكن يعبر عن فكرة معزولة أو شاردة، بل تبدو مثل كرة الثلج التي تتدحرج وتكبر تدريجيا في مراكز صناعة الفكر الاستراتيجي الغربي، حيث تحدثت عنها مقالات اخرى في صحف غربية، منها ما كتبه فريدريك اليسون وجانين دي جيوفاني في تقرير نشرته مجلة "نيوزويك" مؤخرا تحت عنوان "عزيزي داعش, نحن بحاجة للحديث"، حيث انطلقا في من كتاب الرئيس السابق لموظفي مكتب رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير, جوناثان باول, الذي صدر بعنوان "الإرهابيون على طاولة المفاوضات: لماذا يعد التفاوض السبيل الوحيد إلى السلام" وقال فيه أنه من الصعب هزيمة التنظيمات الإرهابية التي تتمتع بدعم شعبي كبير عن طريق القوة بمفردها، حتى إذا استخدم الغرب تدابير وحشية للغاية، وأن ذلك ينطبق على الحركات القومية والجماعات الدينية المتطرفة.
المؤلف البريطاني للكتاب يقول أنه من السذاجة الاعتماد على القوة وحدها لدحر الإرهاب، منوهاً إلى أن التفاوض مع الإرهابيين لا يعني المغفرة أو نسيان الماضي، وإنما جعل وقف إراقة الدماء أولوية قصوى. وبتطبيق هذا الفكرة على داعش، يقول والي نصر، البحث الأمريكي الايراني الأصل وعميد كلية بول نيتزه للدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز أن التفاوض ممكن مع أي طرف من الناحية التقنية، ولكن المشكلة هي أن هذا النوع من التنظيمات المتطرفة لا يكون مستعداً دوماً للتفاوض، ويرى أن التفاوض مع داعش يحتاج إلى كسر شوكتها أولا كي يقتنع قادة التنظيم بقبول الفكرة ويؤمنوا بأن التفاوض ينطوي على مكاسب لا يمكن تحقيقها عن طريق مواصلة الحروب.
ربما يستهجن البعض حدوث هكذا تحولات في الخط السياسي الأمريكي، وقد يستبعد آخرون ذلك، ولكني اعتقد أن الباحث والسياسي يقعان، كلاهما، في خطأ فادح حين يحصران بدائلهما ضمن دائرة ضيقة للاحتمالات، ونظرة واحدة على ملفات الماضي تؤكد ذلك، فالسياسة الأمريكية المعلنة، التي صيغت في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان منذ ثمانينيات القرن العشرين بشأن حظر التفاوض مع الارهابيين تعرضت للاختراق مرات كثيرة، منها تفاوض إدارة بوش الابن مع حزب الله اللبناني على إطلاق سرح رهائن أمريكيين احتجزوا في اوائل التسعينيات، والتفاوض مع حركة طالبان الأفغانية مرات عدة آخرها عام 2014 عبر وسطاء قطريين لإطلاق سراح رهينة أمريكي عام 2014، وغير ذلك الكثير من الأمثلة مما قد لا يتسع المجال لحصره.
بالأخير، فإن العقل البحثي الغربي بشكل عام لا يستبعد احتمالية الاضطرار للتفاوض مع أي تنظيم أو جماعة توصف بالإرهاب في حال ظهور واقع ومصالح تفرض نفسه على مخططي السياسات الغربية، ومن لا يصدق ذلك عليه أن يراجع بعض الكتابات الأمريكية التي تتحدث عن التعاون جبهة النصرة التابعة لتنظيم "القاعدة" في سوريا، حيث تشير هذه الكتابات إلى أن منظري الجبهة الارهابية قاموا بمراجعة فكرية وتخلوا من خلالها عن العداء للغرب وأعلنوا ذلك على لسان أبو محمد الجولاني قائد جبهة النصر في تصريحاته الأخيرة لقناة "الجزيرة"، ومن ثم تدفع هذه الكتابات في اتجاه التعامل مع "القاعدة" في سوريا باعتبارها حليفاً ضد داعش، وتصف فرعها هناك بالميل إلى الاعتدال!!
قناعتي الذاتية أن الغرب يتحرك وفق حساباته ومصالحه وأيضا أهدافه الاستراتيجية على المديين القريب والبعيد، وهذا أمر بديهي ومفروغ منه، وبالتالي يصبح من الوارد أن يلجأ الغرب فعليا إلى فتح نافذة حوار أو تفاوض مع شياطين داعش ـ ولو عبر وسطاء وقنوات خلفية غير مباشرة ـ ومن ثم فإن على الدول العربية، والخليجية على وجه الخصوص، تفادى أي عنصر مفاجأة على هذا الصعيد عبر مناقشة مثل هذه السيناريوهات المحتملة مع مراعاة احتمالية حدوثها بدرجة أو بأخرى، كي يمكن بلورة بدائل استراتيجية مناسبة للتعامل معها وفق مصالح دولنا وشعوبنا، وكي لا نستمر في الدوران داخل مربع تلقي الضربات أو سياسة رد الفعل، وننتقل إلى امتلاك زمام المبادرة والمبادأة وطرح الحلول والمقترحات التي تتعامل مع الأزمات وفق ما تسفر عن المشاورات مع الحلفاء الدوليين وبشكل يراعي مصالح الجميع وليس مصالح طرف دون آخر.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لا أعتقد
نورا -

لا أعتقد أن داعش تستطيع التفاهم او التفاوض مع المسلمين وعقد مصالحات واتفاقيات أشك في ذلك !! أجل مع الغرب والأمريكان جائز لأن كما قال الكاتب المصالح تتصالح ..أما مع الدول الاسلامية فلن تتصالح معها داعش لان سياستها الهمجية ورغبتها في بناء دولة الخلافة بالقوة والغطرسة وكل أساليب الأجرام وبحد السيف فلن يكون هناك مجال او هوة للتفاهم والحديث ..والحل الوحيد إضعاف قوتها وكسر شوكتها وأخماد جمرها بحصارها اقتصاديا او فكريا والأهم البحث عن المساعد الرئيسي لها وهو الذي ممكن التفاهم معه حتى يقطع عنها إمداداته.

طرح ينم عن قصر النظر
عبد اللطيف البغدادي -

أن سذاجة الطرح بحد ذاتها تنم عن سذاجة و قصر نظر ، أو عن خبث مبطن هذا إذا لا نعتبره ككلام حق يراد به باطل إذ ان داعش سوف لن يتفاوض مع أحد لأنه لا يعترف بأحد غيره محقا و سيدا مطلقا إلا عدوا يجب قتاله وإزالته عن طريق أهداف إقامة الخلاقة الإسلامية البطيخية في العالم أجمع ..

ابنهم المدلل
كريم الكعبي -

لايمكن لاب وام انجاب طفل صغير لايعرفان ترويضه تدريجيا الى ان يتعلم الرماية فأمريكا الاب والام للحركات الارهابية الموجودة اليوم على الاراضي السورية والعراقية ومن المؤكد ان تخرج افراد هذه المجاميع الارهابية من شركاتها الامنية مثل بلاك وتر وغيرها المنتشرة في اوربا . التحالف الدولي وطلعاته الجوية عبارة عن أكذوبة وانتقائية بضرب اهداف ليس لها اهمية و75% من الطلعات تعود الطائرات بدون ضرب مواقع التنظيم الارهابي . مايريد ان يقوله والت تعالوا ايها العرب تحاوروا مع وليدنا الجديد وثرواتكم تقاسموها بالنصف نصفكم ونصف داعش خراجه الينا ليس كالسابق كثير منه اليكم..نعم ان حواضن الفكر السلفي التكفيري له بيئة دافئة جدا في الوطن العربي لكن الله غالب على أمره بوجود الشيعة في هذا الوسط وهو الخطر الحقيقي على تحقيق تلك المآرب وستندحر داعش ومخططات امريكا في العراق على الاقل والعرب السنة يحتارون بأمرهم نسي الكاتب و والبرفسور الداعشي مقولة بوتين توهم الغرب بدواعشهم في الشرق الاوسط بأن الشيعة يستطيعون ان يحرقوا الاخضر واليابس يصبرون على الظلم وان هددتم مقدساتكم سيرمون جثثكم للكلاب

كارثة ان حدثت
ابو حسين -

مجرد بقاء داعش وتحولها الى دولة كارثة للعرب والمسلمين لأن الصراع سينتقل إلى صراع نماذج بين الوهابية والاخوان والدواعش والشيعة وكل له ايديولوجيته التي يريد فرضها على جميع المسلمين ... وهذا الامر يمكن ان يقبل به الامريكان بالفعل من اجل تعميق الصراع داخل العالم الاسلامي ... واتف قمع الكاتب في ضرورة مناقشة هذه الكارثة المحتملة قبل وقوعها.

المسيحيين
2242 -

ومن بين العديد من الفظائع التي ارتكبها مسلمين قطع رؤوس 21 مسيحيًا قبطيًا، يعملون في ليبيا، وقتل 147 طالبًا مسيحيًا في كينيا، هذا فضلًا عن قيام متشددين مسلمين في باكستان بحرق زوجين مسيحيين داخل فرن طوب بعد اتهامهما بإهانة الإسلام. إن المسيحيين شكلوا ربع سكان منطقة الشرق الأوسط منذ 100 سنة، والآن هم أقل من 5%.

منقول عن صفية
فول على طول -

داعش صناعة امريكية .. لا! داعش صناعة اسرائيلية ..لا! داعش صناعة ايرانية ..لا! واخيرا داعش صناعة صهيونية ايرانية ..؟ الثابت الوحيد والمؤكد هو مرجعيتها الاسلامية !! داعش ليست جسما دخيلا ولا غريبا عن الاسلام ..بل من صميمه .. واسبق في وجودها عن ايران وامريكا وغيرهما .. داعش اوجدها القرآن . .. ثم امتدت لتجتاح عقول المرضى في كل مكان.. وتحمل قراءة شرعية للنص تجد فيه كل المبررات والمسوغات لنهج سياسات العنف والارهاب ضد كل مالا يتوافق مع القرآن .. اقتحموا الموضوع من بابه الرئيسي وتجرأوا على قول الحقيقة .. ما دمتم قررتم ان تكتبوا وتعرضوا افكاركم على القراء .. عد الى جوهر القضية وناقش الموضوع بكل جرأة واعترف ان الاسلام دين عنيف يكره غير المسلمين ويدعو الى مقاتلتهم ولا يأبه للخراب .. الاهم هو رفع الراية السوداء ولو على جماجم الاطفال والنساء.. مات الزرقاوي وابن لادن .. وسيموت البغدادي .. وسيستمر الارهابيون في انجاب من يخلفهم .. لا خطوة واحدة الى الامام دون توجيه الى الدين ما يستحقه من ضربات موجعة والى الصميم تحيده من الطريق السيادي نحو الديمقراطية والحرية والانعتاق من قيود الاستعباد والاستبداد.. لا اميركا ولا اسرائيل ولا ايران مسؤول عن هذه المهزلة التاريخية التي اوقع فيها الاسلام اتباعة .

وهب من لايملك الى من لايس
نبيل -

وهب من لايملك الى من لايستحق . لو كانت داعش على الاراضي الامريكية وتفاوضوا معها فهذا شأنهم وبالعافية عليهم . بينما داعش في الاراضي العربية وهي داعش ليست خطر على امريكا وانما خطر على الدول العربية والاقليمية حتى تركيا لن تكون بمأمن منها اذا قويت داعش . ولكي لاننسى ان داعش مشروع غربي لتفتيت العرب واضعافهم لانهم طالبوا بالديقراطية ( الفاكهة المحرمة على العرب) ولانهم لا يعترفوا باسرائيل بالصورة الكافية كما يريدها الغرب . لو كان التفاوض نافعا لماذا لم ينجح مع اسرائيل وهي الدولة الديمقراطية كما يدعون . مامعنى ان يتفاوض العرب مع تنظيم ارهابي وممنوع عليهم التفاوض مع اسرائيل ؟ ! وهل هذا معناه ياعرب اذا اردتم ان تتفاوضوا مع احد فهذه داعش التهوا معها واتركوا اسرائيل لحاهلها تفعل ما تشاء .