قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تفيد القراءة الموضوعية للحدث السوري أنه لا يعبر في جوهره عن أزمة في المجتمع السوري بل يعبر عن احتجاج المجتمع على فشل الدولة التسلطية في تلبية متطلباته، وهو احتجاج اعتمد في بداياته المنهج السلمي الغاندي بتعبيراته الحديثة. لكن جرى تسويقه من قبل جهات عدة على أنه حرب أهلية وتغليفه برايات طائفية ومذهبية.&&ولاحقاً تمت عملية "تعريب" و "أقلمة" ثم "تدويل" الصراع في وعلى سوريا إلى درجة تعيد إلى الأذهان تجربة الحرب الأهلية الإسبانية التي بدأت بعصيان الحاميات العسكرية في 120 مدينة إسبانية، و5 حاميات في المواقع الإسبانية على الأرض المغربية يوم 18 تموز/يوليو 1936 ضد الجبهة الشعبية الاشتراكية، وانتهت بدخول قوات الجيش الإسباني بقيادة الجنرال فرانكو يوم 28 آذار/مارس 1939 العاصمة مدريد.&&وتعود قصة هذه الحرب إلى يوم 14 نيسان/أبريل 1931 عندما غادر ملك إسبانيا ألفونسو الثالث عشر عاصمة بلاده بسبب فوز القوى الثورية المتحالفة في الانتخابات العامة، وهي القوى التي ضمت الحزب الشيوعي الإسباني، والأحزاب الاشتراكية والاتحاد العام للعمال، وأعلنت قيام الجمهورية الإسبانية التي لم تعرف الاستقرار أو الأمن، فقد تمزقت الجبهة الداخلية تمزقاً رهيباً بين الجيش وأنصار النظام الملكي، وبين التنظيمات الفلاحية المطالبة بتطبيق الماركسية واشتراكية الأرض، فوقعت انقلابات عسكرية في أشبيليا وغيرها، كما تشكلت حركات انفصالية. وكانت قوات الجيش موزعة في مواقع في إسبانيا، وقوات في المغرب، وفي جزر الكناري، تخضع لقيادة الجنرال فرانكو، ومقابل ذلك، كانت حكومة مدريد الثورية تسيطر على غالبية سلاح الطيران وقوات الشرطة وحرس الحدود، بالإضافة إلى الميليشيات الشعبية التي سلّحتها الحكومة. وفي الحرب مارس التدخل الدولي دوراً كبيراً وفعّالاً للتأثير على مساراتها وتحولاتها، فقد عملت دول كالاتحاد السوفياتي، وفرنسا، وبريطانيا على دعم حكومة مدريد الجمهورية، فيما قدّمت ألمانيا وإيطاليا بخاصة دعماً عسكرياً ولوجستياً قوياً للجنرال فرانكو وجيشه، وتمثل الدعم السوفياتي بإرسال قادة ومدربين ووسائط قتالية وطائرات وذخائر متنوعة، بالإضافة إلى قوات المتطوعين من ألوية العمال الأممية، والتي شملت 10 آلاف متطوع فرنسي، و3 آلاف متطوع سوفياتي، ومتطوعين من شعوب كثيرة، كما تعهدت إنجلترا وفرنسا بإرسال قوات بحرية لمراقبة السواحل الإسبانية، وإيقاف كل الإمدادات أو الدعم لقوات جيش فرانكو، ومقابل ذلك قدمت إيطاليا 5 فرق من قوات النخبة (القمصان السود)، والتي ضمت 40 ألف مقاتل، وعمل الألمان على إرسال أسطول من طائرات النقل العسكرية لنقل قوات فرانكو من المغرب إلى أسبانيا، نظراً لصعوبة التحرك البحري عبر مضيق جبل طارق بسبب السيطرة البحرية لجيش مدريد الجمهوري على هذا المضيق.&وبلغت كلفة الحرب أكثر من مليون قتيل من الطرفين، علاوة على الخسائر المادية الكبيرة في الأموال والممتلكات، وهجرة أعداد كبيرة من الإسبان إلى فرنسا والولايات المتحدة ودول أمريكا الجنوبية. وكانت نتائج الحرب الأهلية الإسبانية برهاناً على أن الحروب العقائدية الأيديولوجية أشد خطراً على الشعوب من الحروب الخارجية ذات الأهداف السياسية أو الاقتصادية.&وعرف الوطن العربي ومنذ أقدم العصور كل أنواع الحروب، وفي طليعتها الحروب الأهلية، ومن نماذجها الشهيرة في العصر الجاهلي: حرب داحس والغبراء، وقتال عبس وذبيان، وغزوات الصعاليك التي أكّدت أن حروب القبائل المسلحة التي شكّلت النماذج المبكّرة للحروب الأهلية لم تكن بسبب العامل الاقتصادي وحده أي الحصول على المراعي، وغزوات السلب والسطو، بل إن كثيراً من الحروب كانت ذات أهداف مرتبطة بفضائل المجتمع القبلي ومفاهيمه وقيمه، فقد كانت قيم الشجاعة والانتصار للحق والعدالة، والفخر بشرف القبيلة عاملاً حاسماً في توحيد القبائل.&وكانت حروب الردة، ونماذج الحروب الأهلية في العصرين الأموي والعباسي، والتي لم تكن جميعها ثمرة طموحات فردية أو مغانم مادية، وإنما كانت لها أهداف اجتماعية، ونموذجها ثورة الزنج في العراق، وكانت لها أهداف سياسية للحصول على حقوق وامتيازات للشعوب التي اعتنقت الإسلام ديناً.&وكان للعامل الاقتصادي دوره في تلك الحروب الأهلية لتحقيق التوازنات داخل المجتمع الإسلامي. وكثيراً ما كان من تلك الحروب الأهلية ما هو ذو هدف إسلامي واحد يتمثل في إعطاء الأقاليم الإسلامية عربية وغير عربية قوة دفع جديدة لمجابهة الأعمال العدوانية الخارجية، ونموذجها الحروب الصليبية القديمة.&وفي التاريخ المعاصر، شكل إرسال الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر جيش مصر لدعم الجمهوريين المناهضين لحكم الأئمة في الحرب الأهلية (1962 - 1967) أول تدخل عسكري عربي في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. تعيش حرباً أهلية طاحنة، أدت إلى استنزاف الجيش المصري، وتمزيق الجبهة العربية، وشكلت فشلاً لمحاولة جمال عبد الناصر تحرير فلسطين عن طريق صنعاء.&وشكَّلت الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1989)، النموذج المتكامل للحروب الأهلية، والتي اختلطت فيها رايات الحرب الطائفية أو الدينية برايات المذاهب الاقتصادية. وتخللها تدخل عسكري عربي اتخذ شكل قوات الردع العربية. وانتهت بإقرار اتفاق "الطائف" الشهير.&وراهناً، يخشى أن يتحول مؤتمر جنيف السوري إلى محطة على طريق محطات لاحقة. وذلك على غرار ما حدث للفلسطينيين في جنيف 1974 الذي شكل مدخلاً لاتفاقات كامب ديفيد ومؤتمر مدريد ومعاهدة السلام الإسرائيلية - الأردنية واتفاق أوسلو ومؤتمر أنابوليس.&&ولا يحتاج السوريون إلى الدخول في متاهات سياسية تحت وطأة تدخلات خارجية دولية وإقليمية وعربية. فالتدويل والتعريب لم يثبتا جديتهما في تسوية النزاعات المحلية الداخلية بل في تفكيك سيادة وتقسيم الدول المعنية بالنزاعات الأهلية، وهذا ما جرى في السودان ودول أخرى.&ومن الملاحظ، أنه في الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية التي عرفتها الجزائر وتونس ومصر ودول في أوروبا الشرقية، لم يجري تدويلها أو إخضاعها لمتطلبات بازار الصفقات السياسية بين أطراف وقوى دولية وإقليمية، لم تنهار فيها سلطة الدولة ولم تتغير خريطتها السياسية المعهودة.&&لكن يبدو أن قوة الجيوبوليتيك في شرق المتوسط، تشكل حاضنة رئيسة لتدخلات إقليمية ودولية، تضع التدويل في منزلة الشر الذي لا بد منه، رغم أنه لا ينتج احتلالاً رحيماً أو محموداً.&&