فضاء الرأي

خرافة الدولة الوطنية في الشرق الأوسط (2/1)

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

&سلسلة معقدة وطويلة من الشعارات والأطروحات، سايرت عملية تشكيل مفهوم الدولة الحديثة "الدولة الوطنية" بحدود جغرافية لا تنتمي إلى أية أسس ديمغرافية أو تاريخية، أو قومية أو مذهبية، حاول العرب المتسلطون على الحكم بعد الاستقلال، تشكيلها وأسنادها على خلفية ما تركه الاستعمار الكلاسيكي من تقسيمات للمنطقة، للهيمنة على النسيج المعقد والمتعدد الألوان والأشكال، بعد التعتيم على الإشكاليات المتناقضة ضمن المجتمعات التي حكمتهم الدول المستعمرة، ودمجتهم تحت صيغ واهية، ليحصلوا على غاياتهم.

& هذه الظاهرة كانت نتيجة مراحل زمنية سريعة، بدأتها الثورة العربية الكبرى، والتي حاول قادتها أحياء القومية على حساب البعد الإسلامي، أو تسخير الإسلام السياسي لغاياتهم القومية، ولم يتخلفوا في طلب المساعدة من الدول الاستعمارية كبريطانيا وفرنسا للتحرر من الخلافة العثمانية الإسلامية كما كان يقال! لكنهم وفي فترة قصيرة، أخفوا الطموحات القومية بغطاء الوطنية، المطروحة نظريا والعامل عليها بشكل فعلي المستعمرين البريطاني والفرنسي في المنطقة، لأن التعامل على السوية الوطنية لاءمت مصالحها الاقتصادية، وسهلت لهم عمليات الهيمنة. أدرك زعماء الحركة القومية العربية هذه المعضلة، وانتبهوا إلى أنه بإمكان بريطانيا وفرنسا، تشكيل دول وجغرافيات مستقلة للشعوب والطوائف غير العربية في المنطقة، وإعطاء أصحاب الأرض الحقيقيين حقوقهم القومية، لذلك حاولوا تدارك هذه المعضلة، فقاموا بالالتفاف حولها، وتضليل الشعوب والطوائف غير السنية، والمسيحيين، ونشروا الشعارات الداعية للمفاهيم الوطنية، ولبسوا عباءتها، مخفيين تحتها التعصب القومي، وركزوا على مشاريع بناء الدول على الأسس الوطنية، فقد وجدوها أسهل الطرق في استغلال الشعوب، والسيطرة على جغرافياتهم، ونهب خيراتهم، وتحريفهم عن مطالبهم القومية. لم تدم هذه الخدعة، بعد الجلاء، حتى كشر قادة الأحزاب العربية القومية وغير القومية عن حقيقتها، وبرزت غاياتها القومية على السطح، ولم تساعدهم كل الشعارات الوطنية، إخفاء التعصب والانزياح القومي العربي، وتبينت أساليب تسخيرهم الإسلام السياسي للعروبة، وكل ذلك دون التخلي عن الشعارات والدعوات المضللة حول البعد الوطني لبناء الدول، كسوريا ومصر والعراق، ودول شمال أفريقيا، لتمرير أجنداتهم بين الشعوب الأخرى.

علماً أن الشرائح العربية المتسلطة على الحكم، أدركت بأن تكوين الوطن، الجغرافي العشوائي، المتكون من القوميات والمذاهب والطوائف، المتنافرة بين بعضها إلى حد القطيعة والعداء، تحتاج إلى صدق نية وإخلاص في التعامل، والتفاني من أجل الجميع معاً، وهو ما غاب عن جميع الذين نادوا بالوطنية دون القومية ورضخوا لحكم الدول القومية العربية فعلا والوطنية شكلاً، وبرؤساء عرب كانوا خاليين من جميع الصفات الوطنية. وللعلم فإن إسرائيل، تعتبر الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط المبنية على المفاهيم الوطنية، والركائز الديمقراطية الصادقة، وهي من أحد ركائز قدرتها على مواجهة الدول العربية والإسلامية الغارقة في الاستبداد والفساد.

& & لا شك أن نزعة الانتماء إلى الوطن، حالة مثالية تندرج ضمن النتاجات النهائية للثقافة الحضارية، والمفاهيم الوطنية، مجردة من القومية والطائفية، والمفهوم أو المطلب من أحد أرقى المراحل التي تبلغه ثقافة الشعوب، الطامحة لتكوين الوطن المشترك. وإذا كانت الغاية نزيهة، وثقافة المطالبين بها نقية، وكان الطموح جديا خاليا من النفاق، فسيكون من السهل القضاء على التناحرات العرقية أو المذهبية، وخلق المساواة بين الشعوب ضمن جغرافية سياسية واحدة. &ومن الأسباب الرئيسة في عدم بلوغها، في دول منطقة الشرق الأوسط، لأن الشروط الضرورية لإنجاح المسيرة لم تكن موجودة في السلطات الحاكمة وشعوبها، وخليت فيهم حب الانتماء الصادق إلى الوطن المطروح، ولم يمتلكوا الشروط الدنيا من الوعي الثقافي الحضاري، والفكر الحر المؤمن بالنسبية، وحقوق الأخر، وغيرها من المفاهيم الإنسانية. وللأسف جميع السلطات وشريحة واسعة من شعوبها، وخاصة المهيمنة، أو التابعة للسلطات، والتي عملت بشكل حثيث على تلقينهم أفكارها ومفاهيمها الشاذة والموبوءة، افتقرت وتفتقر إلى تلك الشروط المذكورة، فكانت النتيجة انهيار المفهوم المطروح، والكوارث الناتجة عنها. وعبثت تلك المجموعات المتخرجة من أحضان تلك الأنظمة، بالشعوب وبالمنطقة، وهم من الكثرة بحيث يمكن إيجادهم على المواقع الإلكترونية، وفي الإعلام، وضمن المعارضة، بل وفي معظم الأماكن التي يمكن الاشتراك في التدمير الخلقي والثقافي للمجتمع، ومهماتهم تمتد من تشويه تاريخ الشعوب الأخرى كالشعب الكردي والأمازيغ والقبط، إلى المواجهة السياسية والمسلحة.

& & وتحت مفاهيم التمدن والتقدم من جهة، والاشتراكية من جهة أخرى، والمفهوم المتشكل حديثا " الوطنية" والمدموج مع السابقة لاحقاً وبأساليب مزيفة، ظهرت موجة فكرية بين الأحزاب السياسية في الشرق الأوسط، وتقدمتهم الأحزاب القومية، كالبعث والناصرية والمشابهة لهما، وإلى حد ما أتبعتهم الأحزاب الدينية كالإخوان المسلمين، لتشكيل دول، سميت بالعصرية أحيانا، والوطنية أحيانا أخرى، لغاية السيطرة من جهة، والتغطية على نزعتهم القومية والمذهبية من جهة أخرى، وعملوا من تحت خيمتها على ترسيخ ثقافة السيادة، وهيمنة العرق والطائفة المنتمية إليها، والحاضرة في ذاكرتهم الاستبدادية، فلم تكن تنفصل كلمتي العروبة أو العربية عن معظم المصطلحات الفكرية التي تعرض أسم سوريا أو العراق أو مصر كدول أو جغرافيات وطنية. وبذاك المنطق شوهوا المفاهيم الوطنية ومعانيها، والغاية منها إخراجها من سياقها الحقيقي بأساليب خبيثة، لتخدم مصالحهم القومية، والتي كان من الممكن أن تنجح لولا طغي العنصرية، والاستبداد، وبالعكس خلقوا الأحقاد بين الشعوب التي احتضنتها تلك الجغرافيات، إلى الدرجة التي يمكن تسميتها بالأوطان الفاشلة والوهمية.

& &المذنب الأول والأخير، في هذه الفشل الذريع لتكوين "الدولة الوطنية" والدمار الخلقي والثقافي لمجتمعاتنا، هي الأنظمة التي سيطرت على دول المنطقة، كسلطة البعث والأسدين، والسلطات المتعاقبة على العراق، ومثلها في تركيا الكمالية وإيران الماضية والحاضرة، والشرائح الكثيرة والمتعددة الاختصاصات المتخرجة من مراكزهم التثقيفية. فكل ما فعلوه، من وراء خيمة الوطن، كانت تسخر لاحتكار السلطة، ونهب خيرات تلك الجغرافيات، ومحاصصتها مع تلك الشرائح، والذين يساندونهم بانتهازية، ومن بعدهم شعوبها دون الأخرين...

التتمة في الحلقة القادمة

&الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
خرافة الدولة الكردية
وخرافة كردستان -

قصدك خرافة الدولة الكردية وخرافة كردستان حيث الاكراد قادمون جدد للمنطقة وحيث لا يوجد اي اساس للاكراد لا اثار حضارية ولا اساس تاريخي وجغرافي وحيث ساعدتم الاتراك في قتل الارمن والاشوريين ويونان بوندوس 1915-1923 وسكنتم في بلاد الارمن والاشوريين وتردون تحويلها لكردستان حيث ثلاثة ملايين ارمني 3,000,000 كانو يسكنون الولايات الارمنية الستة وكانو اكثرية سكانية 1914 وسنطردكم اجلا ام عاجلا كما طردت بولونيا ملايين الالمان 1945 من بروسيا الى المانيا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية ورجعت بروسيا الى اصحابها الاصليين بولونيا حيث الارمن كانو مستقلين في ارمينيا الغربية من سنة 1915-1918 ولمدة ثلاث سنوات 3 وكدلك ارمينيا الصغرى كانت اربعة سنوات 4 مستقلة 1918-1922 وان جريمة الابادة لا تسقط بالتقادم والارض ترجع لاصحابها السكان الاصليين الارمن وان وجودكم الاحتلالي يا احفاد مجرمي الابادة الارمنية والمسيحية 1915-1923 في شرق وجنوب اناضوليا لا يجعل منها بلدكم ولا كردستان في ارمينيا

Well said
Rizgar -

لقد فشل الكيانات اللقيطة في تحقيق رغبة الجماهير العربية في القتل والتدمير

دولة مصر
منصور عيد -

عندما اتى سيدنا يوسف الي مصر. كان يوجد دوله اسمها مصر. وخرج موسى من دوله اسمهامصر. وهاجر عيسى الى دولة مصر.

يا أستاذ مشمئز
عراقي متبرم من العنصريين -

صدقتَ أيها العزيز .. لو كان الأكراد غير طارئين وموجودين أو لهم أصول فيما يسمونها كردستان الجنوبية والغربية لكان منحهم الاستعمار دولة(وطنية) أسوة بغيرهم. ترى أين كان يحصل على مثلهم أناس مطيعين كما العبيد لسيدهم مهطعين رؤوسهم تكاد تمسّ الأرض له ولهيمنته وينفذون كامل أوامره وتمرير مخططاته بدون أي تفكير أونقاش كما هم عليه الآن؟! تحياتي

اما حال الجيش الليفي
Levy -

اما حال الجيش الليفي فصار اوروب .

شعب مناضل
ناصر -

لون كان عدد الأكراد عدت آلاف لقلنا بأنهم جمعوا من هنا او هناك ، ولكن أربعين مليون كوري الان موجود في المنطقة الجغرافيه ( كوردستان ) المحتلة بالرغم من تهجيرهم وترحيلهم وتعريب وتتريك وتفرس مناطقهم ، عدا قتلهم وتسميمهم بالإسلحه الكيمياوية !لا ان جزور الانتماء وحب الوطن أدى بهم الى المقاومة ضد الشوفينيه من العرب والاتراك والفرس والمنظمات الارهابيه وحتى المؤمرات الدولية !، الشعب الكوردي شعب حي ومحب للاخوه والصداقة لكل الشعوب ، آراء بعض المهزومين والأقلام المئجوره لن تشوه صداقتنا لشعوب المحبه للتعايش السلمي في المنطقة .

فاقد الشئ لا يعطي
ناصر -

كون الأكراد ليس من المنطقة وهم طارؤن كما تقولون فلهاذا لم يقم الاستعمار بتكوين دوله لهم ؟!، وماذا باالنسبه للأقباط في المصر والأمازيغ في المغرب والبرابرة في جزائر وتونس والآشوريون والكلدان في العراق والنوبيون في سودان ومصر ترى لماذا لم يقيم الاستعمار دوله لهم ؟؟؟؟.هل تعتزون بالدول ألعربيه التي اقامها الاستعمار لكم ؟؟!، ملاين العرب لاجئين في أوروبا هل تعرف لماذا ؟، لان كرامتهم مسلوبه في الدول ألعربيه التي اقامها الاستعمار لكم !!!!!!