قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
& & &عندما تشيخ الافكار الكبرى وتموت، ينتج عن ذلك تحولات اجتماعية وسياسية بارزة. بكل اسف شاخت افكارنا الكبرى، لكنها لم تمت بعد. العراق لم يرَ - الى الان - تحولات كبرى تعالج اسسه القيمية البالية، والتي يمهد معالجتها الى تغيير شامل في نمط الحياة. التحولات السياسية التي مر بها العراق لم تتمكن من صناعة وعي جماهيري مرن، مرونة تمكنه من التعاطي مع المتغييرات التي تحدثها مراكز القوى الدولية على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وغالبا ما يرافق اي تحول سياسي/اجتماعي، اعلام يترجم حركة التغيير وانسيابيته وتعثراته ويقابله اعلام مضاد تفرزه بدهية التضادات التي تكتنف عملية التغيير.& & &شهد العراق بعد عام 2003 انفتاقا ميديويا ضخما ومتنوعا، كان من شأنه ان يكون عاملا رئيسا في احداث التغيير. وهنا، لا بد من تعريف مبسط &لدور الاعلام، &فعلى المستوى ألتنظيري، تمتهن الميديا وظيفة محددة، هي: &جمع كل أوجه الحقيقة التي ترسم الحدث وتنقلها للجمهور بحيادية، وان تسعى للهيمنة على وسائل الإدراك أو الاستحواذ على أدوات الفهم للمُستقبِل/ الجمهور. لكن على الرغم من التطور الذي ارتقى بالمستوى الإعلامي، على الصعيدين الأدائي والتقني، &الا انه لم يتمكن من تمرير رسائله الاعلامية التي اصطدمت بعقبات حرفت مسارها. وبات كثير من المنابر الاعلامية تتخذ من الانفعال أداة لتسويق بضاعتها، وهي بذلك تحاكي الوعي الشعبي . كان الاعلام في زمن الحكم السابق محصورا بيده، ويمرر للمتلق ما يشاء، نظرا لتفرده بالسلطة وركائزها، اما بعد العاصفة التغييرية والتي اجتاحت كل مفاصل الدولة العراقية، تهدم كل شيء تقريبا، منطقة الاعلام، او، المجال الاعلامي لم يكن بعيدا عن مؤثرات هذه العاصفة، ففضلا عن استثناء العراق من الميديا الفضائية بحكم اختزال حكم البعث وحصر اغلب روافد الاعلام بيده، الا ان الشعب العراقي كان يعتمد على مدخلين او شكلين لوجه المعلومة، فهي اما ان يرسمها اعلام النظام او الاعلام المضاد له، وفي ضوء ذلك صار من الطبيعي ان تتشكل اوجه المعلومة لدى الجمهور وفقا لنسيجه الاجتماعي، اذ كانت الميديا البعثية مرفوضة من قبل الكورد في شمال العراق والشيعة في جنوبه، ولكل من هذين المكونين الاجتماعيين يملكان روافد مضادة لاعلام النظام، وهو الاعلام الذي يفرزه الوعي المعارض للنظام السياسي. && & ان السواد الاعظم من المجتمع العراقي لا يملك وعيا كافيا يمكنه من فلترة الإعلام الملوث، سواء كان الاعلام الحزبي/ الشعبي او الاعلام الحر، كما انه غير قادر على استيعاب ضخ شحنة مكثفة من وسائل الإعلام الموجه والمضاد بهذا الحجم الذي شهدته الساحة الإعلامية العراقية في السنوات التي تلت التغيير، إذ سببت ربكة في مستقبلات الوعي الاجتماعي، وأحدثت تخمة أعيته كثيرا وأفقدته أدوات التقييم لهذا المنبر الإعلامي أو ذاك.&& & الإعلام، كأي صناعة في العراق، تعرض لهزات عنيفة عصفت بأساساته. الامر الذي وفر بيئة مناسبة للثقافة الشعبية ان تفرز اداتها الميديوية لتحل بديلا عن الاعلام الذي يعتمد الحرفية والمنهجية، ووفقا لرؤية غوستاف لوبون، الذي يرى ضرورة اجراء تحويلات على الافكار الكبرى عندما يُراد تمريرها للمجتمع في مناخ مضبب بالوعي الشعبي، فلا مناص من استخدام الامثلة والقياس، وهنا لا بد لي من سياقة مثلا عن احزابنا الاسلاموية حيث راحت تغذي وجودها عبر استخدام "الميديا الشعبية" لمواجهة خصومها، من قبيل العمل على صناعة الاشاعة وادامتها من خلال اجترارها وتكثيف تداولها، لتصبح معلومة راسخة في الذهن الشعبي، او تصنع معلومة تشويهية للخصم والعمل على تمريرها وترسيخها في الوعي الجمعي، وهذا اللون من السلوك الميديوي التعبوي مارسه الحزب الشيوعي عندما مرر حكايات ترسم صورة لشخصية عبد الكريم قاسم عبر مرويات اسطورية. كما وظفتها الاحزاب الاسلاموية طيلة فترة وجودها كسلطة متفردة بالحكم بعد عام 2003، وكثفت من استدخدامه في مواسم الانتخابات، وتمكنت ايضا من توجيه شريحة واسعة من الجمهور وفقا لاجندتها، حتى وجدت المعلومة نفسها محمولة على اكتاف مناصري تلك الاحزاب يجولون بها بهدف التضليل، لا بل ان بعض التصورات التي صاغتها الاحزاب الاسلامية لا زالت راسخة عند مناصري وجماهير تلك الاحزاب. اذاً يمكن لنا القول ان رسالة الاعلام في العراق قد تضررت كثيرا بفعل صلابة وتكلس الوعي الشعبي الذي لا يعتمد على محاجات عقلية في تقييمه للخبر، انما يتبنى اية رؤية تأتي له من الاعلى. كما ان حجم الخراب الهائل الذي وقع على متن المجتمع العراقي له دور كبير في عزوف الجماهير عن الاصغاء للاعلام الحر، وبسبب هذا التشابك اتسعت رقعة التشاؤوم لدى عموم الناس. ذلك بسبب السطوة التي امتلكتها بعض القنوات الاعلامية التي خذلت مشروع التغيير كثيرا، فترانا نشاهد مالك هذه القناة او تلك يوظف الاوجاع العامة لغايات شخصية، يقصد بذلك، الحضور في ذهن الجمهور. وغالبا ما يؤدي هذا اللون من الاعلام الى مجافاة الحيادية فتكون القناة اسيرة لهذا المؤثر او ذاك. وعلى ضوء ذلك استطاعت الميديا الشعبية ان تتصلب وان تبقى داعما قويا للوعي الشعبي الذي تعتاش عليه الاحزاب المتنفذة.