تركيا والمصالحة مع الذات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&
التغييرات الحاصلة في السياسة الخارجية التركية تؤكد ان تركيا استوعبت رسائل المجتمع الدولي العديدة في موضوع تعاملها مع العالم الخارجي بعد فترة متشنجة تميزت بالكثير من الجوانب السلبية التي كلفت تركيا الكثير ( مقالتي في ايلاف الغراء هل حان وقت بلقنة تركيا مارس 2016 ).
نهج المصالحة الذي بدأته تركيا مع محيطها الخارجي واعادة تطبيع علاقاتها يضمن مصالحها الاقتصادية والسياسية ودورها كلاعب اقليمي مهم في اطفاء نيران الحرائق التي يشعلها ارهاب الدولة الاسلامية المزعومة والتي بدأت بالتوجه نحو تركيا بالذات رغم مواقف تركيا السابقة التي يمكن توصيفها في احسن الاحوال بتجاهل تحركات المجموعات الارهابية على اراضيها واستغلالها كمعبر للإرهابيين وملجأ للجرحى والمصابين منهم.
مع ما سبق فان ما تحتاجه تركيا اليوم هو المصالحة مع الذات، هو في التوجه نحو بناء تركيا متصالحة مع نفسها كي تنجح في مصالحتها مع العالم الخارجي وهذا يعني تحديدا المصالحة مع شعب كوردستان و إحياء عملية السلام واطلاق سراح الزعيم الكوردي عبدالله اوجلان والبدء بحوار جاد مع القوى الكوردستانية الديموقراطية وانهاء العمليات الحربية التي تسببت في نشر الدمار والخراب في المناطق الكوردية ناهيك عن الاعداد المروعة للضحايا الابرياء الذين تم تصفيتهم بدم بارد استنكرته العشرات من المنظمات الانسانية والدولية والحقت اضرارا بالغة بسمعة تركيا ومصداقيتها في مجال حقوق الانسان وكانت وان بطريق غير مباشر احد اهم الاسباب الخفية وراء عدم قبول تركيا في الاتحاد الاوروبي.
لقد سبق وان جربت تركيا على مدى عقود طويلة كل قوتها وجبروتها وبكل الوسائل الممكنة لإخماد صوت المطالبة بالحرية في كوردستان ولصهر الشعب الكوردي في بوتقة العنصرية المتخلفة دون جدوى رغم البشاعة التي مورست ضد الكورد وثقافتهم ولغتهم ووجودهم الانساني ناهيك عن الثمن الفادح الذي دفعته تركيا بالأرواح والاموال والاثار السلبية على اقتصادها الوطني وتطور البنى التحتية وايضا سمعتها في المحافل الدولية.
مبادرة تركيا في المصالحة مع محيطها الخارجي خطوة ايجابية ولاشك ولكنها وحدها لا تكفي لوضع تركيا على المسار الصحيح اذ بدون المصالحة مع الذات وارساء اسس السلام والاستقرار الداخلي فان أي انجاز خارجي ممكن ان ينهار وفي أي وقت كما ان الاعتماد على العالم الخارجي لحل المشاكل الداخلية اثبت فشله وعدم جدواه طيلة العقود الماضية ولذلك كان وسيبقى حل المسألة الوطنية الكوردستانية، حلا عادلا يضمن حقوق الشعب الكوردي القومية والانسانية الديموقراطية، الضمان الحقيقي لمستقبل افضل يسوده السلام والاستقرار والنمو المضطرد وهي الخطوة الحاسمة المطلوبة من تركيا فيما اذا ارادت ان تفتح صفحة جديدة في تأريخها وتستعيد دورها الاقليمي والدولي الذي تعرض لهزة عنيفة خلال الفترة الماضية.