الاقتصاد الإسلامي والأمن الغذائي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الفقر وعدم كفاية الغذاء واحدة من أهم المشاكل التي واجهت البشرية على مر العصور. كلنا نذكر موجات المجاعة التي ضربت العديد من أنحاء العالم في فترات سابقة، وكيف تضامن الجميع مع القارة الأفريقية، لا سيما في منتصف الثمانينيات، عندما ضربت المجاعة بقوة بلاد شرق ووسط أفريقيا، كما نستحضر ما سببته الحروب والصراعات الدموية والكوارث الطبيعية التي حدثت في أصقاع مختلفة، وأدت إلى نقص حاد في الغذاء، وما تصدره منظمة الأمم المتحدة والمنظمات العالمية والإقليمية من تحذيرات بخصوص مشاكل الجوع والفقر ونقص التغذية، بسبب عدم وجود مخزون كافٍ من الغذاء في المناطق المعنية، ودعواتها المتكررة إلى ضرورة الاهتمام بقضايا الأمن الغذائي والجوع والفقر في العالم.
الفقر والجوع كانا من أهم المشكلات والتحديات التي واجهتها البشرية على مدى أزمان وعصور متعددة، وكان ناتج تلك التحديات اهتمام القادة والشعوب بقضية تأمين الغذاء والأمن الغذائي، لأنها تعتبر قضية اقتصادية وسياسية واجتماعية لها دلالات عميقة، كما أن لها تأصيلًا دينيًا، إذ جاء في قوله تعالى (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِير)ٌ الآية رقم (65) سورة يوسف، وجاء تفسير كلمة "نمير" ضمن السياق أنها والقول على لسان إخوة يوسف: إننا نطلب لأهلنا طعامًا فنشتريه لهم أي إنه بمنزلة تأمين مخزون استراتيجي لأهل قبيلتهم أو كما يقال أيضاً "مارَ فلانٌ أهلهَ يميرهم مَيْرًا"،أي إنه أمن غذاءهم، وكذلك قول الشاعر:
بَعَثْتُــكَ مَــائِرًا فَمَكَــثْتَ حَـوْلا مَتَــى يَــأْتِي غِيَـاثُكَ مَـنْ تُغِيـثُ
تعرف منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) الأمن الغذائي بأنَّه توفير الغذاء ﻟﺠﻤﻴﻊ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﻜﻤﻴﺔ والنوعية اﻟﻼزﻣﺘﻴﻦ ﻟﻠﻮﻓﺎء ﺑﺎﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻬﻢ بصورة مستمرة ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻴﺎة ﺻﺤﻴﺔ، أي أنَّه يشير إلى حالة توفر كميات كافية ومستدامة من الطعام الصحي والمغذي لضمان تلبية الاحتياجات الغذائية اليومية. ويعتمد هذا المفهوم على عوامل متعددة، منها إنتاج الطعام، وتوزيعه، وكيفية وصوله إلى الأفراد، وقدرتهم على تحمل تكلفته، وهو يعتبر هدفاً مهماً للدول والمنظمات الدولية على اختلافها لضمان تغذية صحية للسكان، والحد من الجوع والفقر الغذائي. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، ارتفعت معدلات الفقر في البلدان الفقيرة، حيث ارتفع عدد الأفراد الإضافيين الذين يعيشون على أقل من 3.65 دولاراً في اليوم إلى 165 مليوناً بحلول عام 2023 وفقًا لموجز سياسات جديد من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعنوان "التكلفة البشرية للتقاعس عن العمل: الفقر والحماية الاجتماعية وخدمة الديون، 2020-2023". ويعيش جميع هؤلاء الفقراء الإضافيين في اقتصاديات الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط الأدنى، حيث يعاني أفقر 20 بالمئة في البلدان المنخفضة الدخل أكثر من غيرهم مع بقاء دخلهم دون مستويات ما قبل الجائحة في عام 2023. واستجابة لهذه الأزمة، دعا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى الحماية الاجتماعية القابلة للتكيف و"وقف الديون والفقر" لإعادة توجيه سداد الديون نحو النفقات الاجتماعية الحرجة. وفي هذا الصدد جاء تصريح مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: "إنَّ البلدان التي كان بإمكانها الاستثمار في شبكات الأمان على مدى السنوات الثلاث الماضية حالت دون وقوع عدد كبير من الناس في براثن الفقر، وفي البلدان المثقلة بالديون هناك علاقة بين ارتفاع مستويات المرتفعة للديون، والإنفاق الاجتماعي غير الكافي، والزيادة المقلقة في معدلات الفقر. اليوم، تدفع 46 دولة أكثر من 10 بالمئة من إيراداتها الحكومية العامة على صافي مدفوعات الفائدة. وتزيد خدمة الديون من صعوبة دعم البلدان لسكانها من خلال الاستثمارات في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية".
إنَّ تحقيق الأمن الغذائي يتطلب مجموعة من الجهود والتدابير التي يمكن تلخيصها في زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين إدارة الموارد الطبيعية من خلال الحفاظ على التربة والمياه والموارد الطبيعية الأخرى التي تلعب دوراً مهماً في تحقيق ذلك الهدف، إضافة إلى أنَّ تعزيز البنية التحتية للزراعة وتحسين البنية التحتية الريفية والنقل والتخزين يمكن أن يزيد من كفاءة إنتاج وتوزيع الطعام، فضلًا عن تحسين التغذية والوعي الغذائي: توعية الناس بأهمية التغذية السليمة وتحسين السلوكيات الغذائية يمكن أن يقلل من نسبة سوء التغذية، كما يجب تنفيذ سياسات لمكافحة الفقر وتنظيم الأسعار ومكافحة التضخم أضف إلى ذلك أن التعاون بين الدول والمنظمات الدولية يلعب دوراً حاسماً في تحقيق الأمن الغذائي على مستوى عالمي.
إضافة إلى ما ذكر، فإن الأمر يتطلب أيضاً تنفيذ استراتيجيات متعددة ومتكاملة للتعامل مع تحديات الأمن الغذائي على المستوى العالمي والمحلي من خلال زيادة وتنويع الإنتاج الزراعي، وتحسين التكنولوجيا الزراعية، وكذلك تحسين الإدارة المستدامة، ودعم البحث والتطوير في مجال الزراعة، وتطوير أصناف جديدة وتقنيات فعالة، وتحسين نظم التخزين والتوزيع وتوفير التعليم والتدريب للمزارعين حول أفضل الممارسات في الزراعة وإدارة المزارع، وكذلك توجيه الدعم المالي والموارد للمناطق والفئات الأكثر احتياجاً، إضافة إلى مراقبة ومكافحة الأمراض التي تؤثر في النباتات والحيوانات الزراعية. ويختلف تنفيذ هذه الاستراتيجيات بناء على ظروف الدولة المعنية التي قد تحتاج إلى تطبيق واحدة من تلك الاستراتيجيات أو تطبيقها جميعًا أو مجموعة منها، وهو أمر يتوقف على مقدرات الدولة وظروفها الاقتصادية وتعاون مؤسسات المجتمع المدني والمجتمع للتجاوب مع خطة العمل التي تنوي الدولة تنفيذها في سبيل تحقيق هدف الأمن الغذائي.
وكما أسلفنا فإن الدين الإسلامي يولي مسائل الأمن الغذائي اهتمامًا كبيرًا، ويشجع على مبادئ وأسس تعزز من تحقيق هذا الأمن من خلال حفظ الغذاء وتجنب الفاقد وهدر الطعام والمبالغة والإسراف فيه، كما أن الإسلام يشجع على توزيع الثروة بشكل عادل والمساهمة في تلبية احتياجات الفقراء والمحتاجين، بما في ذلك الغذاء، ويشجع على التصدق ومساعدة المحتاجين، ويعزز من الأخلاق والسلوك الغذائي الصحي، ويحث على تجنب الإسراف في تناول الطعام والالتزام بتناول الأطعمة النقية والصحية، ويشجع على التجارة العادلة، ويدين الاحتكار والاحتكار غير الأخلاقي للطعام. ويعترف الإسلام بأهمية الزراعة والإنتاج الغذائي، ويشجع على تطوير هذه القطاعات بشكل يضمن توفير الغذاء للجميع بشكل عام. ويمكن القول إنَّ الإسلام يشجع على مفهوم الأمن الغذائي ويعزز من المساهمة الإيجابية في تلبية احتياجات الغذاء للأفراد والمجتمعات.
إنَّ الاقتصاد الإسلامي يتميز بمبادئ وأسس خاصة تعتبر مهمة في تحقيق الأمن الغذائي، حيث يشجع على تبني العدالة الاقتصادية. فالاقتصاد الإسلامي يحث على توزيع الثروة بشكل عادل، ما يعني توفير فرص متساوية للجميع للمشاركة في الاقتصاد، وهذا من شأنه أن يعزز الوصول إلى الغذاء ويقلل من الفقر والعوز. إضافة إلى أن الاقتصاد الإسلامي يشجع على التضامن الاجتماعي والمساعدة المتبادلة بين الأفراد والمجتمعات، ويمكن أن يكون ذلك مفيدًا في مساعدة الأشخاص الذين يعانون نقص الغذاء إضافة إلى انه يشجع على المشاركة الفعالة للأفراد والجماعات في عمليات الاقتصاد، وهذا يمكن أن يشجع على تطوير الزراعة المحلية وتعزيز إنتاج الطعام. كما أنه يؤكد على المسؤولية البيئية وحماية الموارد الطبيعية، وهذا يساهم في الحفاظ على التربة والمياه والنباتات والحيوانات التي تلعب دورًا حاسمًا في الإنتاج الغذائي، كما أن الاقتصاد الإسلامي يتبنى قضية عدالة التجارة، حيث يشجع الاقتصاد الإسلامي على التجارة العادلة والعلاقات التجارية النزيهة، وهذا من شأنه المساهمة في توزيع الغذاء بشكل أكثر عدالة في الأسواق العالمية.
بالرغم من أن هذه المبادئ تلعب دورًا مهمًا في تحقيق الأمن الغذائي في الاقتصاد الإسلامي، فإن النجاح يعتمد على تنفيذها بفعالية من خلال سياسات حكومية واقتصادية مناسبة وتعاون دولي.
830 مليون جائع في العالم
تمثِّل مشكلة الفقر واحدةً من أهم وأخطر المشكلات التي تُواجه البشر، فحسب تعريف الأمم المتحدة للفقر يعيش حوالى نصف سكان العالم، أي حوالى ثلاثة مليارات نسمة، تحت خط الفقر، وهم الذين يَحصلون على أقل من دولارَين يوميًّا، كما أن ما يزيد على مليار شخص مِن بين هؤلاء يقلُّ دخلهم اليومي عن دولار واحد. وتشير إحصاءات منظَّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" إلى أن 830 مليون شخص، أي ما يوازي 14 بالمئة من جملة سكان العالم، انحدرت أحوالهم في السنوات الأخيرة من الفقر إلى الجوع والمرض بسبب غول العَولَمة وقِلَّة المساعدات الدولية ، فأين دور الاقتصاد الإسلامي في هذا؟ وما هي الأدوات المالية الإسلامية التي يمكن ان تساهم في التخفيف من حدة الفقر في العالم؟
الإجابة بكل وضوح أن الدين الإسلامي يحث ويحمل الجميع أفراداً ودولاً مسؤولية الخروج من قضية الفقر والجوع لأنها مسؤولية مجتمعية جماعية وليست مشكلة خاصة، لذا نجد أن تعاليم الإسلام تنص على أن تتكفل المجتمعات الإسلامية بحياة حرة شريفة لأفرادها، فلا يضيع فقير لفَقرِه، ولا تُهدر كرامة مسكين لبُؤسه، ولا يهلك جائع لفاقته وغيره شبعان، ومن هنا كانت الزكاة في الإسلام ركيزة من ركائزه، وعمادًا من عمُدِه التي بيَّنها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((بُني الإسلام على خمس؛ على أن يوحَّد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج)).
وحينما فرَضَ الإسلام الزكاة لم يكن بذلك جائرًا على الأغنياء أو متحيِّزًا إلى الفقراء، بل أمر بها لبناء مجتمع سليم، يشعر فيه الغني بأخيه الفقير فيُطعمه من ماله، ويَكفيه مؤونة الجوع والتشرُّد، فينال بذلك الثمار في ماله: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم: 39]، ويَنال الغنيُّ بذلك المثوبة من الله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 110].
التعليقات
يا خراب بيتك يا أتلانتا
قول على طول -السيد الكاتب والحاصل على الدكتوراه فى الاقتصاد من أتلانتا يحدثنا عن الاقتصاد الاسلامى ..ولا أعرف لماذا لم يذهب الى الأزهر كى يحصل على الدكتوراه فى الاقتصاد الاسلامى من الأزهر ؟ يا عم الكاتب يا حاصل على الدكتوراه من أتلانتا : الاقتصاد وأي علوم ليس لها ديانه .. والاسلام أصلا لم ولن يعرف شيئا عن أى علوم غير الفقه والتفاسير والسبره والأحاديث الخ الخ وكلها جاءت متأخره عن بداية الاسلام وكلها وصمة عار فى جبين الانسانيه ..يتبع
تابع ما قبله
قول على طول -والكاتب يردد نفس كلام عامة الناس من الذين أمنوا ...الاقتصاد الاسلامى والطب النبوى الاسلامى وعلوم الفضاء والفلك الاسلامى الخ الخ ..واذا تم تصنيف العلوم على أساس الدين سوف يأتى اسلامكم فى مرتبة متأخرة بعد الكفار بسنوات ضوئيه...وربما الكاتب بما أنه درس فى امريكا يعرف جيدا أن أغلب المؤسسات والجمعيات الخيريه موجوده ومنبعها بلاد الكفار أصلا وهى التى تطعم المؤمنين ..والمؤسسات الاسلاميه حديثة العهد جدا وتساعد المسلمين فقط ..وسؤال أخير : لماذا لم ينجح اقتصادكم الاسلامى فى اطعامكم وأغلبكم يعانى من الفقر المدقع ؟ نقول تانى أم هذا يكفى ؟