دراكولا على إنستغرام!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أحياناً ينتابني إحساس أنَّ ما يشهده العالم من فوضى وحروب وأوبئة ومجاعات وصراعات سياسية وتطرف وعنصرية في كل مكان حلم لا حقيقة. ليس من المعقول أن نرى هذا الكم من التطور العلمي الهائل، يصاحبه هذا التخلف الاجتماعي ونزعة التدمير. نقيضان يلتقيان في حياة الإنسان، التطور والهلاك، فكلما تفجر التطور التكنولوجي، تفجرت المهالك وازدادت المتاعب.
بعد الحرب العالمية الثانية، اتجهت المجتمعات التي أنهكتها الحرب وخرجت تواً من مصائبها وويلاتها إلى الإعمار والبناء والتطوير والاهتمام بالزراعة والصناعة والتربية والتعليم والتصالح بين الدول والشعوب وتفعيل دور المنظمات الدولية وحقوق الإنسان وإنهاء عصر الفصل العنصري الذي صنعته الثورة الصناعية في أوروبا. وقد توجت نهاية الفصل العنصري بإطلاق سراح الزعيم الأفريقي الأسود نيلسون مانديلا وخروجه من السجن وانتخابه رئيساً في جنوب أفريقيا وإعلانه أمام العالم توجيه الضربة القاضية للتمييز العرقي في بقايا أركان الأرض. لقد كان العالم يتجه في كل المناحي نحو السلام والانفتاح وانحسار الحروب وانحسار أكثر الأمراض الوبائية، مثل السل والجدري والكوليرا وغيرها، وكانت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وسيلة لمد الجسور بين مختلف دول العالم وإطلاق التسابق نحو العلم. واستمر هذا الحال حتى دخلنا الالفية الثالثة، ويا ليتنا لم ندخلها؛ دخلناها بندم وصدمة مما تخفيه، حيث كل شيء انقلب رأساً على عقب، فالحروب عادت من جديد لتنتشر في كل بقاع العالم، وعادت الأوبئة لتتفشى بشكل مرعب والأمراض لتفتك بالملايين، وبعضها لم نسمع به من قبل، فيما ازدادت العنصرية والكراهية، وظهر مصاصو الدماء الذين اختفوا في القرون الوسطى، وظهروا هذه المرة بثوب جديد هو ثوب الدين، وثوب الأحزاب السياسية العقائدية، وبتنا نشهد عودة الحركات الدينية وصكوك الغفران ونزول رجال الدين إلى الساحات السياسية والساحات القتالية والساحات التجارية والتربوية والإعلامية، بكثافة الجراد، عازمين على تصفية الحسابات التاريخية وأخذ الثأر لموتاهم قبل آلاف السنين. لقد عادوا بعد أن تقوقعوا في دهاليز الظلام قرناً كاملاًو فخرجوا ما ان حلّ الظلام في هذا العالم.
يا إلهي ماذا يحدث؟ كأن العالم اختار طريق العودة إلى الماضي السحيق. أحقيقة هذا أم حلم؟ الجهل والتخلف والأمية والفقر تنتشر بشكل مخيف، والعنصرية أصبحت ظاهرة حياتية عند الشعوب والأقوام والديانات. أكل هذا يحدث صدفة؟ أم أننا لم ندرس المستقبل بشكل صحيح، وكان ظننا أنا نتمتع بالإدراك، لكن عقولنا حُجبت بالجهالة والسذاجة؟
المستقبل دائماً يعني الأمل، فكيف انقلب المستقبل إلى اليأس؟ قد يجد واحدنا أسباباً لما يحدث. المؤمن بالمبادىء الدينية يذهب إلى الاعتقاد أنَّ انحراف الإنسان عن مبادىء الدين وابتعاده عن الله هو السبب وراء ما يصيب العالم من آلام. المثقف العلماني يذهب إلى الاعتقاد أنَّ الجهل والتخلف هو السبب وراء معاناتنا. المحلل السياسي يذهب إلى الاعتقاد أنَّ مصالح الدول والأفراد المصحوبة بالجشع هي السبب. بعض الفلاسفة يفسرون الأمور والأحوال السيئة بأنها نتائج الأخطاء التي ارتكبها الإنسان، وبعضهم يعتقد أنَّ صراعات الأديان والقوميات والأفكار هي المتهم. أرى شخصياً كل الأسباب التي تم ذكرها صحيحة، لكنَّ الأهم أن أشرار العالم أصبحوا من يديرون شؤون الحياة، وهؤلاء مكنتهم ظروف المجتمعات الصعبة من فقر وفاقة وجهل من تسلق سلم المسؤولية بدهائهم وجسارتهم وانعدام الرحمة في قلوبهم، وساعدتهم التكنولوجيا فعرفوا كيف يستثمرونها: رجل الدين والواعظ الذي كان الحضور في مجلسه لا يتعدى العشرات في أفضل الأحوال، بات يجتذب الملايين بفضل التكنولوجيا. التاجر الذي كان يروج لبضاعته الجيدة من خلال الكلمة الطيبة، أصبح الآن يروج لبضاعته السيئة من خلال شركات الدجل الإعلانية والنساء الجميلات، فيبهر الناس ويصدقون الترويج. أنظروا إلى معظم القادة والأحزاب في مختلف بقاع الأرض، ستجدونهم عبارة عن كتلة من الإجرام. هؤلاء يتحكمون بدول وشعوب كبيرة، وقد أوجدوا مفهوماً جديداً لم يكن له وجود حتى عند أسوأ الأقوام في التاريخ: مفهوم الإنسان المقدس... هؤلاء السيئون يسعون لسن قوانين جديدة للحياة، وإذا نجحت مساعيهم فاكتب على الدنيا السلام.