فضاء الرأي

باب المندب... أهم الممرات البحرية!

أفراد في حرس السواحل اليمني على متن قارب دوري في البحر الأحمر قبالة مدينة مخا في محافظة تعز الغربية، قرب مضيق باب المندب، في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2023
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سعت السعودية جاهدة إلى تأسيس مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، دعماً لأمن واستقرار البحر الأحمر وخليج عدن كممرين مائيين مفتوحين، وقد تشكل التحالف من ثماني دول هي السعودية، مصر، اليمن، جيبوتي، أرتيريا، السودان، الصومال، الأردن، الأراضي الفلسطينية، واتخذ من الرياض مقراً.

أزعج هذا المجلس بالطبع الدول غير المتشاطئة، وعلى رأسها أثيوبيا والاتحاد الأوروبي، الذي يقترح نظاماً قانونياً مرناً في البحر الأحمر استناداً إلى نموذج أوروبي محلي هو بحر البلطيق، مراعاة لمصالح الدول غير المتشاطئة.

يمثل الحوثيون تهديداً جدياً لممرات التبادل التجاري عبر البحر الأحمر، وبشكل خاص مضيق باب المندب، ما جعل الاتحاد الأوروبي يقترح إرسال قوات لحماية السفن في المضيق الذي، على مقربة منه، تتواجد إسرائيل في جزر دهلك، وتتواجد أنقرة في الصومال، وتتواجد إيران أيضاً في أريتريا، خصوصاً أنَّ البحر الأحمر مثل نقطة ارتكاز مهمة في استراتيجية إيران انطلاقاً من ثورة الخميني، وقد زاد الشغف بالتحكم بأهم الممرات الدولية بعد انقلاب ذراعها الحوثي على الحكومة الشرعية في اليمن في عام 2014، ليصبح أحد أهدافها خنق الملاحة عبر البحر الأحمر. تحقيقاً لهذه الغاية، مدت إيران الحوثيين بالقوارب المفخخة والألغام البحرية والطائرات المسيرة، ووفرت لهم وسائل التدريب في شمال إيران لجعل هجماتهم على السفن التجارية أكثر دقة.

إقرأ أيضاً: اليوم التالي لغزة

لكن تحالف دعم الشرعية في اليمن أحبط معظم تلك الهجمات، إذ عادة ما يتم إفشال تلك المحاولات في مراحلها الأولى، أي قبل أن يتمكن عملاء إيران من تنفيذها، باستثناء حوادث قليلة لم تشكل خطورة على إبحار السفن التجارية المستهدفة، لكن لم تجد الجهود المضنية التي تبذلها السعودية بمفردها صدى لدى المجتمع الدولي، خصوصاً بعد ضرب منشآت أرامكو عام 2019، وتعرض دولة الإمارات لهجمات من الحوثيين، وقد استبدل المجتمع الدولي تحرير الحديدة من قبل التحالف بقيادة السعودية باتفاق استوكهولم، الذي لم يثمر في تحجيم تهديدات الحوثيين في البحر الأحمر، بل لم تتردد الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن في رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، وسحب بطاريات الباتريوت من المنطقة، الأمر الذي كان يفرض على السعودية أن تتحمل عبء الحفاظ على أمن البحر الأحمر بمفردها، بدلاً من انخراط الدول الأخرى في هذه المسؤولية.

بناء على ما تقدم، كان من المنطقي أن تسعى السعودية إلى التهدئة مع إيران بواسطة بكين، تاركة أمن ممرات البحر الأحمر للمجتمع الدولي الذي أصبحت ممراته مهددة من قبل الحوثيين بحجة دعم الحرب على غزة. وقد رفضت السعودية المشاركة في تحالف يضر بالسلام الذي تقوده في اليمن بين الحوثيين والحكومة الشرعية، خصوصاً أنها أدت قسطها للعلى في حفظ أمن البحر الأحمر في الماضي بمفردها، في حين أنَّ المنطقة تضم 19 قاعدة عسكرية تديرها 16 دولة على المستويين الإقليمي والعالمي.

إقرأ أيضاً: المعادلة الصعبة في إخراج الأمريكان من العراق

بعد الضربات الأميركية والبريطانية التي طالت 60 هدفاً في 16 موقعاً للحوثيين، مستخدمة أكثر من 100 ذخيرة موجهة بدقة من أنواع مختلفة، ومستهدفة بشكل رئيسي أجهزة رادار وبنى تحتية لمسيرات وصواريخ من أجل تعطيل وإضعاف قدرة الحوثيين على تعريض البحارة للخطر وتهديد التجارة الدولية، وقد أتت بعد أن أبلغت الدولتان الحوثيين عن طريق قطر بموعد الضربات بحجة أنهما تريدان تقليل عدد القتلى في تلك الضربات، بالرغم من أنه ليس من المعتاد إنذار الإرهابيين قبل استهدافهم، ما يعني أنها ضربات جراحية رادعة فقط؛ عندها دعت السعودية إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد، ونفت ما جرى تداوله عن وصول قوات أجنبية إلى قاعدة الملك فهد في محافظة الطائف، وفي نفس الوقت أكدت السعودية على أهمية الحفاظ على أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر، حيث أن حرية الملاحة فيها مطلب دولي.

إقرأ أيضاً: إيران وإسرائيل: توتر محسوب ورسائل متبادلة

في تصريح لوزير الدولة البريطاني للقوات المسلحة جيمس هيبي، اعتبر أنَّ الضربات مشروعة وتأتي دفاعاً عن النفس، وقال إن بلاده لن تسمح للحوثيين باستخدام التجارة العالمية كرهينة وخنق التجارة العالمية كفدية لتحقيق أهدافهم السياسية والدبلوماسية، خصوصاً أنَّ الحوثيين يقدمون أنفسهم كقوة وحيدة في المنطقة تتخذ إجراءات لمساعدة الفلسطينيين، في وقت تواصل فيه الجماهير في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي مشاهدة غزة وهي تقصف يومياً بالغارات الجوية الإسرائيلية لأكثر من ثلاثة أشهر، وهو ما جعل السعودية تعبر عن قلق بالغ ما لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار في غزة، ودخول المساعدات والسماح للمهجرين بالعودة إلى أماكنهم، حتى لو كانت مدمرة، لكن يمكن إعادة تأهيلها بشكل مؤقت كما في جنوب غزة حيث يعيش المهجرين في خيام أعدت لهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف