فضاء الرأي

أساتذة المغرب بين المطالبة بإصلاح التعليم وشغف كرة القدم

مدرسة ابتدائية في المغرب
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

شهدت الساحة التعليمية المغربية في الآونة الأخيرة احتجاجات غير مسبوقة، حيث طالب الأساتذة بتحسين أوضاعهم المهنية والاجتماعية، وإصلاح التعليم.

بدأت هذه الاحتجاجات في شهر تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2023، واستمرت لشهر كانون الثاني (يناير) الجاري، وشهدت مشاركة واسعة من الأساتذة في مختلف المدن المغربية. وفي ظل هذه الاحتجاجات، تبرز مفارقة كبيرة، تتجلى فيما يطالب به الأساتذة من جهة وما يفعلونه من جهة أخرى. ففي وقت يحتجون من أجل الدفاع عن المدرسة العمومية ومن أجل مصلحة التلميذ، نجد شريحة واسعة منهم يتسابقون لحجز المقاعد الأولى في المقاهي لمشاهدة مباريات كأس الأمم الإفريقية.

كانت البداية قوية، حيث رفع الأساتذة شعارات الغضب والتذمر ويافطات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وكان هاشتاغ: #تعليم_الأجيال_قبل_المونديال يتصدر الترند على مواقع التواصل الاجتماعي. بهدف التعبير عن الأموال الطائلة التي تصرف بسخاء في بناء الملاعب الرياضية مقابل الشح في دعم القطاعات الاجتماعية.

ولكن مع بداية المسابقة القارية، حدث انقلاب كبير، حيث نسي الأساتذة جميع همومهم وانشغالاتهم، وتحولوا إلى مشجعين متحمسين للفريق الوطني.

إنَّ هذا السلوك من وجهة نظري يعكس عدم وعي كبير لدى شريحة واسعة من الأساتذة. فكيف يمكن أن يحتج الأستاذ على تردي واقع التعليم، وفي الوقت نفسه لا يبالي بمصير زملائه الذين تم توقيفهم عن العمل بسبب مطالبتهم بحقوقهم؟ وكيف يمكن أن يحتج الأستاذ على عدم تخصيص الميزانيات اللازمة لإصلاح التعليم، وفي الوقت نفسه يشجع ويدعم القطاع الذي يُصب فيه جزء كبير من ميزانية الدولة، ألا وهو كرة القدم؟

إن "الجلدة المنفوخة" ليست مجرد ظاهرة رياضية عادية وبريئة، بل هي آلية من آليات التضليل السياسي التي تُستخدم لصرف انتباه المجتمع عن مشكلاته الحقيقية، وإسكاته عن المطالبة بحقوقه.

ففي الوقت الذي تعاني فيه بلادنا من مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية حادة، مثل الفقر والبطالة والفساد وغلاء المعيشة، يتم تضخيم شأن كرة القدم وإبرازها على أنَّها الحدث الأهم في البلاد.

وهذا التضليل يتم من خلال وسائل الإعلام الرسمية، التي تخضع لسيطرة السلطة السياسية، والتي تُركز على تغطية الأخبار الرياضية، وتُضخم شأن مباريات كرة القدم، وتُعلي من شأن اللاعبين والمدربين.

وهذه الحملة الإعلامية المكثفة تستهدف تخدير عقول الناس، وصرفهم عن التفكير في مشكلاتهم الحقيقية، وجعلهم يركزون على كرة القدم فقط.

إنَّ كرة القدم لا تستحق كل هذا الاهتمام المبالغ فيه والحماسة، ولا تستحق كل هذا اللغط والمساحات الكبيرة على وسائل الإعلام الرسمية، لأنها مجرد رياضة ترفيهية في نهاية المطاف، ولا يمكن أن تحل محل القضايا الأساسية التي تشغل بال المجتمع، كقضايا التعليم والصحة وإصلاح القضاء والفقر والهشاشة ومحاربة الريع والفساد الذي ينخر البلاد.

إن الفرحة العارمة والمستحقة هي أن نرى جميع أبناء هذا الوطن يستفيدون من تعليم جيد، ويعتلون منصات الجامعات والمعاهد العليا لمناقشة أبحاث تخرجهم. ويحصلون على فرص عمل مناسبة، ويعيشون حياة كريمة.

أيضاً، إنَّ الفرحة العارمة والمستحقة هي أن نرى أبناء هذا الوطن يستفيدون جميعاً من خدمات صحية جيدة، ويعيشون حياة كريمة، وينعمون بحكم عادل يضمن حقوقهم ويحقق طموحاتهم. فهذه هي القضايا التي يجب أن تشغل بال المجتمع، وليس كرة القدم وحدها.في الختام، يمكن القول إنَّ مفارقة الأساتذة بين المطالبة بإصلاح التعليم وشغفهم بكرة القدم هي مفارقة مؤسفة، تعكس عدم وعي كبير لدى شريحة واسعة من الأساتذة، الذين يبدو أنهم يفضلون الانشغال بأمور تافهة لا تستحق كل هذا الاهتمام، بدلاً من التركيز على القضايا الأساسية التي تشغل بال المجتمع، مثل إصلاح التعليم والصحة واستقلال القضاء. ولعل هذا ما يصلح فيه القول: "قبيلة المثقفين وأزمة الوعي".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
عد الى نفسك لتجد الجواب
ابن الوطن الحبيب المغرب -

اين كنت انت واين كان قلمك عندما كانت حناجر الاساتذة تصدح لمدة ثلاثة أشهر ونيف، واين كان امثالك لما حمل الاساتذة الشرفاء على عاتقهم الدفاع عن المدرسة العمومية وعن حق التلميذ في التمدرس الجيد. كنتم مختبئين وراء الستائر تترقبون وانتم عاجزين عن فعل ابسط ما يمكن ان يفعله الصحافي الحر الذي لا يخشى ولا يخاف من قول كلمة الحق في من يستحقها. ان الاستاذ مثقف وواعي ولربما الوعي انفصل عن الثقافة عند صاحب القلم الذي يخلط الاوراق. فما علاقة النضال من أجل المدرسة العمومية بممارسة الهوية. وهل أنت لا تهتم بكرة القدم؟ أجب نفسك قبل أن تجيبني.

مقال يعبر عن حقيقة مرة
نهيلة مالكي -

سلمت يداك أخي، لم أكن أعلم أن الخيانة منتشرة حتى بين صفوف المدرسين... هذه حقيقة الحراك"كيف يمكن أن يحتج الأستاذ على تردي واقع التعليم، وفي الوقت نفسه لا يبالي بمصير زملائه الذين تم توقيفهم عن العمل بسبب مطالبتهم بحقوقهم؟ وكيف يمكن أن يحتج الأستاذ على عدم تخصيص الميزانيات اللازمة لإصلاح التعليم، وفي الوقت نفسه يشجع ويدعم القطاع الذي يُصب فيه جزء كبير من ميزانية الدولة، ألا وهو كرة القدم؟"لا ينبغي أن نحجب الشمس بالغربال، فالأساتذة خانوا زملائهم الموقوفين، وعادوا إلى العمل وكأن شيئا لم يحصل... عادوا من دون العودة للشارع أو التضامن... مؤسف