فضاء الرأي

الاستعداد لعصر الذكاء الاصطناعي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

قدم خبراء صندوق النقد الدولي تحليلاً حديثاً يدرس التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على سوق العمل العالمية، حيث تنبأ باحتمالية استبدال الوظائف بالذكاء الاصطناعي. ولكن من المرجح أيضاً أن يكون الذكاء الاصطناعي مكملاً للعمل البشري، والنتائج مذهلة، حيث أن ما يقرب من 40 بالمئة من العمالة العالمية منكشف على الذكاء الاصطناعي، وقد رأينا تاريخياً أن الأتمتة وتكنولوجيا المعلومات أثرت بشكل كبير على المهام الروتينية، واستطاعت تحسين الإنتاجية باستبدال العمالة التي تقوم بمهام روتينية. لكن الذكاء الاصطناعي يتميز بقدرته على التأثير على الوظائف التي تتطلب مهارات عالية أيضاً، ويتوقع خبراء صندوق النقد أن يتأثر 60 بالمئة من الوظائف بالاقتصادات المتقدمة بالذكاء الاصطناعي، بينما يتوقع الصندوق أن الاقتصادات الناشئة والبلدان المنخفضة الدخل قد تتأثر بمعدل 26 إلى 40 بالمئة، فهناك وعود ونذر من مخاطر وفوائد الذكاء الاصطناعي، حيث أن الفرصة كبيرة في الأسواق الناشئة ويزيد بالتالي خطر عدم المساواة بين الدول وحتى داخل البلد الواحد، حيث سيؤثر الذكاء الاصطناعي على عدم المساواة في الدخل وتوزيع الثروة داخل البلدان، وسنشهد استقطاباً بين فئات الدخل وسيجد العمال الأصغر سناً أن من الأسهل استغلال الفرص وتنمية مهاراتهم في الذكاء الاصطناعي، في حين سيواجه العمال الأكبر سناً صعوبة في التكيف. وهنا تظهر أهمية العمل على إنشاء شبكات أمان اجتماعي شاملة وتقديم برامج إعادة تدريب للعمال الأضعف.

تتوقع شركة ماكنزي أنه بحلول عام 2030، يمكن أتمتة الأنشطة التي تمثل ما يصل إلى 30 بالمئة من ساعات العمل حاليًا في جميع أنحاء الاقتصاد الأميركي، وهو اتجاه تم تسريعه بواسطة الذكاء الاصطناعي التوليدي. ومشاريع البنية التحتية التي تركز اليوم على الطاقة الخضراء التي ستؤدي إلى زيادة الطلب على قطاع البناء، والذي يعاني اليوم بالفعل من نقص ما يقرب من 400 ألف عامل. كذلك، هناك طلب متزايد على العاملين في مجال الرعاية الصحية مع تقدم أعمار السكان. وحسب ماكنزي، سيكون هناك حاجة إلى 12 مليون عملية تحول مهني بحلول 2030.

قام صندوق النقد الدولي مؤخراً بتطوير مؤشر الاستعداد للذكاء الاصطناعي، الذي يقيس الاستعداد في مجالات مثل البنية التحتية الرقمية وسياسات رأس المال البشري وسوق العمل والإبداع والتكامل الاقتصادي والتنظيم والأخلاق، لمساعدة صناع السياسات في الدول للتحرك وصياغة سياسات صحيحة لدمج الذكاء الاصطناعي في المجتمعات. وسجلت الولايات المتحدة الأميركية وسنغافورة والدنمارك أعلى الدرجات على المؤشر.

من الأمثلة الحية على التأثير الإيجابي للذكاء الاصطناعي ما قامت به شركة فيسترا الأميركية للطاقة، بالتعاون مع شركة ماكنزي، لتحسين كفاءة محطات الطاقة وتقليل انبعاثات الكربون باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث تم تطوير أداة تحسين معدل الاحتراق (HRO) باستخدام تقنية التعلم الآلي لتحسين كفاءة الطاقة، وأدى ذلك إلى زيادة كفاءة محطة مارتن ليك للطاقة بنسبة اثنين بالمئة، مما أدى إلى توفير 4.5 ملايين دولار أميركي سنوياً، وقاد إلى انخفاض في انبعاثات الكربون بمقدار 340 ألف طن. وأصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية فيسترا والتزامها بالاستدامة، والدرس المستفاد من ذلك أنَّ استخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى خفض التكاليف وتقليل الانبعاثات الكربونية وتحسين الكفاءة المستمر والابتكار.

واليوم، نرى شركات مثل سمينز تقوم باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات التشغيل في المصانع، حيث يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل بيانات المستشعرات للتنبؤ بفشل المعدات قبل حدوثه، مما يمنع التوقف المكلف ويوفر ملايين الدولارات، وكذلك تقوم شركة فورد للسيارات باستعمال روبوتات تعمل بالذكاء الاصطناعي لإنجاز المهام المعقدة على خط التجميع للسيارات بدقة لا تصدق، مما يحسن الجودة ويضمن سرعة الإنتاج، وفي مجال الصحة، نجد مثالاً واضحاً من شركة IBM Watson Health حيث تحلل شركة واتسون البيانات الضخمة من السجلات الطبية بمساعدة IBM، وتساعد هذه المنصة الذكية على إجراء تشخيصات مستنيرة تساعد في الكشف المبكر عن الأمراض ووضع خطط علاج لها. وفي قطاع البنوك، نجد مصارف كبيرة مثل جي بي مورغان تشيس يستخدم الذكاء الاصطناعي للكشف عن عمليات الاحتيال، مما يتيح للموظفين البشريين التركيز أكثر على خدمة العملاء. وتفيد أيضاً شركات البيع بالتجزئة عبر الإنترنت أيضاً من الذكاء الاصطناعي للحصول على توصيات للمنتجات والإعلانات المستهدفة وتجارب التسوق الشخصية، مما يحسن رضا العملاء ويعزز المبيعات. ومن المرجح أن يكون التأثير الأكبر للذكاء الاصطناعي في مجال خدمة العملاء والمبيعات، والتي ستشكل معاً ما يقرب من 70 بالمئة من إجمالي التأثير.

تشير أبحاث ماكنزي إلى أنَّ الذكاء الاصطناعي يمكن أن يضيف إلى الاقتصاد ما يتراوح بين 2.6 إلى 4.4 تريليون دولار سنوياً، مع زيادة تأثير الذكاء الاصطناعي بنسبة 15 إلى 40 بالمئة في مجال التكنولوجيا والإعلام والاتصالات.

إنَّ بناء استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي أصبح حاجة ملحة وامتداداً لاستراتيجية الدول الرقمية والبيانية والقوانين المرتبطة بها وحوكمتها، والتعاون الدولي أيضاً هو حجر الزاوية في ردم الفجوة في الترابط العالمي لسلسلة قيمة الذكاء الاصطناعي (Value Chain) والتوزيع العالمي العادل للقدرات والخبرات، حيث أنَّ معظم مصانع الرقائق اليوم تتركز في بلدان قليلة كتايوان وكوريا الجنوبية وأميركا.

ويجب أن يتوافق سعي الدول لتشكيل النظام البيئي الوطني للذكاء الاصطناعي الخاص بها مع الأولويات الاستراتيجية للدولة وتحليل نقاط القوة والضعف فيها (حسب المقترحات الأخيرة من منتدى الاقتصاد العالمي). وهنا، قد تركز الدولة على رفع المهارات وتنمية المواهب في حال وجود قوى عاملة شابة مقارنة بدول فيها القوة العاملة عجوزاً، فتسعى لاستقطاب المواهب الخارجية، ويتوجب على الدول أن تقوم بفحص وتحليل نقص المواهب في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وهذا ما يدعى اختصاراً STEM (أي الاختصار بالأحرف الأولى من Science وTechnology وEngineering وMathematic)، ومن ثم لبناء استراتيجية سليمة للذكاء الاصطناعي لا بد أن تحدد أهداف وغايات استثمارية محددة وقابلة للقياس، وقابلة للتحقيق، وذات صلة محددة، وضمن إطار زمني محدد، وهذا ما يدعى بالأهداف الذكية SMART (أي الاختصار بالأحرف الأولى من Specific, Measurable, Achievable, Relevant, and Time bound).

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف