كتَّاب إيلاف

العبور الصعب للسفينة المليئة بالثقوب

حذر خامنئي الأعضاء الجدد في البرلمان من "إسعاد الأعداء"
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

مع انقشاع الدخان الکثيف لانتخابات الأول من آذار (مارس)، والتي لم تمض کما أراد خامنئي، والتراکمات الثقيلة التي خلفتها على أکثر من صعيد، ليس هناك من مؤشرات، بالنسبة إلى النظام، تبعث على التفاؤل بقدرته على تحقيق ما کان قد عجز عنه خلال الدورات السابقة للانتخابات التشريعية.

التصريحات اللاذعة التي أدلى بها العضو الجديد في البرلمان من قائمة "جبهة الصمود"، وتمثل صقور المتشددين، رجل الدين حميد رسائي، والتي هاجم خلالها بشدة رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف المحسوب على حمائم المتشددين، لا يبدو أنها راقت لخامنئي، الذي وجه تحذيراً شديد اللهجة لأعضاء البرلمان الإيراني الجدد، عبر فيها بوضوح عن قلقه إزاء بدء الصراع على السلطة بين "المحافظين الأصوليين"، الذين سيطروا على كافة مؤسسات الدولة بعد إبعادهم الإصلاحيين والمعتدلين من دخول حلبة الانتخابات.

ما يمکن فهمه واستخلاصه من تحذير خامنئي، أنه يريد وضع حد للصراعات الداخلية غير المجدية، حيث يجعل كل طرف الطرف الآخر بمثابة شماعة يعلق عليها أسباب الفشل، إذ يبدو أن خامنئي قد أدرك جيداً أنَّ الشعب الإيراني صار يعي جيداً طبيعة هذا الصراع القائم على التلاعب بالألفاظ وتبادل الأدوار، من دون أن يقود إلى نتيجة، ويريد أن يقول للجميع إنَّ المرحلة الجديدة لم تعد تسمح بصراعات مماثلة، لا تعني أكثر من المزيد من الهروب إلى الأمام، لا سيما أنَّ الصراعات التي کانت قائمة بين جناحي النظام سابقاً يبدو أنها، وخلال عهد إبراهيم رئيسي، قد انتقلت إلى داخل التيار الأصولي نفسه، وهو ما يدل على عمق الأزمة ووصولها إلى حد صار إيجاد علاج لها في حکم الاستحالة.

لقد حذر خامنئي الأعضاء الجدد الذين تم انتخابهم في ظروف وأوضاع سادتها الکثير من الشبهات المتزامنة مع مقاطعة شعبية ملفتة للنظر، من السعي للحيلولة دون ما سماه "إسعاد الأعداء"، قائلاً: "على النواب الجدد أن ينتبهوا حتى لا يذيقوا الشعب والفضاء السياسي للبلاد طمع المرارة عبر تصريحات مثيرة للخلاف ترضي الأعداء". وأغلب الظن أنَّ من يسميهم بالأعداء هم الشعب الإيراني الذي انتفض في أيلول (سبتمبر) 2022 انتفاضته النوعية، وکذلك منظمة مجاهدي خلق، المعارضة الإيرانية النشطة المتربصة بالنظام دائماً، والحاضرة والمتواجدة في الساحة دائماًَ.

إقرأ أيضاً: قف إنه الموت!

خامنئي يريد العبور وسط الرمال المتحرکة التي خلفتها انتفاضة أيلول (سبتمبر) 2022 له ولنظامه، ووضعتهم أمام تحد غير مسبوق، خصوصاً إذا ما تذکرنا أنَّ انتفاضة 2022 هي في الحقيقة الاستمرار لانتفاضتي 2017 و2019، وکذلك للدور والتأثير والحضور النوعي للخلايا النشطة لمجاهدي خلق فيها، ويبدو واضحاً أن هذه المهمة صعبة جداً ولاسيما، وأنَّ المنظمة قد تمکنت من رمي الکرة في ملعب النظام ووضعته بصورة مکشوفة وجهاً لوجه أمام الشعب الإيراني.

منذ أن تربع رئيسي على کرسي الرئاسة، والمصائب تنهال على رأس خامنئي قبل النظام، وبالرغم من أن خامنئي لم يأل جهداً في مد يد العون والمساعدة لرئيسي وحکومته الواهنة بشتى الطرق، لکن کل ذلك لم ينفع النظام في المحصلة النهائية، ووأثبتت نتائج الانتخابات الأخيرة بوضوح أنَّ الأوضاع في إيران بلغت حداً من التفاقم بحيث أن الجراحات السطحية التي يجريها خامنئي منذ عام 2021 لم تعد تجدي نفعاً، وأشبه ما تکون بوضع الملح على الجرح، فرئيسي فشل في تحقيق ثلاث مهمات رئيسية كلفه خامنئي بها، وهي الحد من تدهور الأوضاع الداخلية، والتخفيف من ازدياد مشاعر رفض الشعب للنظام وکراهيته له، وأخيراً مواجهة الدور النشط والفعال لمجاهدي خلق في الداخل.

إقرأ أيضاً: سرطان ولاية الفقيه

إنَّ خامنئي، الذي أخفق الدخان الکثيف لحرب غزة التي أشعلتها حليفته حماس في التغطية على أوضاعه الصعبة وإلهاء الشعب عن أوضاعه السيئة التي يرزح تحتها منذ أربعة عقود، اضطر في النتيجة أن يعود مجبراً إلى المواجهة مع الأوضاع في الداخل، وقد سعى لجعل انتخابات الأول من آذار (مارس) ساحة مناسبة لذلك، ولکن يبدو واضحاً أنه واجه الهزيمة في الجولة الأولى بتدني مستوى المشارکة بصورة غير مسبوقة، بالرغم من أنه سعى جاهداً لرفع مستوى المشارکة فيها، والجولة الثانية، التي قد تکون الحاسمة، ليس هناك في الأفق ما يمکن أن يضمن لخامنئي الفوز فيها، خصوصاً أن ليس هناك من خيارات متاحة لخامنئي ونظامه تسمح بأن يستخدمها لتحسين الأوضاع ودفع الأزمة باتجاه الانفراج.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف