أنا ولجنة التحديد والتحرير (12)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إبقاء الماضي حياً في الذاكرة من ناحية الاستفادة وأخذ العبر منه ضرورة نضالية لكل منشغل بالقضية التحررية، أيا يكن وأينما كان. وكما يقال: "من يجهل التاريخ" سيعيده". لهذا السبب، فالحفاظ على تاريخنا النضالي المرير ضرورة لا يمكن التغاضي عنها أو عدم الاكتراث بها.
منذ ما يزيد عن قرنين من النضال، لم يهدأ سعينا من أجل تحقيق مرامينا، غير أنها لم تتحقق. وربما لو بحثنا في أسباب هذا الفشل المتكرر على مدى مئتي عام ويزيد، لخرجنا بنتيجة تؤهلنا إلى الفوز بمطلبنا. هذه الظاهرة المتكررة معنا، نضالياً، تعد عادة سيئة لا ننفك عنها، وهذا بدوره يؤدي إلى عوامل عدة كامنة في أسلوب تفكيرنا، وأبرزها تكرار التجربة السابقة، ظناً منها أنها ستنجح في هذه المرة، وهذا ما نفعله طوال قرنين من الزمن ويزيد!
إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (1)
ولو أعدنا النظر في ما قمنا به على مرّ تلك الحقبة، وقارناه بما نقوم به حالياً، ووجدنا أننا أحرزنا إنجازاً ملحوظاً، حينها يمكننا أن نثق بأننا على الطريق الصحيح، غير أن ما نحصده حالياً لا يختلف عن حصاد من سبقنا. فجمهورية مهاباد، وكوردستان الحمراء، وبيان الحادي عشر من آذار (مارس)، كلها كانت ملحوظة وموجودة على أرض الواقع؛ لكنها تلاشت بطرفة عين، وصارت في خبر كان.
سؤال يراودني طارحاً نفسه عليّ، وهو: هل اتّعَظْنَا بما مضى؟ أنا شخصيا غير مقتنع أننا اتّعَظْنَا، وطالما أننا لم نتّعِظْ، فهذا يؤدي إلى سؤال آخر مفاده: إلى متى سنظل نكرر المجَرَّب؟
إلى متى؟
أحتار كثيراً من ذاتنا، وأكاد أفقد الأمل أننا في يوم ما سنكف عمّا نكرره من هذا الخطأ المميت، وكوردستاننا تذوب يوما بعد آخر، ونحن ماضون في تكرار الأخطاء بلا نهاية. فعلى سبيل المثال، يتبين من مضمون كتاب الرحالة الإنجليزية "الليدي آن بلنت" والمعنون "قبائل بدو الفرات في عام 1878" أنَّ العشائر العربية لم تكن قد اجتازت نهر الفرات حتى تلك الفترة الزمنية، وهي العشائر التي هاجرت من منطقة حائل بعد خسارتها أمام آل سعود، وجل أبناء تلك العشائر كانوا منتشرين على طول المجرى الغربي والجنوبي لنهر الفرات باستثناء منطقة الأنبار، ولا تأتي على ذكر أي مركز حضري لتلك القبائل باستثناء مدينة دير الزور، ولا تذكر أي حضور لهم في الضفة الشمالية لنهر الفرات في منطقة الجزيرة، باستثناء قلة تمكنت من تجاوز مجرى النهر بحثاً عن الكلأ لمواشيها، في الوقت الذي كانت فيه العشائر الكوردية تسكن قرابة 453 قرية ما بين عين ديوار وعفرين، وجغرافية الجزيرة حتى الضفة الشمالية لنهر الفرات كانت مراع لهم، لكن وبعد مرور قرن ونيف أو أقل، أصبحت الجزيرة تدرس من البعد الديمغرافي على أنها منطقة كوردية بأقلية كوردية، وهذا ما أعطى الجرأة لبعض الكتاب والسياسيين العروبيين على تقييم واقع الجزيرة واليوم عفرين ضمناً على أنها منطقة عربية، من حيث النسب السكانية فيها الآن، متناسين مسيرات التوطين العربي والتغيير الديموغرافي والتهجير الكارثي للكورد.
بعد اندلاع الثورة السورية وظاهرة داعش، طرأ تغيير مهم على القضية الكوردية، فبدأ اهتمام الدول المعنية بالمنطقة، ولم تعد للأجهزة القمعية لسلطة البعث ذلك الباع الطويل في الاعتقال متى شاءت ومن رغبت. واليوم، يبدو كأن في جنوب غرب كوردستان مظهر آخر للكورد والكوردية على حدٍ سواء، حيث تعتبر الكوردية هي من تهيمن على مساحة تمتد من منبج إلى ديركا حمكو. هذه الحالة من المفروض أن تكون قد باشرت وبالسرعة الممكنة تغليب المظاهر الكوردية على هذه الرقعة. على الأقل، هذا مطلبنا نحن ممن يهتم بقضيتنا الكوردية.
إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (2)
ما نراه اليوم من مدارس كوردية، ودوائر رسمية كوردية، وحرّاس حدود كورد وبإدارة كوردية... كل هذا مغاير كليا عمّا كان الحراك الكوردي عليه فيما مضى. بالرغم من هذه المظاهر، يبدو أن الضعف هو سيد الموقف، ومن جانب آخر وجود مربعات جهاز أمن سلطة دمشق موجودة تمارس نشاطها، وإن لم يكن كالسابق، إلا أنها موجودة وشرعية. وعلاوة على هذا، توجد قوات أجنبية على أراضي سوريا السابقة بشكل عام. وتدخل من الجيران في الشأن السوري قائم، قصف مدن وقرى كوردية من قبل تركيا جارٍ، وسوء الحالة الاقتصادية للمواطنين حالة مستدامة، والمناوشات الكوردية الكوردية تطفو على السطح بين فينة وأخرى، وغيرها كثير.
إن ما أوردناه أعلاه مدعاة للإمعان فيه والبحث عن سبل الاستفادة من هذا الظرف القائم في منطقتنا الكوردية للارتقاء بها إلى ما كنا نسعى إليه، ومن أجله عانينا الأمرّين في ما مضى.
فضلاً عن كل هذا، تم تغيير ديموغرافية جغرافية كوردستان في هذا الجزء الملحق بما يدعى سوريا. فالديموغرافية الجغرافية من الركائز المهمة لأي شعب كان، وبدونها يبقى هذا الشعب عالة على من يحل عليه من الشعوب في ذات الأرض، كمثال الشعب الغجري، شعب بلا أرض، وأينما وجدوا اُعْتُبِرُوا غرباء.
أرجّعُ هذا التغيير الحاصل إلى الضعف القائم، والمنطق يدعو، في هذه الحالة، إلى العمل الدّؤوب لإزالته قبل كل شيء، فخسارتنا لديموغرافية كوردستاننا، مؤدّاها الانزلاق إلى حالة الشعب الغجري، وفي أفضل الحالات إلى مصير الهنود الحمر في أميركا وكندا، أي تحتفظ بنا البشرية في المحميات. وفي كل الأحوال، سوف نُعتبر غرباء كما حال من لا يملك أرضاً أو من فقدها، وأميركا وكندا يكفينا كشاهدين، حينها لا تنفع مدارسنا ولا مؤسساتنا ولا كوننا حرّاس الحدود أو أصحاب جنود وجيش وغيرها من هذه المظاهر الكوردية البادية للعيان في وقتنا القائم...
يتبع...