مشروع القومية الإيزيدية.. إجراء وقائي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمثل الكورد أحد المكونات الأساسية لشعوب منطقة المشرق، بما كان لهم من دور في بناء حضارتها وصناعة أحداثها. ومع حلول القرن السادس عشر الميلادي، أصبحت كوردستان محط أنظار الإيرانيين والعثمانيين، لغرض السيطرة عليها واستغلال ثرواتها، حتى أصبح مصيرها مرتبطاً بالتطورات الداخلية والخارجية للأمبراطوريتين اللتين كانتا تهيمنان على مصير شعوب المنطقة من خلال الاحتلال العسكري والضغط الاقتصادي وممارسة الغزو الفكري والثقافي لمسخ هويتها الأصلية. إلا أنَّ الشعب الكوردي بوصفه أحد الشعوب العريقة في المنطقة لم يقف مكتوف الأيدي إزاء هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، بل وقف بوجهها وقدم تضحيات جسام في هذا الجانب.
لقد مثلت معركة جالديران التي نشبت بين الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية سنة 1514، فاتحة حقبة تاريخية طويلة من الصراع، والتي امتدت لأكثر من ثلاثة قرون تخللتها فترات سلام، كانت من خلالها بلاد كوردستان محوراً فاعلاً في المنطقة، بوصفها كانت تشكل حاجزاً طبيعياً يفصل بين الإمبراطوريتين.
وقادت الشخصيات الاجتماعية والدينية والفكرية الكوردية المؤثرة في المجتمع الكوردستاني حركات جماهيرية وثورات ضد الإمبراطوريتين، وإن كانت متواضعة، وذلك للخلاص من الهيمنة والعبودية، أو على الأقل للتعبير عن حالة الرفض المجتمعي من خلال توعية المجتمع الذي كان يعاني من الفقر المدقع والأوضاع الإنسانية المزرية والإيحاء للمحتل بأنه مهما كانت قوته وجبروته وقدرته على ارتكاب الجرائم وإراقة الدماء، لا يمكن له أن يفرض هيمنته بالقوة.
ومنذ العهد العباسي وإلى يومنا الحاضر، انطلقت من أرض كوردستان أكثر من (30) ثورة شعبية وحركة كفاح مسلح ثورية ضد الحكومات والأنظمة في المنطقة بمختلف توجهاتها القومية والدينية والفكرية، أهمها:
* انتفاضة الكورد الأيزديين ضد الدولة العباسية (838 &- 841)
* انتفاضة الكورد الإيزديين ضد الصفويين بزعامة شير صارم (1506 - 1510)
* انتفاضة البابانيين ضد الدولة العثمانية (1806 &- 1808)
* ثورة شيخ عبيدالله النهري ضد الدولة القاجارية الإيرانية (1880 - 1881)
* ثورة شيخ محمود البرزنجي ضد النظام الملكي العراقي (1919 - 1922)
* ثورة شيخ أحمد البارزاني ضد النظام الملكي (1931 - 1932)
* ثورة الكورد الإيزديين ضد الانتداب البريطاني (1935 - 1935)
* إعلان جمهورية كوردستان في مهاباد برئاسة الشهيد قاضي محمد 1946
* ثورة أيلول (سبتمبر) العظيمة 1961 بقيادة البارزاني الخالد زعيم الحركة التحررية الكوردستانية
* ثورة كولان ايار 1976 بقيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني
لعب الكورد الإيزيديون دوراً محورياً حاسماً في أغلب تلك الثورات، نظراً لانتمائهم القومي وجغرافية مناطقهم الصعبة، فضلاً عن أنها تشكل منفذاً مهماً وحيوياً لعبور ومرور القوافل العسكرية والتجارية على امتداد الأرض الكوردستانية، لذلك شكل الإيزيديون سداً منيعاً بوجه المحتلين وتحدياً كبيراً لسياساتهم التوسعية، وكانت حراب الغزاة وماكيناتهم العسكرية تتوجه نحو تمزيق الصف الكوردي من خلال تعريب وتتريك وتفريس مناطقهم وخلق الفتنة والتناحر الديني والمناطقي والسياسي بينهم، فضلاً عن شراء ذمم بعض النفوس الضعيفة واستغلالهم ضد مصالح شعبهم، إلا أن كل تلك السياسات التي امتدت لقرون فشلت فشلاً ذريعاً في مسخ الهوية الكوردية الإيزدية.
واليوم في خضم التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وأوضاع سوريا والجزء الغربي من كوردستان وفلسطين ونتائجها التي ستظهر في غضون الأشهر المقبلة، ونظراً للدور المهم والاستراتيجي الذي يلعبه الكورد الإيزيديون في التغيرات والتوازنات الجديدة في المنطقة بحكم جغرافيتهم المعقدة ووقوعها ضمن مناطق نفوذ القوى الإقليمية والدولية المتصارعة، وبالاخص مدينة سنجار الاستراتيجية، هناك محاولة أخرى لتكرار السيناريو الفاشل القديم، وذلك بجمع تواقيع لتشريع قانون القومية الأيزيدية كقومية خاصة في مجلس النواب العراقي، وسلخ هذه الشريحة المهمة عن القومية الأم، وهو برأيي يمثل إجراءً وقائياً تقوده القوى الإقليمية للحد من تعزيز موقع الكورد في المنطقة ومكانته الدولية، لكن هذا المقترح قوبل بالرفض القاطع من قبل غالبية المجتمع الإيزيدي، وعلى رأسهم المجلس الروحاني الذي يعد أعلى مقام ديني لأبناء الديانة الإيزديية، الذي أصدر بياناً يوم السبت 8 حزيران (يونيو) 2024 أعلن فيه عن رفضه القاطع لهذا المشروع، وأكد البيان "أن الإيزديين جزء لا يتجزأ من الشعب الكوردي وجذورهم التأريخية والثقافية متأصلة بعمق التأريخ والأرض الكوردية".
وشدد المجلس في بيانه على "ضرورة احترام الهوية الإيزدية الكوردية وعدم محاولة تغييرها وتزييفها بوصفها ديانة قديمة تعود لآلاف السنين، وهي جزء من التراث الكوردي العريق، معتبراً أن الحفاظ على هذه الهوية حق طبيعي وواجب مقدس، وهو جزء لا يتجزأ من حماية التراث الثقافي والديني للكورد الإيزيديين والأمة الكوردية بشكل عام".
وفي حديث لشبكة رووداو، قال المؤرخ الكوردي الإيزيدي داوود الختاري الذي ألف 70 كتاباً يتناول أغلبها تاريخ الكورد الإيزيديين وديانتهم إن "هناك مساعي من قبل بعض الأشخاص لتعريف الإيزيديين كقومية مختلفة عن الكورد".
إقرأ أيضاً: أهداف محاولات نسف النظام الفدرالي في العراق
قائد قوات حماية ايزيدخان حيدر ششو قال من جانبه: "على الإيزديين اتخاذ موقف لأنَّ المشروع لا يخدمهم"، مضيفاً: "سنقف ضد أي مؤامرة ترمي لعزل الكورد عن كوردستان، وتعد هذه المحاولة عملاً عدائياً تقف وراءه أياد خارج القومية الكوردية".
والناشط الكوردي الإيزيدي "كاروان حاجي" علق على المشروع بقوله: "لا يمكن لأحد أن يغير القومية. الدين يمكن تغييره، لكن الأصل لا. نحن كورد تاريخياً، جغرافياً ولغوياً ومن حيث أزيائنا أيضاً".
سرحان عيسى المتحدث بأسم مجلس ايزيديي سوريا ايضاً اعلن عن رفض المجلس لقانون القومية الإيزدية مؤكداً ان هذا المقترح لايستهدف الكورد وكوردستان وحدهم فحسب وانما الوجود الأيزيدي بشكل خاص.
إقرأ أيضاً: إقليم كوردستان وتأثيره على الأوضاع في تركيا وإيران
هنا لابد من الإشارة الى انه منذ عقود هناك محاولات مماثلة من جهات اقليمية ومحلية عراقية لعزل الكورد الفيليين ايضا عن قوميتهم بذريعة انتمائهم للمذهب الشيعي، في حين الفرس والاتراك والعرب والافغان والباكستانيين وغيرهم من اتباع المذهب الشيعي، ما يزالون متمسكين وبقوة بقوميتهم الى جانب اعتقاداتهم المذهبية، ولكن رغم كل المحاولات وانفاق ملايين الدولارات على جمعيات ومنظمات تحمل عناوين فيلية مزيفة لم يكتب لهذا المشروع النجاح ومايزال غالبية الكورد الفيليين متمسكين بانتمائهم القومي والمذهبي معاً.
بناءً على المعطيات المذكورة والحقائق التأريخية، سيواجه المشروع الجديد تحدياً كبيرا من ابناء الديانة الإيزيدية وارى من الصعوبة بل استحالة تمريره وان مرر، سوف لايكون له تأثير على واقع المجتمع الأيزيدي.