فضاء الرأي

نهاية حزب الله مثل حماس

سماحة السيد حسن نصرالله
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

معروف أنَّ العديد من الخطط العسكرية والسياسية يتم التمهيد لها مسبقاً عن طريق نشر شرارة إعلامية، كمقال أو خبر تنشره صحيفة مشهورة، لتفاقم من زوبعة الصراع قبل البدء بحرب ميدانية، وهو ما تم قبل حرب روسيا وأوكرانيا.

فما نشرته الصحيفة الأميركية (فورين بوليسي) اليوم من التهويل والتضخيم غير المعقول حول قوة حزب الله العسكرية، وعلى أنها أقوى بكثير من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، تملك مستودعات ضخمة للأسلحة المتنوعة وكميات هائلة من الصواريخ المتطورة (قرابة المليون صاروخ، وهو عدد لا تملكه الدول الأكثر تطوراً في العالم)، والغريب أنها استندت في الأخيرة على التصريحات المريبة لقادة الحرس الثوري الإيراني، ولتضخيمها تم التنويه على أنه بينها صواريخ روسية، وشبكة واسعة من الأنفاق تحت الأرض في معظم أجزاء الجنوب اللبناني أوسع وأفضل تقنية مما بنته حماس.

(وبالمناسبة، نفس العقول التي دفعت بحماس وحزب الله إلى بناء الأنفاق دفعت بقوى الإدارة الذاتية في غرب كوردستان لبناء مماثل، والكل يعلم، وقد نوهنا مراراً إلى سذاجة هذا المشروع الدفاعي وطلبنا إيقاف المخطط غير المجدي في عصر التطور التكنولوجي الهائل للأسلحة، وكان الأنسب صرف تلك الأموال على تطوير البنية التحتية المدمرة، وهو ما لم تفعله قوى الإدارة الذاتية، ولا حركة حماس، ولو فعلت لكان شعب غزة تقريباً بشبه غنى عن العمالة في إسرائيل، ولنافس جنوب لبنان شمالها تطوراً).

ويروجون على أن حزب الله يملك القوة الكافية لتهديد أمن مستوطنات إسرائيل ومستقبلها، وربما يستعد للهجوم على قواتها في الشمال، وغيرها من التهويل والتضخيم. ومن الغرابة مشاركة الإعلام الإيراني بشكل مباشر في هذا، وبتصريحات من قادة حرسها الثوري، فهل الغاية هي دفع إسرائيل إلى الهجوم مثلما فعلت مع حماس؟

في كلاسيكية الحقل السياسي العسكري، هذه الضجة هي بداية لتحضير واسع الأبعاد من قبل إسرائيل لاجتياح الجنوب اللبناني، وربما بموافقة القوى الكبرى الداعمة لها، للقضاء على الحزب كأحد أجنحة إيران المتعددة في المنطقة والأكثر أهمية من حماس، بعدما تكاد أن تنتهي من حربها في قطاع غزة، وهشمت الحركتين عسكرياً وإعلامياً بين الشعب الفلسطيني. وفي الواقع تتفق معظم الأطراف الإسرائيلية على أنه إذا لم يتم الحد من عنجهية حزب الله، فلا يُستبعد أن تدفع بها إيران إلى القيام بعملية مماثلة لما أقدمت عليه حماس في الداخل الإسرائيلي، وما ستقوم به في الجنوب اللبناني سيُدرج ضمن المخططات العسكرية وحيث الفعل الاستباقي قبل حدوث الكارثة. وقد كانت تجربتهم مع حماس تنبيهاً قوياً لجميع القوى الإسرائيلية، لذلك لا بد من القضاء أو إضعاف حزب الله قبل وقوع الحدث.

والسؤال المحير: لماذا هذا الدعم الإيراني للتضخيم وتعويم قوة حزب الله، وهي على دراية تامة بأن القضاء عليه أسهل من القضاء على حماس، بسبب طبيعة المنطقة والتوزع السكاني والدعم الدولي، وجميعها ليست في صالح حزب الله المدرج ضمن قائمة الإرهاب والمرفوض من أغلبية الشعب اللبناني، وغيرها من العوامل؟

بيّنت إسرائيل، وبتزامن مع هذا المقال وما تلقفته الأقنية المعنية بأخبار المنطقة، أنها على دراية تامة بمكان وجود حسن نصر الله وتنقلاته، وبإمكانها أن تغتاله في أية لحظة، وهو ما أكدته إيران ونبهته. وبالتالي ما يجري في جنوب لبنان والتهويلات الإعلامية مقدمة لاجتياح وشيك لجغرافية حزب الله، ولا يُستبعد أن تضع إسرائيل خطوطاً عسكرية &- إدارية تفصل لبنان الوسط والشمال عن الجنوب، أي تقسم لبنان كما قُسّمت غزة. وبالتالي، دولة لبنان لن تعود إلى ما كانت عليه سياسياً وعسكرياً وإدارياً، وهو ما حصل لقطاع غزة الآن. أي عملياً، مصير شعب جنوب لبنان لن يكون أفضل من مصير الشعب الفلسطيني في غزة، وإيران هي المسؤولة عما سيحدث هناك.

ومن جهة أخرى، لا يُستبعد أنها، وربما لغاية إستراتيجية جديدة، تريد أن تتخلص من هيمنة حزب الله من خلال تسليحه وتقويته ودفعه للقيام بعمل مماثل لأداتها السابقة، والتي أدت إلى تغيير المعادلة في الصف الفلسطيني.

أميركا وإسرائيل، كمصلحة مباشرة، تنفذان مخططاً واضحاً، للقضاء أو إضعاف النظام في إيران بعدما لم يجدِ معها الحصار الاقتصادي طوال العقدين الماضيين. فالقضاء على قوة حماس كان مقدمة لإزالة أدواتها بتسلسل مخطط من قبل الدول الكبرى المعنية بالأمر، ويتبين أن حزب الله هو التالي. ولا يُستبعد أنها كانت تدرك هذه النتيجة، ومع ذلك ضحت بأداتها، وتدرك ما تفعله، مثلما تدركها الأطراف المقابلة، أميركا وإسرائيل. لذلك يُعتقد من حيث الخدع السياسية أنها تعيد النظر في إستراتيجيتها ربما بدعم روسي، تضحي ببعض من قوة أدواتها لغايات بعيدة المدى، ربما لإنقاذ الذات المدمرة اقتصادياً، ومنها عدم القدرة على استمرارية تمويل أدواتها.

وهو ما ينتبه إليه سلطة بشار الأسد، كأحد أدوات إيران الموجودة على اللائحة، فيحاول التخلص من الوجود أو الهيمنة الإيرانية المتشعبة فكرياً ومن ميليشياتها الضخمة العدد بمساعدة روسيا، لكن الحرب الأوكرانية أضعفت القدرة الروسية على المواجهة، وبالتالي فيما إذا يئس النظام في دمشق، سيلجأ على الأرجح إلى التطبيع مع إسرائيل أو عملية مشابهة، وتقربه من السعودية، وتقبله الحوار مع تركيا، والعمل خلف الكواليس للعودة إلى الجامعة العربية. وقول بشار الأسد قبل شهرين إن هناك حوارات غير مباشرة مع أميركا، كانت رسالته في الواقع عكسية، وتعني أنه يرحب بأي حوار تطلبه أميركا، وكل هذا تمهيد لإنقاذ ذاته ونظامه من قادم لا يُحمد عقباه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف