فضاء الرأي

شعوبنا تخلق أنظمتها الفاسدة

طفلة تحمل صورة للرئيس السوري بشار الأسد في دمشق
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أنظمتنا الشريرة والفاجرة ظهرت من أحضان مجتمعاتنا، ولم تأت من كوكب آخر، ولا من أرحام شعوب غريبة، ولا هي نتاج مصانع خاصة. إنها نتاج أبناء الشعب، وإلا ما كان بإمكانها أن تحظى بهذه الديمومة، وتجمع الحشود حولها. شرائح واسعة من شعوبنا هي المذنبة، بغض النظر عن الثقافة التي ترسخها أنظمتنا، أي ثقافة الاستهلاك والتبعية والإيمان بالنقل.

أنظمتنا يهيمن عليها أبناء الشعب المستهلك، بغض النظر عن جدلية القوى الخارجية المبنية على الإبداع والإنتاج قبل الاستهلاك. إننا أمم تعاني من جدلية التأثير والتأثر ما بين الجزء والكل، وفي مقدمتها العلاقة بين الدين المبني على الإيمان بالنقل، والسياسة المرتكزة على الشراء؛ بين ثقافة المجتمع الراضخ لدساتير مستقاة من مدارس تدمر منطق العمل والإيمان بالعقل، وتلقينها للأطفال من الأيام الأولى، وحيث الضياع بين التطور الحضاري والتمسك بالماضي الغارق في الظلمات.

كوريا الشمالية عدد سكانها يوازي عدد سكان سوريا تقريباً قبل الحرب، ورغم بشاعة نظامها، تصنع القنابل النووية، والصواريخ العابرة القارات، وبلغت سوية احتياج روسيا لها، وعقد اتفاقية دفاع مشترك معها في حال تم الاعتداء على أحد الطرفين، وتطلب موسكو منها المساعدة بتقديم صواريخ في حربها على أوكرانيا، ومواجهة الناتو. كوريا تهدد أمن اليابان وأميركا في الشرق، فماذا قدمت وفعلت سوريا وتركيا وإيران، بل ومعظم الدول العربية لشعوبها والعالم؟

كوريا الجنوبية عدد سكانها قرابة 56 مليوناً، تملك أحد أكبر مصانع الإلكترونيات في العالم، سامسونغ، وأحد أكبر مصانع السيارات في العالم، هونداي، وغيرهما. تنافس مصانع أميركا وأوروبا في أسواقها، في عدة مجالات، فماذا فعلت الدول المسماة بالعربية أو حتى الإسلامية، غير أن تفتح حروباً أهلية وتدمر شعوبها، وتصرف المليارات لاستيراد التكنولوجيا.

أنظمة متطورة تكنولوجيا، رغم الدكتاتورية، وحضارية بنيت على ثقافة التصنيع والتطوير والإبداع والإنتاج، مقابل أنظمة فاسدة وفاشلة في النظم السياسية والتكنولوجيا والمؤسسات الحضارية وفي نوعية الثقافة، مع ذلك يتباهون بأنهم يحمون مؤسسات دينية تحمل وتنشر رسالة إلهية لتوعية وتطوير البشرية، وهم آخر من يجب التحدث في التطور والوعي.

شرائح واسعة من المجتمع المعاني من أزمة الفكر والوعي الخاطئ، رغم التراكم المعرفي لدى البعض، يجدون أن المنطقة سوف تنهض مع إزالة إسرائيل، وتقوية حزب الله وحماس وإعادة إحياء البعث وجبهة الصمود والتصدي، ومذهب اللطميات، والتكفيريين.

أنظمة أغرقت شعوب المنطقة في الظلمات، لدرجة لم يعد يتمكن من رؤية الصح من الخطأ، يعيش على النقل وتناسي منطق العقل، إلى درجة أصبحت تفقس سلطات أفسد يوماً بعد آخر، وتخلق الأنظمة الداعمة للأوبئة الثقافية، وتتلذذ وتتباهى بالمفاهيم المشوهة.

إقرأ أيضاً: المرأة وعيدها: كيف لسجين أن يمنح سجيناً الحرية؟

شرائح ترى بعد كل الدمار الذي حصل في غزة أن حماس تنتصر، وحزب الله بإمكانه أن يدمر إسرائيل، وتتناسى أن خلف إسرائيل الإمبراطوريتين الأميركية والأوروبية، وإلى حد ما الروسية، وتتناسى أن الحروب الجارية ضد إسرائيل وفي سوريا وغيرها حروب دينية، ما يماثلها أغرق أوروبا قروناً طويلة في عصر الظلمات. شرائح من شعوبنا تستمع بالعيش في الحضيض والظلمات على أمل بالجنة، علماً أنها لا تفعل لكسب الجنة سوى الفسق والكذب والإجرام.

شرائح تتباهى بدعم نظام الأسد والمعارضة السورية التكفيرية ومرتزقة أردوغان، وتتلذذ بما تعبث به نظامي أئمة ولاية الفقيه وأردوغان في المنطقة.

أين يكمن الفساد؟

لماذا دول رغم الطغيان والدكتاتورية، مثل كوريا الشمالية، استطاعت أن تملك كل هذه القوة، ورديفها بعكسها سياسياً، تقف بين الدول الأكثر تطوراً في العالم، وبالمقابل دولنا وشعوبنا تعاني الويلات؟

إقرأ أيضاً: من أبلغ إسرائيل باجتماع جنرالات إيران؟

أليس للعقلية الدينية الخاطئة، أو حتى المدنية المدعية العلمانية، والمتأثرة في الواقع بتلك الذهنية، الدور الواسع في هذا؟ المنهجية الفكرية المبنية على عدم الفصل بين الدين والدولة هي التي دفعت بشعوبنا ودولنا إلى المستنقع الذي نتمرغ فيه؟ شعوبنا التي تحكمها بشكل مباشر أو غير مباشر جامعة كالأزهر، ووزارات الأوقاف، ومنظمات النهي عن المنكر، وأغلب خطباء المساجد، وغيرها، هي التي شوهت الدين وأفسدت المجتمع معاً، لإنتاج أنظمة غارقة في القذارات. أليست أوروبا التي عانت من عصر الظلمات، دخلت الحضارة بعدما تمكنت من الفصل بين الكنيسة والسياسة؟ واقتنعت شعوبها بأن العلاقة بينه الإنسان والله ذاتية، وهيمنة الكنيسة يجب ألا تتعدى جدرانها. ألم تعش أوروبا المنهجية الدينية التي تعيشها دولنا؟

لماذا شعوبنا لا تؤثر فيها موجات الفكر الحضاري، ولا يتطور الوعي لديها، ولا تكف عن إنتاج السلطات الفاسدة، ولا ترى ما يجري في منطقتنا، ولا تميز بين الصح والخطأ، بين الدمار واحتمالات وجود النعيم على الأرض؟ لماذا تعبد ولا تعمل، تعيش ولا تفكر إلا من أجل النعيم بعد الموت.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف