أحد أهم الأسئلة التي تدور بعد قتل إسرائيل قادة فيلق القدس الإيراني: هل ستغير إيران من استراتيجيتها في سوريا ولبنان والعراق؟ وهل سيكون هناك رد؟ وإن تم فكيف؟

من المعروف أن لا قيمة للمواطن، بل وللإنسان بشكل عام، في الأوطان التي تحكمها السلطات الدكتاتورية والأحزاب الشمولية؛ يصرفون الضحايا تحت مسميات عدة، فإن كانوا يوالونهم فهم أبطال وطنيون أو شهداء، وإن كانوا في المعارضة فهم خونة وعملاء. في الحالة الأولى، يجعلون منهم رموزاً دينية أو قومية، ليكونوا وقوداً لحشد الجماهير خلفهم وإشعالهم في حروبهم العبثية، أو أثناء الصراع مع القوى الديمقراطية، وفي الحالة الثانية يبتذلونهم مع ضجة إعلامية للتغطية على فشلهم وفسادهم.

وكثيراً ما تتم التضحية ببعض الزعماء الوطنيين أو الشخصيات المعروفة، للتغطية على جرائمهم، أو عندما تواجههم المصاعب السياسية والاقتصادية الداخلية، فلا يستبعد أن يكون لطرف من أطراف النظام الإيراني دور في معرفة إسرائيل بتحركات وأماكن تواجد قادة فيلق القدس، ودقة العملية شبه إثبات على ذلك، إلى درجة أنه تم قصف البناء بعد خروج القنصل الإيراني منه بخمس دقائق، والتأكد من بقاء الثلة العسكرية فقط، أي الجنرالات الثلاثة ومعهم عدد من الضباط الكبار وقادة من حزب الله وربما قيادات عسكرية فلسطينية.

بعد عملية قتل قاسم سليماني، كان قادة الحرس الثوري يتحركون بين العراق وسوريا ولبنان بمنتهى السرية، ومخططات تنقلاتهم كانت محصورة بين المسؤولين الكبار في السلطة، فخروج المعلومة لا بد وأن تكون من ضمن تلك الحلقة، إما لخلافات داخلية، أو لاختراق أمني عالي المستوى، وللتغطية على هذه الإشكالية الخطيرة بدأ تنتشر معلومات تفيد أن أئمة ولاية الفقيه أصبحوا يتهمون السلطة السورية، المتبرمة بالوجود الإيراني، بالاختراق، كما توجه أصابع الشك إلى روسيا، التي تجد التوسع الإيراني في سوريا بشكل خاص تقويضاً لإستراتيجيتها في الشرق الأوسط.

في كل الحالات، وأينما اتجهت الأصابع، فقد بدأت إيران تحصد مكاسب العملية الإسرائيلية، وصنفت جنرالاتها كشهداء، ويتم الترويج لهم بين الشعب كأبطال قوميين، ليس فقط لتأليب الجماهير ضد إسرائيل وأمريكا، بل لإنقاذ السلطة من السقوط في هوة الصراع الداخلي والإقليمي، وبدأت تثير الضجة الإعلامية للتغطية على دورهم في دفع حماس للقيام بعملية 7 تشرين الأول (أكتوبر)، والمؤدية إلى الجرائم التي تجري في غزة، فكما هو معروف دولياً أن إيران متهمة بخلق هذا المستنقع الكارثي، والصراع الدموي ليس فقط في غزة، بل وفي المنطقة بشكل عام.

إيران، ومنذ سيطرة مرجعية ولاية الفقيه، توسع من السيطرة المذهبية والعسكرية على بعض دول الشرق الأوسط، على حساب الدمار الاقتصادي الداخلي، والعزل السياسي العالمي. ولم يحد الحصار الأميركي – الأوروبي يوماً من هذا الطموح، ولم تتأثر إيران بحربها الطويلة مع صدام حسين، وخلافاتها المذهبية السياسية مع دول الخليج، بل بالعكس غيرت من خططها للتمادي، مسخرة لها الاقتصاد الداخلي، والتطور التكنولوجي العسكري، وفي الواقع تطورها ليس لخدمة الشعب، بل لتقوية أدواتها وأذرعها في الدول الإقليمية وتوسع إمكانياتها التخريبية.

ولتكوين البنية الشعبية الملائمة، والحصول على دعم الشعب، كان لا بد من خلق أعداء مذهبيين ودينيين وقوميين، فأحيا النظام الصراعات المذهبية القديمة ما بين السنة والشيعة، وأثار مسألة معاداة اليهود، والداعمين لإسرائيل، كما وحرك نظام أئمة ولاية الفقيه النعرة القومية لدى العنصر الفارسي، ووجهه ضد الحراك الكوردي والبلوجي والأزري في المنطقة. وإيران بحاجة ماسة إلى توسيع الصراع مع إسرائيل، بعدما تمكنت السعودية ودول الخليج من إخماد حدة الصراع معها، فكانت عملية طوفان الأقصى، وهو ما دفع بإسرائيل إلى إدراج قادة فيلق القدس مع قادة حماس المطلوبين، وكانت العملية بالرغم من معرفتها، وأمريكا، التامة لغايات وأهداف إيران، مع ذلك لم تتردد في اغتيال قادة فيلق القدس من الدرجة الأولى، متوقعة أن تحصد عدة إيجابيات منها:

1 - الأمل أن تكون العملية رادعة لإيران لتحد من عبثية أذرعها في المنطقة، أو أن تخفف من نشاطاتهم مع غياب القيادة لفترة ما إلى أن يتم تعيين البديل ويكسب الخبرة والمعلومات التي كانت لدى الذين تم اغتيالهم.

2 - من حيث البعد الميداني، سيؤثر غياب القيادة لفترة ما على نشاطات الأدوات والمنظمات التي كانت تتحرك بتنسيق من القيادة، ربما إلى أن يتم عقد اتفاق بين إسرائيل وقيادة حماس.

3 - من حيث البعد التكتيكي، لا يستبعد أن تخلق شرخاً بين سلطة بشار الأسد وأئمة ولاية الفقيه، التي بدأت توجه أصابع الاتهام إلى عناصر من النظام بنقل المعلومات، وبالمقابل سلطة دمشق أصبحت بعد فتح أبواب الجامعة العربية لها تأمل أن تقلل إيران من هيمنتها على سوريا، كما أن سلطة إيران بدورها لم تكن راضية عن التطبيع الجاري.

4 - في البعد ذاته، لا يستبعد أن تؤثر العملية على الاستراتيجية الروسية الإيرانية، فروسيا تطمح إلى أن تكون صاحبة الهيمنة الكبرى على سوريا، والتي تجدها مركز استراتيجيتها في الشرق الأوسط، والتوسع الإيراني يؤثر بشكل ما على هذه الإستراتيجية، وعليه فإيران لا تستبعد أن تكون روسيا على علم مسبق بحدوث العملية، حتى ولو أنها لم تكن على دراية تامة بها، لكن لا يستبعد أن تكون إسرائيل قد أبلغتها عسكرياً بحدوث عملية ما، فكما نعلم أن سماء سوريا تحت حماية روسيا بشكل شبه مطلق.

5 - أما في البعد الإستراتيجي، وهو الأهم، فكانت الرسالة أنه لم يعد هناك من خطوط حمر في الصراع الجاري، فمثلما كانت إسرائيل تحارب إيران بشكل واسع أثناء مسيرة تخصيب اليورانيوم، وقامت باغتيال عدد من علمائها، ففي هذه العملية، والتي شاركتها أميركا بها بشكل مباشر عندما سمحت لها باستخدام طائرات أف - 35، تقول إنه إذا لم تحد إيران من عبث أدواتها، فقد تطال العملية القادمة الدبلوماسيين أو السياسيين داخل إيران، أي ستكون هناك حرب مفتوحة وهو ما تتجنبه إيران، لأن جل استراتيجيتها يقوم على أذرعها خارج جغرافيتها، وهي تدرك أن أي حرب مع إسرائيل تعني استدراج أميركا إلى المعركة. وعلى الأرجح أن روسيا لن تكون قادرة على فتح جبهة مشتركة مع إيران إلى جانب حربها مع أوكرانيا.

إقرأ أيضاً: نحن الكورد انفصاليون

وعليه، فالرد الإيراني على الأغلب لن يتجاوز ما أقدمت عليه عند اغتيال أميركا قاسم سليماني، يوم سمح لها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وبطلب منها، بقصف قاعدة أسد في العراق بعدد من الصواريخ لتهدئة الرأي العام الداخلي، أو ربما بعملية مشابهة لعملية قصف دار مدني في إقليم كوردستان تحت حجة إنه مركز للموساد، وفي العملية تم قتل طفل لم يتجاوز الثمانية أشهر مع والدته، في الوقت الذي لم تتجرأ على قصف إسرائيل حيث مركز الموساد الرئيسي، واليوم لا يستبعد أن يكون الرد مشابهاً لما سبق، لحفظ ماء الوجه، علماً أن وزير خارجيتها نوه إلى أن الرد سيكون مماثلاً، أي قصف إحدى القنصليات الإسرائيلية في دولة ضعيفة، وبالمناسبة المكان الذي تم فيه قتل الجنرالات لم يكن قنصلية بل دار السفير، وهو سكن مدني تم استخدامه لأغراض عسكرية وكمركز لوضع مخططات إرهابية، وهي عملية غير قانونية دولياً، ولا يحق لإيران عرضها على مجلس الأمن، لذلك تصر على أنها قنصلية، وعادة لا توجد قنصليات في العواصم العالمية، بل فقط السفارات.

إيران من أخبث دول العالم والأكثر عبثية في المنطقة، لا بد من وضع حد لتجاوزاتها، فهي تفاقم الصراع وتفتح أبواب الحرب بين السنة والشيعة، وتعمق الخلافات بين القوميات، ولا تعترف بحقوق الإنسان ولا بالشعوب، تحت حجج الدولة الإسلامية الجامعة، ولربما حان الوقت لإزالة هذا النظام الفاسد من على رقاب الشعوب الإيرانية.