البلوغر والفاشنستا... والمفاهيم المتداخلة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مقتل إحدى مشهورات مواقع التواصل الاجتماعي في بغداد في الأسابيع الماضية كشف عن تداخل اصطلاحي وتشابك مفهومي في الأوصاف التي أطلقت على هذه المرأة المعروفة على مواقع التواصل الاجتماعي بسلوكيات معينة، ليس هنا محل مناقشتها وتقييمها.
فغالبية المنشورات، ومنها تلك التي تعود لقنوات فضائية مهمة عربية وعراقية، وصفتها بالبلوغر، في حين أن هذا الوصف بعيد عنها تماماً، ولا علاقة له بتصرفاتها وكلامها التي كانت تتفوه به في مقاطعها على حساباتها العديدة في مواقع التواصل المختلفة.
يتداخل ويتشابك لدى الكثيرين، بل الأغلبية، مصطلح فاشنستا مع مفهوم البلوغر، مما يُسبب حالة من الفوضى واللبس تتمثل في منح هذا الوصف، البلوغر، لشخصيات لا علاقة لها بالكتابة والتدوين، وربما لا تعرف القراءة والكتابة. في حين أن هذه السمة هي أهم ما يميز من نصفه بالبلوغر، كما سيتضح من شرح المصطلح في سياقه التأسيسي ومساره التاريخي.
مبدئياً، نستطيع أن نؤكد أن هذه المفاهيم وغيرها ترتبط بالعصر الرقمي وتطور أدوات ومفاهيم هذا العالم، واستحواذها على مظاهر العالم الواقعي ومعالم أركانه. فالبلوغر هو المدون، أي المستخدم الذي ينشئ محتوى للمدونة، وهي موقع إلكتروني يتضمن كتابات في مجالات مختلفة أو تصب في اهتمامات معينة، وقد يتضمن الموقع أشكالاً ومواد إعلامية متنوعة مثل الصور أو مقاطع الفيديو أو البودكاست وغيرها من الأشكال والصيغ الإعلامية التي تطورت عبر العصر الحديث.
وقد كان مصطلح بلوغر من ضمن المفردات الاشتقاقية لكلمة مدونة، التي ظهرت في نهاية تسعينيَّات القرن العشرين، وبالضبط في عام 1997، حيث قامت الشخصية الرائدة في مجال الإنترنت، جورن بارغر، بسكّ مصطلح weblog، والذي أفضى اشتقاقه إلى مصطلح blog، وأدى بدوره إلى ظهور مصطلح بلوغر في عام 1999 عندما جاء بيتر ميرهولز، الذي يُرجع له الفضل في تعميم مصطلح بلوغر، ونشره على نطاق واسع، بعد أن قام بتحويل طريف لمصطلح مدونة الويب weblog إلى مدونة، بتغيير المصطلح من اسم weblog إلى فعل we blog "نحن ندون"، وذلك في الموقع الإلكتروني الذي كان ينشر به مواده الإعلامية.
وأما مصطلح فاشنستا، fashionista، فهو يُنسب إلى الكاتب الأميركي ستيفن فريد، الذي استخدمه لأول مرة في كتابه Thing of Beauty الذي صدر عام 1993، حيث تم استخدام هذا المصطلح لوصف أشخاص منخرطين في الموضة والأناقة وتفاصيل ما يتعلق بها. وهذا المصطلح، أي fashionista، يتألف من مقطعين، الأول fashion الذي يعني الموضة، واللاحقة ista التي وجدنا آراء مختلفة حولها، فبين من يقول إنها إسبانية أو لاتينية تضيف للكلمة التي قبلها معنى أنه مشتغل في هذا المجال، أو أنها، برأي آخرين، تعني اختصار كلمة إنستغرام، والتي تشير مع الكلمة التي قبلها إلى الشخص الذي يهتم بالموضة والأزياء في العالم الرقمي عموماً، ومنصة إنستغرام الشهيرة خصوصاً.
وبكلا الحالتين، فإنَّ المصطلح يعني ويتعلق بالشخص المهتم بالموضة والأزياء وما يدور في عالمها، والتي تطورت لاحقاً، في العصر الرقمي، لتكون مواقع التواصل هي أبرز أماكن عرض هذه الأزياء وخصوصاً في منصة إنستغرام المختصة بالصور.
واتساقاً مع التعريفين أعلاه، فإننا نجد ثلاثة فروق واضحة، على الصعيد النظري، بين الفاشنستا والبلوغر، يمكن توضيحها في ثلاثة محاور هي: نوع المحتوى الذي يتم طرحه، ومجالاته، والفضاء الافتراضي الذي يتم تسويقه من خلاله، وكما يلي:
أولاً: نوعية المحتوى البلوغر ينشر محتوى أو نصاً مكتوباً من خلال مدونته الخاصة على شبكة الإنترنت أو على مواقع التواصل، بينما الفاشنستا ينشر، أو تنشر، محتوى بصرياً، كمقاطع الفيديو والصور وما تفرع عنهما كالفيديوغراف والانفوغراف، في المنصة التي يركز نشاطه فيها.
ثانياً: اختلاف الموضوعات يتناول البلوغر، في منصته، مجموعة متنوعة من الموضوعات والقضايا، قد تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، بينما الفاشنستا يتخصص بالموضوعات المتعلقة بالموضة والجمال حصرياً.
ثالثاً: المنصات المستخدمة يستخدم البلوغر موقع الويب الخاص به كمنصة رئيسية لنشر المحتوى، بالإضافة إلى بقية منصاته على مواقع التواصل وخصوصاً فيسبوك وإكس، التي لجأ إليها في مراحل لاحقة، في حين أن الفاشنستا يركز بصورة حصرية على مواقع التواصل، وخصوصاً إنستغرام، لعرض منشوراته.
وبرغم هذه الفوارق التي وصفتها بأنها نظرية، فإن المساحات بين كلا المصطلحين قد تداخلت، والفضاءات تشابكت، فالبلوغر الآن يكتب في جميع المنصات "مواقع إلكترونية ومواقع تواصل" ويتحدث عن مختلف المواضيع، من خلال النص والصورة ومقاطع الفيديو، متجاوزاً الخريطة السابقة التي كانت تحدد تعريف البلوغر. وكذلك الحال ينطبق على الفاشنستا التي أصبحت تتحدث في كل المواضيع، حتى تلك التي لا تفهم أبجدياتها الأساسية، وهو من سخريات العصر الرقمي ومواقع التواصل التي منحت لكل إنسان القدرة على الحديث في مختلف المواضيع ووقتما ما يريد، مهما كان جاهلاً بها.