فضاء الرأي

قراءة في حكومة بزشكيان ودور ولاية الفقيه

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تشكلت الحكومة الجديدة في إيران برئاسة بزشكيان في ظل ظروف سياسية معقدة وتركيبة من الفصائل والعصابات المتنوعة التي تمثل مختلف قوى النظام الإيراني. رغم هذا التنوع، فإن القاسم المشترك بين جميع أعضاء هذه الحكومة هو موافقة المرشد الأعلى، علي خامنئي، عليهم. هذه الموافقة تعكس الدور المركزي لخامنئي في اتخاذ القرارات الكبرى في البلاد، وهو الدور الذي لا يمكن لأي جهة إنكاره.

تُعد عصابة "بايداري" واحدة من القوى المؤثرة داخل النظام الإيراني، وكانت تطمح للوصول إلى الرئاسة بعد الانتخابات البرلمانية. لكن مع تشكيل حكومة بزشكيان، رفعت أصواتها احتجاجًا على عدم حصولها على نصيب في الحكومة، معبرة عن استيائها من التوزيع الجديد للسلطة. يعكس هذا الصدام توترات داخلية متزايدة في النظام، خاصة مع معارضة هذه العصابة للقرارات الصادرة عن خامنئي، الذي يعتمد بشكل كبير على توازن القوى داخل النظام للحفاظ على بقائه.

التوترات الداخلية قد تضعف النظام الإيراني بشكل كبير. يعتمد خامنئي على تحالفات مع مجموعات مثل "بايداري" للحفاظ على توازن القوى، لكن المعارضة المتزايدة قد تؤدي إلى زعزعة هذا التوازن. وخلال مراجعة الوزراء، كانت عصابة "بايداري"، التي يُقال إنها تسيطر على أكثر من 50 مقعدًا في البرلمان، من أبرز المعارضين لبعض الوزراء المقترحين.

أمير حسين ثابتي، وهو أحد أعضاء عصابة جليلي-بايداري، وجه اتهامات مباشرة إلى خامنئي عبر تصريحاته النارية، مشيرًا إلى أن هناك تدخلاً مباشرًا من خامنئي في تعيين الوزراء. قال ثابتي: "يقولون صوتوا، ألا تعلمون أن شخصًا واحدًا قال إن السيد عراقجي يجب أن يصبح وزيرًا؟ يا لها من لعبة خطيرة بدأها بعض الناس، وإذا لم يكن الأمر كذلك، أغلقوا هذا البرلمان".

هذه التصريحات أثارت جدلًا كبيرًا داخل البرلمان الإيراني، حيث حاولت صحيفة "جوان" الموالية للنظام التقليل من أهمية هذه الادعاءات، واصفة إياها بأنها إما غير صحيحة أو مبالغ فيها لتصعيد الأوضاع داخل البرلمان.

في ظل هذا الجو المشحون، وجد بزشكيان نفسه مضطرًا للدفاع عن خياراته أمام البرلمان وأمام النظام بأكمله. كانت مهمته الرئيسية إقناع النواب بضرورة التصويت لصالح الوزراء المقترحين رغم الاعتراضات القوية. حاول بزشكيان استخدام أساليب متعددة، من المزاح إلى المناشدة بوحدة الصفوف، في محاولة لتهدئة الوضع وضمان تمرير حكومته.

وفي خطابه أمام البرلمان، أكد بزشكيان على ضرورة الوحدة والتلاحم داخل النظام، حيث قال: "وحدتنا وتلاحمنا أعلى من الصلاة والصوم." وأوضح أن الوزراء المقترحين يمثلون مجموعة من التوجهات والفصائل المختلفة، لكنهم يشتركون في رؤية عامة وسياسات موحدة تحت مظلة القيادة العليا.

وأضاف بزشكيان أن جميع التعيينات تمت بالتنسيق مع الجهات العليا، مؤكدًا أن أي خطوة تتخذ في هذا السياق لا تتم دون موافقة خامنئي. "قمنا بالتنسيق مع اللجان ومع الجهة العليا (خامنئي)"، قال بزشكيان، مشيرًا إلى أن خامنئي كان مشاركًا بشكل مباشر في اختيار بعض الوزراء.

من خلال تصريحاته العلنية، أكد بزشكيان على دور خامنئي المركزي في اختيار الوزراء، وهو ما يعكس طبيعة النظام الإيراني الذي يعتمد بشكل كبير على مبدأ ولاية الفقيه. تعيين الوزراء لا يعتمد فقط على الكفاءة أو الخبرة، بل يعتمد بشكل رئيسي على مدى التزام هؤلاء الأفراد بالولاء للولي الفقيه.

إقرأ أيضاً: نابُ كلب في جلد خنزير

تجلى هذا بوضوح في تصريحات بزشكيان التي أشار فيها إلى أن خامنئي كان مشاركًا في اختيار الوزراء الرئيسيين، وأنه لا مجال لتعيين أي شخص لا يتماشى مع توجهات النظام والولي الفقيه. قال بزشكيان: "السيد عراقجي كان أول من تم قبوله من قبل القائد، قبل أن نعلن عن أسماء الوزراء."

وبحسب تصريحات بزشكيان، يتضح أن خامنئي كان منخرطًا بشكل كبير في تفاصيل اختيار الوزراء، مما يعكس استمرار النهج التقليدي للنظام الإيراني في إدارة السلطة. بالرغم من محاولات البعض لتقديم الحكومة الجديدة على أنها تمثل تغييرات وإصلاحات داخلية، فإن الحقيقة تبقى أن معيار تعيين الوزراء هو الولاء التام للولي الفقيه.

خطتهم العملية لا تختلف عن الخطط السابقة التي تم تنفيذها تحت قيادة إبراهيم رئيسي. ونتيجة لذلك، فإن التصريحات التي تدعي أن مجلس الوزراء لبزشكيان يحمل توجهاً إصلاحياً هي مجرد وهم ومحاولة لتجميل صورة النظام أمام الرأي العام.

إقرأ أيضاً: التهديد الجدي للنظام الإيراني

في النهاية، يمكن القول إن حكومة بزشكيان تمثل استمرارية لنهج النظام الإيراني القائم على تعزيز سلطة الولي الفقيه وعدم السماح بأي تغييرات جذرية. ومن أبرز الأمثلة على السياسات التي تم تنفيذها خلال الفترة القصيرة منذ تولي بزشكيان الحكم ما يلي:

- تنفيذ أكثر من 100 عملية إعدام في شهر آب (أغسطس) وحده، شملت 10 نساء.

- ارتفاع ملحوظ في أسعار الخبز، ما يثقل كاهل المواطنين.

- تمهيد لزيادة في أسعار الوقود، مما قد يؤدي إلى احتجاجات شعبية.

- ازدياد القمع ضد النساء والشباب مما يؤدي إلى تفجر المجتمع.

- حادثة التعذيب وقتل شاب في السجن قبل يومين، مما أثار موجة من الانتقادات المحلية والدولية.

في النهاية، تعكس حكومة بزشكيان الوضع الراهن للنظام الإيراني الذي يواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة. على الرغم من الضغوطات والتوترات الداخلية، يظل النظام متمسكًا بمبادئه الأساسية، معتمدًا على سياسات القمع وإثارة الحروب في المنطقة لضمان بقائه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف