النظام الإيراني، وكما هو حال أيّ نظام ثيوقراطي، لا يؤمن إلا بالممارسات القمعية التعسفية، كالسجون والإعدامات. وتبقى أكبر مشكلاته مرتبطة دائمًا بالمعارضة القائمة ضده ونشاطاتها. النظام الإيراني من النوع الذي لا يقر بقوة خصومه، ولا سيما المعارضين النشطين الذين يحظون بشعبية، بل يستمر في التقليل من شأنهم وممارسة الكذب والتمويه وتحريف الحقائق وتزيفها، وذلك لأنه يعلم جيدًا أن التركيز على هكذا نشاطات وتسليط الضوء عليها سينعكس سلبًا عليه ويصبح بمثابة فتح باب من الصعب إغلاقه فيما بعد.

لم يشعر النظام الإيراني بالفرح طويلاً بعد تمكنه من إخماد انتفاضة 28 كانون ا لأول (ديسمبر) 2017، إذ سرعان ما وجد نفسه أمام ما يمكن وصفه بالمفاجأة الصادمة عندما رأى انتشار خلايا معارضة نشطة تعمل ضده في سائر أرجاء إيران. وهذه الخلايا، التي ذاع صيتها تحت اسم "وحدات المقاومة"، تتبع تنظيميًا منظمة مجاهدي خلق.

لقد تضاعف شعور النظام بالصدمة لأسباب عدة؛ منها أن هذه الخلايا ترتبط تنظيميًا بمعارضة شكلت وما زالت تشكل صداعًا دائمًا للنظام، وأن المنتمين والعاملين في هذه الخلايا من الشباب الإيرانيين الذين اعترف قادة النظام بعجزهم عن كسبهم إلى جانبهم. كما أن هذه الخلايا عابرة للعرق والدين والطائفة، وتمارس نشاطات حركية تعبويه إلى جانب نشاطات ثورية تستهدف مراکز ومؤسسات تابعة للنظام.

الملاحظة المهمة التي صار النظام يأخذها بنظر الاعتبار هي أنه بعد تشكيل هذه الوحدات وممارستها لنشاطاتها، أصبحت الانتفاضات التي تندلع تزداد فيها الصبغة السياسية المشددة على معارضة النظام ورفضه. ولعل انتفاضة 16 أيلول (سبتمبر) 2022، التي دامت لأشهر عدَّة، إضافة إلى الصبغة السياسية، اكتسبت صبغة فكرية، مما عزز التصور والقناعة بأن رفض النظام بات يستند إلى قناعة سياسية ـ فكرية، وأن قيم وأفكار وطروحات نظام ولاية الفقيه، بعد أكثر من أربعة عقود من حكمه، لم تترسخ كما يريد ويطمح النظام، بل صار الشعب يعلن علنًا رفضه القاطع لها ويدعو إلى رحيل النظام.

إقرأ أيضاً: نابُ كلب في جلد خنزير

هذا التغيير النوعي في معارضة النظام، والذي شهد اتساع دائرة تأثيره، هو جزء من المهام الحركية التعبوية لوحدات المقاومة، وهو أمر لم يعد خافيًا على النظام بل إنه يدركه تمامًا. والملفت للنظر أن النظام، بين الحين والآخر، يعلن عن اعتقال عدد من المنتمين لهذه الوحدات ومحاكمتهم، لكنه يحرص على عدم التركيز على هكذا أخبار وألا تذكر كأخبار رئيسية. ولكن المشكلة العويصة التي تواجه النظام وتعقد عملية مواجهته لهذه الوحدات هي أن نشاطاتها مستمرة، ولا سيما فيما يتعلق بلصق صور قادة المقاومة الإيرانية على الجدران، ورفع اللافتات التي تتضمن شعارات مناهضة للنظام، وإطلاق صور ضوئية لمسعود رجوي ومريم رجوي في مختلف مدن إيران، إلى جانب تدمير وحرق النصب والصور واللافتات التي تمجد النظام.

ختامًا، يجدر بالذكر أنه بينما يتخبط النظام الإيراني في مستنقع الأزمات المتتالية بعد مصرع إبراهيم رئيسي، قامت وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية بتنفيذ 20 ألف نشاط تأييدًا لتجمع إيران الحرة السنوي الذي أُقيم في باريس وبرلين، بحضور شخصيات دولية مرموقة مثل نائب الرئيس الأميركي السابق مايك بنس ووزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، وبحضور مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.

إقرأ أيضاً: بانتظار التفعيل الدولي لملف حقوق الإنسان في إيران

من خلال تركيب ورفع اللافتات، وإجراء مسيرات صغيرة في الشوارع، وتوزيع المنشورات على نطاق واسع، رفعت وحدات المقاومة شعارات دعماً للمؤتمر السنوي للمقاومة الإيرانية وتأييداً لحملة "المرأة، المقاومة، الحرية"، وكذلك لخطة مريم رجوي ذات النقاط العشر لمستقبل إيران.

وحدات المقاومة اليوم، وإن كان النظام الإيراني يسعى جاهداً لتقليل شأنها ويمارس نوعًا من التعتيم الإعلامي المبرمج ضدها، فإنها باتت تشكل التهديد الأكثر جدية وخطورة على النظام.