هناك العديد من المتابعين للشأن الإيراني ممن يسعون لتعليل اندلاع الانتفاضات الشعبية الغاضبة ضد النظام الإيراني في إطار الأوضاع المعيشية وظروف الحياة الصعبة جداً، ومع إننا لا نقلل من دور وأهمية وتأثير العامل الاقتصادي والمعيشي في إيران على تحريك الشارع الشعبي ضد النظام، لکننا في نفس الوقت نلفت النظر إلى العامل الحيوي والمهم جداً، والمرتبط أساساً بحقوق الإنسان الإيراني، ولا سيَّما حريته المصادرة منذ تأسيس هذا النظام.

من المهم جداً هنا خصوصاً، ونحن في معرض الحديث عن أسباب الانتفاضات الشعبية ضد النظام، أن نلفت النظر إلى أنَّ أول تظاهرة مضادة من نوعها ضد هذا النظام کانت تظاهرة نسوية، وفي الأيام الأولى لتأسيسه، أي في عهد خميني، حيث طافت شوارع طهران رفضاً للحجاب الإجباري الذي فرضه النظام قسراً، ومن المفيد هنا أن نشير إلى أنَّ الهوة بين النظام وبين المرأة الإيرانية ومنذ ذلك الحين آخذة بالاتساع، حتى وصلت إلى حد أن يقوم النظام بإصدار قوانين تعسفية على أساس من الجنس ضد المرأة الإيرانية في مجالي الدراسة والعمل وحتى في الحياة اليومية.

التضييق على الحريات لم يشمل النساء الإيرانيات فقط کما قد يتبادر إلى الأذهان، بل إنه شمل معظم الشعب الإيراني، وبشکل خاص الشباب الإيراني الذي صار المادة الأساسية للسجون والإعدامات من جراء رفضه لذلك التضييق ومطالبته بحريته في التفکير والحياة، ومن دون شك فإن أکثر ما دفع هذا النظام للتضييق على الحريات وتقليصها إلى أبعد حد ممکن، هو خوفه من الفکر الإنساني التحرري، ولعل مجزرة صيف عام 1988، والتي طالت الآلاف من السجناء السياسيين، نموذجاً حياً ووصمة عار بوجه هذا النظام، خصوصاً أنَّ هذه المجزرة قد تم اعتبارها من قبل العديد من المنظمات والأوساط والشخصيات الحقوقية الدولية بمثابة جريمة ضد الإنسانية.

صدور 70 قراراً أممياً يدين إنتهاکات حقوق الإنسان والمرأة وزيادة الإعدامات، دلت وتدل على الواقع المأساوي لحقوق الإنسان في إيران، وحتى ان انتفاضة 16 أيلول (سبتمبر) 2022، قد حدثت على خلفية انتهاکات حقوق الإنسان بالقتل المتعمد لمهسا أميني على يد ما يسمى بدوريات الإرشاد السيئة الصيت، والتي فجرت مکامن الغضب الکبير لعموم الشعب الإيراني ضد النظام، لکن الذي يثير السخرية والتهکم أکثر، هو ان هذا النظام لا يزال صلفاً في التعامل والتعاطي مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ويصر على التضييق عليها إلى أبعد حد ممکن، ومن المفيد هنا الإشارة إلى التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية، والذي تم نشره في يوم الخميس الموافق 4 نيسان (أبريل) الجاري، حيث وصفت سجون النظام الإيراني بأنها "أماكن للقتل الجماعي" بعد إعلانها عن زيادة رهيبة في عمليات الإعدام في إيران.

هذه المنظمة المعنية بحقوق الانسان، أعلنت في تقريرها المشار إليه أعلاه، تنفيذ ما لا يقل عن 853 عملية إعدام في إيران خلال عام 2023، مشيرة إلى أن العدد الذي سجلته المنظمة هو الحد الأدنى، وأنها تعتقد بأن الرقم الحقيقي أعلى.

إقرأ أيضاً: مهرجان النار في إيران: موعد مع الغضب الشعبي

كما أوضحت منظمة العفو الدولية في تقريرها أن التصاعد المستمر لأزمة الإعدام في إيران منذ بداية انتفاضة 2022 يظهر كيف استخدمت سلطات النظام الإيراني عقوبة الإعدام لبث الرعب بين الناس وتعزيز سلطتها. وبحسب التقرير، فإن عدد عمليات الإعدام في عام 2023 هو الأعلى منذ عام 2015، حيث ارتفع بنسبة 48 بالمئة مقارنة بعام 2022، وبنسبة 172 بالمئة مقارنة بعام 2021. وقد استمر هذا الاتجاه المتزايد في عام 2024، حيث تم تسجيل ما لا يقل عن 95 حالة إعدام حتى الأول من نيسان (أبريل).

من المفيد هنا ذکر ما قالته ديانا الطحاوي، نائبة المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، من إن: "من بين الذين أعدموا، متظاهرون ومعارضون وأفراد من الأقليات العرقية المضطهدة، لأنَّ السلطات تستخدم عقوبة الإعدام كأداة لبث الرعب بين الناس ولقمع المعارضة. وبدون رد عالمي حاسم، ستتجرأ السلطات الإيرانية على إعدام آلاف آخرين مع الإفلات من العقاب في السنوات المقبلة".

إقرأ أيضاً: الأزمة الرئيسية في التعليم الإيراني

وفي جزء آخر من تقرير منظمة العفو الدولية، والذي يشير إلى العمليات غير القانونية للمحاكم في إيران، جاء فيه: "صدرت أكثر من 520 حكماً بالإعدام، أي حوالى 61 بالمئة من الأحكام التي نفذتها المحاكم الثورية". هذه المحاكم، التي تفتقر إلى الاستقلال وتعمل تحت تأثير المؤسسات الأمنية والمخابراتية، تستخدم بشكل روتيني "الاعترافات" المنتزعة تحت التعذيب لإصدار أحكام الإعدام في محاكمات موجزة وغير عادلة بشكل كبير.

من الواضح جداً، ومن خلال ما قد سردناه عن ماضي هذا النظام وحاضره المأساويين في مجال حقوق الإنسان، يبين لنا بوضوح الأفق المکفهر لمستقبل هذه الحقوق، ومن أنها تتجه نحو الأسوأ فالأسوأ، وملف حقوق الإنسان هذا سيظل على هذه الحالة طالما لم يتم تفعيله دولياً واتخاذ الإجراءات العملية الملزمة لردعه ودفعه إلى وضع حد لانتهاکاته.