تُعد الرياضة جزءًا لا يتجزأ من الثقافة العالمية، وتنظيم البطولات الرياضية الكبرى يُعتبر مؤشرًا على الكفاءة التنظيمية للدول. وفي السنوات الأخيرة، شهد العالم نجاحًا ملحوظًا للدول العربية في استضافة وتنظيم هذه البطولات، مما يُظهر تطور البنية التحتية والقدرات اللوجستية لهذه الدول. على سبيل المثال، نجحت قطر في تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022، وهو حدث عالمي بارز يُشاهده الملايين حول العالم. وقد أظهرت السعودية أيضًا قدرتها على استضافة مجموعة متنوعة من الأحداث الرياضية الدولية، مما يُعزز مكانتها كوجهة رياضية عالمية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنَّ النجاح في تنظيم البطولات لا يُقاس فقط بالبنية التحتية، بل يشمل أيضًا القدرة على توفير تجربة ثقافية غنية للزوار والمشجعين، وهو ما تميزت به الدول العربية مؤخرًا، مع التركيز على عرض التراث والثقافة العربية. وفي النهاية، يبقى الهدف الأسمى للرياضة هو جمع الشعوب والثقافات المختلفة تحت راية التنافس الشريف والاحترام المتبادل، وهو ما يجب أن يظل في صميم أي جهود تنظيمية للبطولات الرياضية الكبرى.
ولا شك في أنَّ تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى مثل يورو 2024 والأولمبياد يمثل تحديًا كبيرًا لأي دولة، حيث يتطلب جهودًا مكثفة في التخطيط والتنفيذ. وفقًا للتقارير، فإنَّ ألمانيا واجهت الكثير من التحديات خلال تنظيم يورو 2024، مثل مشاكل في السيطرة الأمنية وأعمال شغب من بعض الجماهير. من ناحية أخرى، وفي باريس التي تستضيف الأولمبياد، تعرضت شبكة القطارات الفرنسية لأعمال تخريب تزامنت مع حفل افتتاح هذا الحدث الرياضي العالمي، مما أثر على حركة النقل. كما شهد الافتتاح ذاته جدلاً واسعاً بسبب فقرة معينة اعتبرها الكثيرون في العالم مسيئة، حيث تضمن الحفل مشهداً أعاد تمثيل إحدى اللوحات الشهيرة التي تصور مشهداً دينياً، مما أثار غضب الكنيسة الكاثوليكية وأساقفتها في فرنسا الذين وصفوا المشهد بأنه يحمل استهزاء وسخرية من المسيحية. كما عبر سياسيون محافظون ويمينيون متطرفون عن استيائهم من هذه الفقرة، معتبرين إياها تهكماً على التقاليد المسيحية وتجسيداً لما وصفوه بـ"الخواء" الأخلاقي في الغرب. هذه الأحداث تسلط الضوء على التحديات المعقدة التي تواجه الدول المضيفة للبطولات الرياضية الدولية، وتؤكد على أهمية التخطيط الشامل والتنسيق الفعال بين جميع الأطراف المعنية لضمان نجاح هذه الفعاليات.
واليوم، تتطلع المملكة العربية السعودية إلى تحقيق إنجاز بارز في مجال الرياضة العالمية من خلال استضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2034، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا وفرصة ذهبية لإبراز قدراتها التنظيمية والبنية التحتية المتطورة. تاريخيًا، أظهرت السعودية قدرة على استضافة فعاليات رياضية دولية كبرى، مثل كأس السوبر الإسباني ورالي داكار. مع التركيز على تطوير الملاعب والبنية التحتية الرياضية، تعمل المملكة على تعزيز موقعها كمركز رياضي عالمي، وهو ما يتماشى مع رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز القطاع الرياضي كجزء من الاقتصاد الوطني.
وتظل السعودية ملتزمة بتعزيز مكانتها في عالم كرة القدم، سواء من خلال الاستثمار في الأندية المحلية أو السعي لاستضافة فعاليات دولية كبرى في المستقبل. ومنذ أيام، بارك الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء، ملف ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034 بعد استكمال جميع التفاصيل والاشتراطات للملف استعدادًا لتسليمه للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا". تم تسليم الملف في العاصمة الفرنسية باريس من الوفد الرسمي برئاسة وزير الرياضة رئيس اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية الأمير عبدالعزيز بن تركي بن فيصل بن عبدالعزيز، ورئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ياسر المسحل.
قال الأمير عبد العزيز بن تركي بن فيصل: "نعتزم بهذا الترشح استضافة النسخة الاستثنائية التي تجمع 48 منتخبًا لأول مرة في تاريخ البطولة في دولة واحدة". وأضاف في تصريحات لوسائل الإعلام: "إن الإشراف المباشر من ولي العهد على ملف ترشح المملكة لاستضافة هذا الحدث الكروي الكبير، يجسد حرص سموه على المضي قدمًا نحو صناعة مستقبل الرياضة في المملكة وفق مستهدفات رؤية المملكة 2030، ولنثبت للعالم أجمع ما تمتلكه بلادنا من طاقات شابة قادرة على استضافة أهم وأكبر الأحداث الرياضية العالمية".
تأتي مرحلة تسليم ملف الترشح ضمن سياق مراحل الترشح الرسمية لاستضافة بطولة كأس العالم 2034، ابتداءً بمرحلة إعلان المملكة عبر الاتحاد السعودي لكرة القدم نية الترشح للاستضافة في الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، مرورًا بإرسال الاتحاد السعودي لكرة القدم خطاب الترشح الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم، وإتباعًا بإطلاق الهوية الرسمية الخاصة بملف الترشح التي حملت شعار (معًا ننمو)، وصولًا إلى الإعلان الرسمي عن الدولة المستضيفة للبطولة خلال اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم في شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام الحالي.
وكان السويسري جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، قد أعلن في تشرين الأول (أكتوبر) 2023 منح المملكة العربية السعودية شرف استضافة بطولة كأس العالم 2034، بعد أن تقدمت وحدها لاستضافة البطولة. وبذلك ستكون السعودية ثالث دولة عربية تستضيف المونديال بعد قطر 2022 والمغرب الذي يستضيف الحدث بتنظيم مشترك مع إسبانيا والبرتغال عام 2030.
الطموح نحو تنظيم دولة عربية لكأس العالم والألعاب الأولمبية الصيفية يعكس الرغبة في تعزيز الحضور العربي على الساحة الرياضية العالمية. فالألعاب الأولمبية، بما تحمله من قيم التنافس الشريف والتعاون بين الشعوب، تعد فرصة للدول المضيفة لإظهار قدراتها التنظيمية والثقافية والاقتصادية. وقد أظهرت مصر، على سبيل المثال، اهتمامًا بتنظيم الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2036، مما يمكن أن يمثل خطوة تاريخية ليس فقط لمصر ولكن للعالم العربي بأسره. إن تنظيم مثل هذا الحدث الضخم يتطلب جهودًا مكثفة وتخطيطًا دقيقًا، ولكن النجاح في هذا المسعى يمكن أن يكون له تأثير إيجابي طويل الأمد.
التعليقات