اختفى ما يقارب خمسين ألف باكستاني أثناء دخولهم الأراضي العراقية لأداء مراسم الزيارات الدينية. هذا الرقم المخيف أفصح عنه وزير الشؤون الدينية الباكستاني الذي أوضح أن هؤلاء الأشخاص تبخّروا لدى دخولهم العراق.

لا يشير هذا الرقم الكبير من المتسللين الباكستانيين داخل الأراضي العراقية فقط إلى تزايد العمالة غير القانونية في العراق من خلال انخراط الكثير منهم في سوق العمل بدون التصاريح القانونية المطلوبة، ولكن الخطورة تكمن في التأثير الكبير لهؤلاء على الأمن الوطني العراقي والسلم الأهلي.

في عملية أمنية جرت مؤخراً، ألقت القوات الأمنية العراقية القبض على ستة باكستانيين يهددون المواطنين. قاموا باستئجار إحدى الدور السكنية في منطقة الگريعات ببغداد، التي تقع ضمن الطريق المؤدي لسير الزوار إلى المراقد الدينية، حيث قاموا بتهديدهم وتسليبهم. بالطبع، العصابة التي أُلقي القبض عليها مؤخراً لم تكن الأولى في جرائمها، فقد سبقتها جرائم لعصابات الجريمة المنظمة، أبطالها وافدون من دول الجوار. كان من بينها إطلاق النار من قبل وافد باكستاني على مجموعة من المواطنين أثناء مأدبة إفطار جماعي في شهر رمضان الفائت قرب جامع أبو حنيفة في الأعظمية ببغداد وإصابة أحد منتسبي الشرطة.

لأغراض الزيارات الدينية، يدخل هؤلاء إلى العراق بجوازات سفر قد تكون مزورة أو بتواطؤ من الداخل العراقي لاستدراجهم إلى السوق العراقية أو تشغيلهم متسولين في الشوارع تحت رعاية مافيات محلية مقابل مبالغ مالية تُستخدم في الأعمال الإجرامية والإرهابية من خلال تجنيدهم كمقاتلين في صفوف داعش.

في كل دول العالم، يواجه السائح شروطاً ومتطلبات أمنية منذ لحظة دخوله المنافذ الحدودية أو المطار حتى مكوثه في الفندق، من معلومات وتدقيق يجعل من العثور عليه أو مراقبته من الأمور السهلة. إلا في العراق، فقد تبخّر الكثير من الوافدين من جنسيات باكستانية وإيرانية وأفغانية وغيرها من دول عربية، وجدت في هذا البلد ملاذاً آمناً وفرصة للاستثمار غير المشروع عبر التسول وتجارة الرقيق وإنشاء عصابات للسرقة والابتزاز.

أكثر من خمسين ألف باكستاني فُقدوا داخل العراق، والمصيبة بل الكارثة أن الذي أعلن عن هذا الرقم هو وزير باكستاني وليس جهة عراقية، يكشف رقماً مهولاً لأبناء جلدته دخلوا العراق ولم يخرجوا منه. فيما لم تنتبه الحكومة العراقية طوال سنوات، بل لم تستطع أن تنظم حجم الداخلين والخارجين من الزائرين الذين يرومون زيارة الأماكن المقدسة أثناء المواسم الدينية.

هذا الرقم من الباكستانيين فقط، فيما لا تزال أرقام الجنسيات الأخرى من الإيرانيين والأفغان وغيرهم غير معروفة أو مبهمة، أو هكذا يُراد لها أن تبقى. بينما يعيش المواطن العراقي أحلك أيامه وهو يعاني شح فرص العمل وصعوبة الحياة وصراع من أجل البقاء مع سلطة لا تهتم لأمره. تأتي تلك الأعداد لتضيف عبئاً على العراقيين ليس اقتصادياً فحسب، بل اجتماعياً من خلال تخريب واقع الأسرة العراقية بترويج المخدرات والأفعال اللاأخلاقية، إضافة إلى عصابات الجرائم المنظمة التي بدأت تنشط في مدن العراق.

لا يُعرف رد الفعل الحكومي تجاه هذه التصريحات حول أعداد دخول الوافدين إلى العراق، وإن كانت ربما تجري تحت رعاية وترغيب من دولهم لتسجيل موطئ قدم لهم.

التمادي وعدم المبالاة من هذه الأرقام المخيفة التي تستوطن العراق ربما يُراد لها تخريب البنية المجتمعية لهذا الشعب، والأهم هو استنزاف اقتصاده المتهاوي.

جيوش من الوافدين بأعداد لا يُستهان بها ومن دول مجاورة أو بعيدة تدخل العراق لأسباب معلنة ظاهرياً يُراد تبريرها، لكن في حقيقتها لأغراض التوطين والبقاء في هذا البلد المنهك أصلاً. فهل هي رسائل مقصودة؟ وهل تجرؤ الحكومة العراقية على اتخاذ صولة لتحييد تلك الأعداد الداخلة؟ لا نعلم، أو ربما نعلم أنها لا تستطيع.