الجاهل إذا أراد أن يمتدح الحجاب بالنسبة إلى المرأة، فإنه يقارنها بالمرأة العارية، فيجعل العري مقياساً لأهمية الحجاب، وكأن الدنيا ليس فيها إلا العري أو الحجاب. ينسى هذا الجاهل أن المقصود بالحجاب دينياً هو غطاء شعر الرأس بقطعة قماش، بينما العري هو عري الجسد. فكيف أقنع الجاهل نفسه بهذه المقارنة ثم فرح بمقارنته؟ هذه مقارنة خائبة.

الجاهل إذا انتقدته يفهم النقد كإهانة، لأنه يعتقد أن النقد إهانة. وإذا مدحته يشعر بالعظمة والغرور. وإذا سايرته في أفكاره مجاملة أو حقيقة، اعتبرك سنداً وعضداً له. وإذا عاديته، فإنه يبدع في الانتقام منك. في كل الأحوال، يفهمك الجاهل خطأً سواء أكان بالنقد أو المدح أو المعاداة أو المسايرة. السبب وراء كل ذلك هو البناء الفكري الخاطئ، فكل ما بُني على خطأ فهو خطأ.

في عالم الحيوان، هناك بعض الحيوانات سهل الانقياد للإنسان، وبعضها صعب الانقياد. الجاهل يحمل الصفتين معاً، فهو سهل الانقياد عندما تقوده إلى الطريق الخطأ، وصعب الانقياد عندما تقوده إلى الطريق الصحيح. لأنَّ الانقياد إلى الطريق الخطأ يحافظ فيه على جهالته وعدم المساس بها، والانقياد إلى الطريق الصحيح يستوجب الخروج من جهالته، وهذه معضلة كبيرة لا يتحملها.

عندما يتنازع الجهلاء مع العقلاء، يحاولون النيل من العقلاء ومن سمعتهم ومن مكانتهم ويحاولون كسر شوكتهم. تماماً عكس العقلاء الذين يتنازعون مع الجهلاء لينقذوهم من شرور الجهل ويعيدوهم إلى الحياة. الجهلاء لا يحاربون العلم بل يحاربون حملة العلم، والعقلاء لا يحاربون الجهلاء بل يحاربون الجهل ذاته. لذلك، العقلاء دوماً ضحية الجهلاء، والجهلاء دوماً ضحية أنفسهم. ولا يستطيع الجهلاء إدراك هذه الحقيقة مهما فعلوا لأنَّ الحجاب الذي يمنع عقولهم من التحرر وإدراك الحقيقة هو حجاب حجري استقر فوق هاماتهم. فما زالت العصور الحجرية التي قرأناها في التاريخ قائمة إلى يومنا هذا عند كثير من الناس، وهذه من أكبر تحديات الثقافة على مر العصور.

إقرأ أيضاً: من يقل يفعل!

الجاهل يلعن الشيطان ألف مرة يومياً، وفي مخيلته أنَّ الشيطان يتجسد في العاقل والمثقف والعالم، ولا يدري أن الشيطان الحقيقي هو ذلك الحجاب الحجري الذي يمنعه من رؤية نور العلم ونور المعرفة. من الطرائف التي نصادفها في حياتنا، أنَّ الكل يشكو من الجهل والجهلاء، ومن ضمنهم الجهلاء أنفسهم، يشكون من جهالة الآخرين حسب تصورهم. هذا يثبت أن الجهل قوة خفية لا تظهر نفسها في عقول الجهلاء، فالجهلاء يظنون أن كل من يخالفهم الرأي جاهل. كلنا نعرف أن أفكار وآراء الجهلاء ثابتة وغير قابلة للتلاعب والتغيير إلا من قبل الشخص أو الجهة التي وضعتها في أدمغتهم. فإن كان هذا الشخص قد رحل عن الحياة، فهذا يعني أن الأفكار التي زرعها في عقل الجاهل ثبتت للموت. بينما العقلاء مقياسهم للجهل هو كل ما ينتج عنه الضرر للنفس وللمجتمع، والعقل العلمي هو القادر بسهولة على إبعاد هذا الضرر ومسبباته. رغم ذلك، تتمسك الناس المغيبة عقولهم عنوة بهذا الضرر وتتحمل تبعاته، لأنَّ البديل الصحيح لا يستطيع الولوج إلى العقول المتحجرة ولا يفسح المجال له ليجد طريقه إلى العقول. فقد حرمت عليهم المعرفة مثلما حرم النظر على الأعمى. فلا الجاهل يستطيع إدراك هذه المعلومة ولا العاقل قادر على إيصالها لعقل الجاهل. هذا هو سر بقاء الجهل يسرح ويمرح في عقول الناس دون أن يهزم بشكل نهائي.

إقرأ أيضاً: لماذا حذر ترامب من حرب عالمية ثالثة؟

لأجل أن نتعلم كيف نهزم الجهل من عقول الناس، فلنتطلع إلى الطرق التي سلكتها الشعوب المتقدمة التي لم تدخر جهداً في العمل الدؤوب ليلاً ونهاراً لعشرات السنين، وصرفت أموال طائلة لبناء المؤسسات البحثية والتعليمية والتربوية والإعلامية، وتوفير البيئة المناسبة لتقبل المعارف وتحسين سبل العيش، والاهتمام الكبير بالصحة خاصة صحة الأطفال. هذا يدل على أن هزيمة الجهل ليست ببضع كلمات ونصائح وحكم أو بموعظة يلقيها واعظ أو باستخدام السياط أو قال فلان وروي عن فلان. فهذه الأساليب لم تزل الجهل عن مجتمعاتنا منذ آلاف السنين بل زادت من وتيرة الجهل حتى أصبحت صفة وراثية تنتقل من الآباء إلى الأبناء. وإنما هزيمة الجهل تتم بالعمل الجبار الهائل الذي يستنزف الطاقات والأموال ولفترات زمنية طويلة. فهي تضحية كبيرة من أجل إنقاذ الناس من مخالب الجهل. الأموال الطائلة والمدد الزمنية الطويلة وسهر الليالي والإصرار يمثل الفارق الملموس بين الشعوب المتخلفة الجاهلة والشعوب المتعلمة العالمة. سيبقى هذا الفارق قائماً ويتوسع مع مرور الزمن، لأننا شعوب تريد أن تقضي على الجهل بطرق جاهلية!