تخليد الذكرى العاشرة لمجزرة نفذتها القوى الظلامية والعصابات الإرهابية المارقة في شنكال وضواحيها في آب (أغسطس) 2014، والتي أضافت مأساة جديدة إلى مآسي الأنفال سيئة الصيت وكارثة حلبجة والإبادات الجماعية، يعني استذكار أرواح الضحايا والالتزام بتكريمهم، والتضامن مع ذويهم ومع الناجين والناجيات، ونصرة الحق على الباطل وإدانة وحشية داعش. كما يعني التأكيد على أننا شركاء معهم في السراء والضراء، وفي ترتيب الأولويات ووضع النقاط على الحروف للانطلاق بتفاؤل نحو مستقبل جديد، ندأب على جعله مختلفًا بإرادة واعية تستكشف نقاط القوة لتطوير منظومة التعامل مع الواقع ومتاهاته ومحاولة مواءمتها مع متطلبات المرحلة.

خلال أيام الفاجعة حدثت أمور بشعة لم تكن في الحسبان، وأعاد التاريخ نفسه بأسلوب أوقح ووجه أقبح. أصبحت الحرب ضد داعش الإرهابي معركة وجودية لشعب كوردستان وكيانه بكل ما في الكلمة من معنى. أما تعاطي الذين يُفترض أنهم شركاء ولهم أهداف مشتركة معنا ومصالح تحكم علاقاتنا، وتراخيهم في الاضطلاع بالمسؤوليات الوطنية واستمرارهم على سياسة الازدواجية في اتخاذ القرارات والكيل بمكيالين، والانتقائية في الالتزام بالدستور، فقد أدمت القلوب وأصابتنا بخيبة أمل كبيرة ودفعتنا نحو التشكيك في موثوقية ومصداقية من حولنا والشعور بعمق المأساة ومرارة التعايش معهم. بالذات عندما ظهرت تقارير تؤكد أن ظهور داعش وحصوله على ترسانة ضخمة من الأسلحة المتطورة لم تكن عملية مفاجئة، بل كانت مدبَّرة وتم التمهيد لها في أروقة الدوائر المخابراتية بهدف تغيير قواعد اللعبة في المنطقة.

في هذه الأيام، ونحن نستذكر تلك الكارثة، لا بد من إجراء جردة حساب لإنجازات ونجاحات الجهات المعنية بالأمر خلال الفترة المنصرمة، ولا بد أن نذكر بفخر المواقف الشجاعة والحكيمة للرئيس مسعود بارزاني تجاه الإيزيديين وتحرير مناطقهم من قبل قوات بيشمركة كوردستان. كذلك مواقف الرئيس نيجيرفان بارزاني حينما أدرك أن مصير الأخوات والإخوة الإيزيديين المختطفات والمختطفين من قبل الدواعش على المحك، وأن الملاذ الوحيد وفق ضرورات تلك المرحلة الدقيقة التي توقفت عليها مصير عشرات الآلاف من أبناء وبنات شعب كوردستان هو الركون إلى العمل العقلاني الذي يحتم المراقبة بدقة والمشاركة بفاعلية وحماسة في إنقاذهم، عبر مكتب خاص تابع له يعمل على إنقاذ المختطفين من جهة، وتحريك ضمائر الشرفاء في كوردستان والعراق والعالم من جهة أخرى، وتحميل جميع الأطراف حجم المسؤولية الإنسانية الملقاة على عاتقها بعيدًا عن أية حساسيات قومية أو دينية، والاستمرار في معترك عملية إنقاذ هؤلاء بموقف موحد يعبر عن تطلعات إنسانية قبل أن تكون قومية أو وطنية. وما حدث خلال الأعوام العشرة الماضية أثبت رجاحة ووجاهة مواقف الرئيس نيجيرفان بارزاني الداعية إلى تكثيف الجهود وتوحيدها بين مختلف الأطراف بغية تفعيل الآليات الملائمة والسعي لمعالجة المشكلات والقضاء على السلبيات والنواقص الموجودة، وبالتالي تعزيز الإجماع الكوردستاني إزاء المخاطر.

وفي الختام، لا بد من القول إنَّ عدم تنفيذ اتفاقية تطبيع الأوضاع في شنكال يعتبر إشارة واضحة مليئة بالمخاطر، تثبت أن المصالح السياسية المتنوعة والمتعددة، المرحلية والدائمة، لهذا الطرف أو ذاك هي التي تفرز وتحدد طبيعة الصداقات والخصومات. كما ينبه الكورد تجاه الذين يزعمون أنهم حلفاؤهم التاريخيون وأنهم مقربون جدًا منهم، لكنهم في وقت الحاجة، وخلال خرق الاتفاقات والقانون والدستور والشراكة لا يحركون ساكنًا، بل حتى لا يقولون شيئًا. ويؤكد أن هناك من يحاول أن يقوي نفسه بخلق الأزمات وتحويلها إلى صراع بين الكورد والعرب، ويراهن عليه. والدعوة التي سمعناها قبل أسابيع بشأن فصل الإيزيديين عن الكورد وتثبيتهم كقومية مستقلة، متاجرة سياسية خبيثة لا تختلف في جوهرها وأهدافها عن المتاجرة الدينية الداعشية التي دعت الإيزيديين لترك ديانتهم الأصلية.