في حين يواجه علي خامنئي، الزعيم البالغ من العمر 86 عامًا للنظام الإيراني، تحديات كبيرة في مسألة خلافته، فإنّ اختيار مسعود پزشكيان غير المتوقع لرئاسة الجمهورية قد زاد من تعقيد المعادلات السياسية.

هذه المقالة تستعرض تبعات هذا الاختيار على مستقبل النظام وآفاق التحولات السياسية في إيران.

خلافة خامنئي: تحدٍ أكبر من مجرد رئاسة الجمهورية
قضية الخلافة بالنسبة إلى خامنئي، الذي يقترب من عامه السابع والثمانين، تشكل هاجسًا كبيرًا له. لقد راهن خامنئي على إبراهيم رئيسي بشكل كبير في السابق، ولكن بعد مقتله وعقب رئاسة مسعود پزشكيان، تغيرت المعادلات. رغم أهمية قضية الخلافة بالنسبة لخامنئي، إلا أن قلقه الرئيس الآن يتمثل في الانتفاضات الشعبية والتهديدات التي تواجه استقرار النظام.

المشكلة الأساسية بالنسبة لخامنئي هي الحفاظ على وحدة النظام واستمراريته بعد وفاته، ولكن اختيار پزشكيان الذي يُعتبر من التيار الإصلاحي، جعل هذه المعادلة أكثر تعقيدًا.

الحرب في غزة: درع لمواجه الانتفاضة الداخلية؟
يستخدم النظام الإيراني الحرب في غزة كدرع لمواجهة الانتفاضات الداخلية. في الواقع، يفهم النظام الأزمات جيدًا ولا يستطيع تنفيذ كل ما يرغب فيه، بینما بقاء النظام هو الأولوية الرئيسية له.

الحرب في غزة تصرف الانتباه عن المشاكل الداخلية، وتمنح النظام فرصة تقديم نفسه كبطل للمقاومة. لكن هذه الاستراتيجية لن تكون فعّالة على المدى الطويل.

توقعات زعيم المقاومة: ناب الكلب في جلد الخنزير
قبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية للنظام، قال مسعود رجوي، زعيم المقاومة الإيرانية، في رسالة موجهة له عبر وسائل اعلام المقاومة: " ناب الكلب في جلد الخنزير، وهناك احتمال أن يرضى خامنئي ببزشكيان". وقد تحقق هذا التوقع الآن.

بإدلائه بهذا التصريح، أوضح رجوي أنه لا يوجد فرق كبير بين التيارات المختلفة في النظام، فسواء كانوا متشددین أو إصلاحيين، فهم جميعًا جزء من نظام فاسد من وجهة نظره.

رؤيتان حول اختيار پزشكيان: هندسة خامنئي ام هزیمة خامنئي؟
هندسة خامنئي:
يعتقد البعض أن صعود پزشكيان كان بتدبير من خامنئي، حيث يسعى الأخير لضمان مستقبل نظامه لجيل قادم. يعرف خامنئي أن سياسة الإنكماش قد فشلت ويحتاج إلى شخصية معتدلة.

من الممكن أن يخفف انتخاب پزشكيان من الضغوط الدولية إعطاء النظام فرصة للراحة، لكن يبقى السؤال: هل ستنجح هذه التعبئة داخل البلاد؟

هزيمة خامنئي :هناك رأي آخر مفاده أن خامنئي قد هُزم أمام التيار المنافس، وعدم قدرته على إقصاء پزشكيان يدل على ضعفه. قد يكون هذا بداية فترة جديدة من الصراعات الداخلية في النظام.

تُشير هذه النظرية إلى أنه إذا كان لدى خامنئي القوة الكافية، لكان بإمكانه فرض المرشح الذي يريده كما فعل في الماضي. وهذا يدل على أن توازن القوى في النظام آخذ في التغير.

التحديات والفرص المقبلة
قال أحد النواب في البرلمان "إن پزشكيان هو مؤسس الإصلاحية الحديثة، ولكن وصوله قد يعمّق الانقسام في رأس السلطة، وهذا قد يكون لصالح الحركات الشعبية".

أعلنت منظمة مجاهدي خلق في بيان لها بتاريخ 1 تموز (يوليو) 2024: "نحن نرحب بأن يأتي "الكلب الأصفر بدلاً من ابن آوى" (کنایة بالمثل العربي: "ناب الكلب في جلد الخنزير) . هذا يدل على أن النظام في موقف ضعف وأنه مُجبر على التراجع".

"قد يُحدث انتخاب پزشكيان ضجةً داخل إيران لبضعة أيام أو أسابيع أو حتى أشهر، ولكن يجب ألا ننسى أن البنية الأساسية للسلطة لا تزال تحت سيطرة خامنئي والمؤسسات التابعة له".

الختام وآفاق المستقبل
رغم أنه من المحتمل أن الإصلاحيين قد يثيرون ضجيجاً على المدى القصير، فإن الانقسام الذي حدث في السلطة قد يوفر فرصة للانتفاضة الشعبية. الشعب الإيراني، من خلال مقاطعته الواسعة للانتخابات، قد أعلن عن رغبته في تغيير جذري.

اختيار پزشكيان يظهر أن النظام يسعى للتكيف مع الظروف الجديدة. ولكن السؤال الأهم هو: هل هذا التغيير الظاهري يمكنه حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية العميقة؟ يبدو أن الإجابة هي لا.

في النهاية يجب أن نؤكد على أن لن يُحدد مستقبل إيران بالمناورات السياسية في رأس الحكم، بل سيتحدد من خلال الحركات الشعبية. قد يكون انتخاب پزشكيان هو المحاولة الأخيرة للنظام للحفاظ على سلطته، ولكن إذا لم تحدث تغييرات جوهرية، فإن هذه المحاولة محكوم عليها بالفشل.