لأن الإنسان طموح منذ الخليقة، ولم يكن راضياً بما يملكه من القدرات الجسدية والذهنية، بحث في الارتقاء بذاته نحو الكمال.

ولقناعته بأن الكمال المطلق مستحيل لذاته، فكان لا بد من خلق صورة لشخصه في أبعاد معرفته بالكون، وأحاطها بهالة من القدسية، تعمق وتوسع فيها، وأضاف عليها من الأوصاف والسمات مع مراحل تطور مداركه، فكانت (الآلهة) بكل مسمياتها بين الشعوب، ومن ثم (الإله والله) في الأديان السماوية، وجميعها أوصاف ومسميات للذات الإنسانية الخارقة.

وبجدلية المقارنة بينه وآلهته، نجد أن آلهته هي ذاته الكاملة والتي لا حدود لمطلقه.

عند بعض الشعوب، التجسيد طاغٍ، أي أنه هو الإنسان ذاته في صورة الكمال المطلق. ولدى شعوب أخرى، الرب مجموعة من الطاقات، تتجاوز المادة والتجسيد.

وللطبيعة والقدرات الذهنية دور في هذا التمييز، مثلما للمراحل التاريخية والوعي والتراكم المعرفي تأثير على تنوعه، أي تنوع الآلهة.

فالإنسان في الواقع دون معرفة: وجود الإله أو الآلهة من عدمه، وطبيعة مسيرة الكون، ومصير مخلوقاته، ليس فقط مخلوقات الأرض، بل كلية الكون، والإنسان الذي لا يزال دون مستوى الإحاطة بأبعاده، بل وحتى بأبسط جزء من محتوياته، فما بالك بخلفيات وجود هذا الكون.

إنها جدلية أبدية الحوار، تكاد تكون عقيمة. فلنعد إلى الأرض دون الكون، ولنهبط في كوردستان، ونستقر في غربه، سنجد أننا لا زلنا دون سوية معرفة كيفية تكوين ليس الكون، بل الدولة. ليس إلهنا، بل حراكنا السياسي الكوردي. ليس الاتفاق على تسيير المنطقة، بل الحوار على الخلافات.

بالرغم من أننا نطمح لأن نكون حركة على سوية تحرير كوردستان، وليس لمعرفة وجود أو عدم وجود الله، نطمح في تطوير ذاتنا لبلوغ مرحلة خلق إله مجسد على الأرض يحمينا، أي دولة على مقاس جغرافية كوردستان، وبالرغم من جماليات هذا الطموح ذهنياً، لكن في الواقع العملي لم نتمكن من تطوير قدراتنا السياسية لنبلغ مستوى ثقل كوردستان كقضية، فسقط معظمنا في جدلية البديل، وهي التكالب على الدول الجاهزة التي تحتضننا وتحتلنا، نغطيه بغطاء الوطنية والعيش المشترك، وعلى هذه أيضاً نتخاصم، من يجب أن نتبع.

قرن وأكثر من الزمن ولا زلنا دون معرفة الله والكون ومتطلبات كوردستان، فنستمر في عبادة آلهة الآخرين، وتحت حماية دولهم وحكوماتهم، نخدم مصالحهم، نتفاوض ونتخاصم متى ما يرغبون، يفرضون علينا عدم الاتفاق على سمات العقد الإلهي، والتي هي الدروب المؤدية إلى كوردستان؛ الدولة الحاضنة والحامية لشعوبها.

من المؤلم القول إننا لا زلنا دون الارتقاء الذهني إلى سويتها، مثلما لم يرتقِ الإنسان لمعرفة الله، أو أبعاد الكون، بالرغم من البون الهائل بين الجدليتين.

فما لنا سوى أن نعود إلى البدء، ونطمح بولادة حركة تنويرية، ترقى بالإنسان الكوردي إلى مستوى ليس معرفة الله، والكون، بل كيفية الارتقاء بالشعب وحراكه إلى حيث القدرة على تحرير كوردستان كدولة ديمقراطية عصرية.