عندما نتحدّث عن (الاستعمار) فإننا نتحدَّث ببساطة عن دول قوية اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وصناعياً تبسط نفوذها على بلدان ضعيفة سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وحداثةً، قصد الاستفادة من ثرواتها الطبيعية الهائلة التي تزخر بها، سرقةً ونهباً، في غياب أي وعي شعبي لهذه البلدان.

لقد قامت الدول الغربية الاستعمارية (فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والبرتغال...) وغيرها بالسيطرة على بلدان ضعيفة في القارة الإفريقية، على الخصوص، وبدأ ذلك في القرن التاسع عشر حيث جاءت بشركاتها العملاقة التي تقوم بالتنقيب عن مختلف المعادن في هذه البلدان وإقامة زراعات حديثة من أجل تنمية بلدانها وتقوية اقتصاداتها وترفيه شعوبها من خلال نهب هذه الموارد الطبيعية وغيرها على حساب الشعوب المُستَعمَرة والمحتلة أراضيها. خلال هذه الفترة الاستعمارية، لعبت طبقة من الأثرياء المثقفين في هذه البلدان دوراً أساسياً في تنظيم الحركات المقاومة الشعبية وتحريضها، عن بُعد، ضد الاستعمار لإجباره على الخروج من بلدانها. استطاعت هذه الطبقة (الثرية المثقفة) نشر فكرة المقاومة على أوسع نطاق في أوساط هذه الشعوب، وبذلك تشكلت خلايا من المقاومة الشعبية التي تأتمِر بأوامرها وتتبّع المنهج الذي سطّرته لها في أساليب المقاومة والدفاع عن أوطانها من المستعمر.

خاضت هذه الخلايا المقاومة حرب عصابات مع المستعمر دامت عقوداً من الزمن، واضطر بفعل وطأة وشدة المقاومة، للخروج من هذه البلدان. لكن، قبل مغادرته لهذه البلدان ومنحها (الاستقلال)، قام بإبرام اتفاقيات سرّية مع الطبقة (الثرية المثقفة)، هذه الاتفاقيات التي منحت لهذه الطبقة حكم هذه البلدان وفق شروط المستعمر التي تتجلّى في اتباع سياسته في المحافظة على مصالحه في هذه البلدان والائتمار بأوامره وتقاسم الثروات معه، والسماح لشركاته بالانتشار في ربوع هذه البلدان. ولكي تضمن الطبقة الحاكمة ديمومة الحكم قامت بإفقار الشعوب وتجهيلها وإقصائها حتى لا تثور في وجهها، كما ثارت في وجه المستعمر.

إقرأ أيضاً: بَوادِر انْهزام إسرائيل تلوح في الأفق؟

استولت الشرذمة الحاكمة (وارثة الاستعمار) على كل الثروات الطبيعية للبلدان كما استولت على أحسن الأراضي الفلاحية التي خصصتها لزراعة جميع أنواع المزروعات، علاوة على إنشائها شركات في كل القطاعات من صناعة الألبسة والصناعات الغذائية وغيرها واستولت على الأسواق الداخلية وتتحكم في أسعار جميع المواد.

بسطت هذه الثلة الحاكمة نفوذها على هذه الشعوب تسوقها أنى شاءت وكيف شاءت كقطعان أنعام، وكل من تسول لهم أنفسهم من هذه المجتمعات فضح ممارساتها وأساليبها المشينة في إدارة أمور وتدبير شؤون هذه البلدان فمصيره السجون من أجل إسكاته وجعله عبرة للآخرين.

إقرأ أيضاً: مجزرة النصيرات تُدمي القلوب

هذا الاستعمار الجديد (الطبقة الحاكمة) يستمد قوته من الاستعمار القديم الذي يحمي كراسيه وعروشه الهشة المهزوزة من ثورات الشعوب التي ما فتئت تظهر في بعض هذه البلدان، فيسعى الاستعمار القديم إلى مساعدة الاستعمار الجديد في إخماد نيرانها بكل الوسائل السياسية منها والأمنية.

من الملاحظ أن شعوب بعض هذه البلدان قامت بثورات عارمة ضد حكامها واستطاعت إسقاط هذه الأنظمة الشمولية، ومحاولة إنشاء ديمقراطية حقيقية تتداول فيها سلطة الحكم بين أبناء هذه الشعوب، ولكن سرعان ما قامت الدول الاستعمارية بإفشال هذا الانتقال الديمقراطي بتدخلها في شؤون هذه الدول، قصد تنصيب جنرالات الجيش وإنشاء نظام حكم عسكري دكتاتوري أو إنشاء نظام مدني دكتاتوري، والذي يكتسي في غالبية الأحيان مظهر وشكل ديمقراطية زائفة، ذلك أن الدول الاستعمارية تجد في الأنظمة العسكرية والأنظمة المدنية الشمولية الراعي الأمين لمصالحها في هذه البلدان لأنها ترى في الديمقراطية تهديداً حقيقياً لمصالحها، ولذلك تقف حجر عثرة أمام قيام أي ديمقراطية في مستعمراتها حتى تحافظ على استمرارية وديمومة مصالحها فيها.