برز غرب كردستان، المعروف أيضًا باسم روجافا، كنقطة محورية في الشبكة المعقدة للصراعات والتحالفات التي تشكّل الأزمة السورية. في تقاطع مصالح تركيا، الأكراد، سوريا، واللاعبين الدوليين، تقف هذه المنطقة الآن على أعتاب تغييرات جيوسياسية كبيرة. مع تصاعد التوترات بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، يواجه غرب كردستان منعطفًا حاسمًا: التقدم نحو تسوية دبلوماسية أو الدخول في دورة جديدة من التصعيد العسكري.

تحديات الحصار
على مدار سنوات، لعبت قوات سوريا الديمقراطية (SDF) دورًا حيويًا كحليف رئيسي للتحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش. ومع ذلك، لم يتحقق لهذا الدور اعترافٌ إقليمي أو دولي كافٍ، بسبب العراقيل التي تضعها تركيا، التي تتهم قوات سوريا الديمقراطية بالارتباط بحزب العمال الكردستاني (PKK)، والذي تعتبره أنقرة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.

ورغم الإنجازات العسكرية المهمة التي حققتها قوات سوريا الديمقراطية، مثل استعادة العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش، وتطبيق نموذج الإدارة الذاتية، إلا أنها تواجه عراقيل سياسية، اقتصادية، ودبلوماسية مفروضة من تركيا وحلفائها. هذه الضغوط أجبرتها على الاعتماد بشكل كبير على الدعم الأميركي، بينما تواجه تحديات متعددة من النظام السوري الذي يسعى لاستعادة السيطرة الكاملة على المناطق الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية.

رؤية تركيا للأمن
تتمحور استراتيجية تركيا في روجافا (شمال شرق سوريا) حول إنشاء "منطقة آمنة" بعمق 30 كيلومترًا على طول حدودها. وتهدف هذه المنطقة العازلة إلى منع صعود أي كيان كردستاني يمكن أن يشكل تهديدًا لتركيا. ومع ذلك، أدى هذا النهج إلى مواجهات مباشرة مع القوات الكردية وأثار تساؤلات حول تداعياته على الاستقرار الإقليمي.

دور اللاعبين الدوليين
يزداد المشهد الجيوسياسي في غرب كردستان تعقيدًا بسبب تداخل مصالح اللاعبين الدوليين. ففي حين تدعم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية كشريك في مكافحة الإرهاب، تدعم روسيا وإيران جهود النظام السوري لاستعادة السيطرة الكاملة على الأراضي السورية. وفي الوقت ذاته، تراقب إسرائيل التنافس التركي الإيراني بهدوء، مما يدفعها إلى تعزيز مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. هذا التداخل في الأجندات يخلق مزيجًا متقلبًا يهدد بمزيد من التصعيد، إذا لم تُجرَ حوارات هادفة.

طريق نحو السلام
بالرغم من التوترات المتصاعدة، لا تزال فرص السلام قائمة. يتطلب تحقيق الاستقرار المستدام معالجة المخاوف الأمنية لتركيا وتطلعات السكان الأكراد إلى الحكم الذاتي. وتشمل خارطة الطريق المحتملة:

1. إنشاء آلية حوار مشترك: جمع تركيا وقوات سوريا الديمقراطية بمشاركة وسطاء دوليين.

2. ضمانات أمنية متبادلة: التزام قوات سوريا الديمقراطية بمنع الهجمات عبر الحدود على تركيا، مع مراقبة دولية.

3. التعاون الاقتصادي: تنفيذ مشاريع تنموية تعزز المصالح المشتركة.

4. الاعتراف بالحكم الذاتي المحلي: اعتراف تركيا بإدارة لامركزية ضمن سوريا موحدة.

الاستنتاج
يقف غرب كردستان في لحظة حاسمة من تاريخه. سواء تقدّم نحو الحوار والتسوية أو تحوّل إلى ساحة صراع متجدد، يعتمد ذلك على استعداد جميع الأطراف لإعطاء الأولوية للاستقرار على المكاسب القصيرة الأجل. السلام يمكن أن يحول المنطقة إلى نموذج للتعايش، لا يفيد سوريا فحسب، بل يمتد أثره الإيجابي إلى الشرق الأوسط بأسره.