في سبيل المقارنة بين شريحتين من الجيل الجديد، لاحظت، وبعد سماع مقابلات عدة مع الشريحة الشبابية من الكورد، تلفزيونية أو في حوارات على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تم فيها تناول مواضيع متفرقة حول قضاياهم الثقافية أو عن المنطقة، أن هناك هوّة لغوية تقسم المجتمع الشبابي، وفرقاً شاسعاً بين نقاء اللغة وجماليتها من جهة، والشائبة أو الغارقة بالكلمات العربية في الجهة الأخرى، بل وحتى يمكن القول الضائعة، والتي لا يظهر منها سوى قواعدها.

1- شريحة لغتهم صافية، من النادر أن يتم استخدام الكلمات أو المصطلحات العربية، وبقواعدية كوردية متينة، ويتحدثون بسلاسة ودون تكلّف. هؤلاء طلاب المدارس التي يتم فيها التدريس باللغة الكوردية.

2- وأخرى غارقة في الكلمات العربية، بل وبعضهم لا يستخدمون إلا القليل من الكلمات أو المصطلحات الكوردية، وبقواعدية ضحلة. ولا شك بينهم طفرات، وأذكياء في مدارسهم. هؤلاء طلاب مدارس النظام أو الخاصة التي تُدرّس بالعربية.

في الواقع، ولا بد من الانتباه إلى أن اللغة الكوردية على يد الشريحة الثانية في خطر لا يقل عن خطر الجيل المهاجر عليها، والذي يكاد أن ينسى لغته. بل وأحياناً، اللغة المهشّمة والملوّثة أكثر خطورة من عدم استخدامها، وليس نسيانها أو إهمالها.

نحن هنا لا نتحدث عن مستقبل الجيلين، وهي رؤية كتبنا عنها سابقاً، بل عن مستقبل اللغة الكوردية، والتي دخلت السوية الأكاديمية بفضل فرض التدريس بها.

مقابل الشريحة التي أصبحت تستخدمها نقية، ليس فقط في المراكز الثقافية أو أمام الإعلام، بل في الأحاديث اليومية، وفي البيت والشارع، أي على يدهم تم إنقاذها من الذوبان في اللغة العربية، الكارثة التي تتفاقم في شمال وشرق كوردستان، خاصة في العقود الأخيرة، وحيث شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت، والتي لم يعد للريف الكوردي ذلك الجدار المحمي وحيث العزلة التي بها تم الحفاظ على نقاء اللغة.

فقط استمعوا عندما تتم المقابلات مع هذا الجيل، وقارنوا بينهما، ستجدون مدى البون الواسع بين الشريحتين اللتين لا شك تؤثران على العائلة والمجتمع وقادم اللغة.

ظهر عدد من الإعلاميين والإعلاميات المتحدثين بنقاء وسلاسة لغوية رائعة، وأنا لا أتحدث عن أبناء باكوري كوردستان الذين يسهل لهم قراءتها على خلفية الحروف التركية، بل عن أبناء غرب كوردستان، وإلى حدٍّ عن جنوبه، وليس شرقه الذي يقرأ ما يُكتب في مدارس الجنوب على خلفية الحروف الإيرانية.

نحن أمة نعاني العديد من الويلات، وهذه الإشكالية واحدة منها، فعلى الإدارة الذاتية قبل أي طرف آخر من الحراك الكوردي دراستها، والعمل على إيجاد حل لها، ولن يتم ذلك من دون مشاركة المختصين والأطراف الأخرى من الحراك الكوردي.

لا شك أنه لن يكون سهلاً تجاوزها وغيرها من القضايا من دون الحرية السياسية، إلى سوية استقلال كوردستان أو ما يشابهها، دونها سنظل عرضة لمخططات تدميرية متواصلة، وبأخبث الأساليب، وستنجح كثير منها، ومن بينها هدم لغتنا، ونعني بها في الوطن، إلى جانب ما جرى ويجري لنا في المهجر، ففي الخارج نحن المذنبون كعائلات أو منظمات، وفي الداخل حراكنا والقوى المهيمنة هي المسؤولة.