وافقت حركة حماس على التعديلات الأميركية الأخيرة التي جرت على الوثيقة التفاوضية، بما يسمح بعودة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، بضمانات أميركية وعبر قطر ومصر، بأن العملية ستقود إلى وقف إطلاق النار تدريجيًّا، يتخلله انسحاب إسرائيل من كامل غزة، بما في ذلك محور فيلادلفيا. رحَّب مسؤولون في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، في تصريحاتهم، بموقف حماس الجديد، واعتبروه أساسًا جيدًا لبَدء المفاوضات، لكن مصادر سياسية إسرائيلية اعتبرته غير ذلك، وهو ما يعكس الخلاف بين المؤسسة العسكرية والسياسية في إسرائيل بشأن الحرب على غزة، إلّا أنّ رئيس وزراء الكيان يبدو مُصِرًّا على موقفه ولا يعبأ بموقف المسؤولين العسكريين.

من المُلاحظ أنّ هناك خلافًا حقيقيًّا بين المسؤولين في الجيش والمسؤولين السياسيين، وعلى رأسهم رئيس وزراء الكيان، حول الورقة الأميركية للمفاوضات بشأن وقف إطلاق النار وتبادُل الأسرى. ذلك أنّ المقاوَمة الفلسطينية قد أنهكت القوات الإسرائيلية على أرض المعركة في غزة، حيث تُلحق بها خسائر فادحة في أرواح الجنود والعتاد الحربي. ففي كل يوم تتلقّى إسرائيل ضرباتٍ قاسيةً من خلال أتباع فصائل المقاوَمة لحرب العصابات التي حار الجيش الإسرائيلي في كيفية التعامُل معها. فقد دخلت الحرب في غزة شهرها العاشر ولم تُحقق فيها إسرائيل أيًّا من أهدافها المعلنة في القضاء على حركة حماس واسترجاع الأسرى بالقوة، مما جعل المسؤولين الكبار في جيش الكيان يُنادون بقَبول الوقف الدائم للحرب والتفاوُض حول صفقة تبادل الأسرى مع حماس، الشيء الذي يدلّ على أن الجيش بدأ يسأم من سياسة بنيامين نتنياهو ومُؤيِّديه من المُتطرّفين في إدارته الذين يرغبون في استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها.

إقرأ أيضاً: دَعمُ المَغرب لأهالي القُدس نموذجٌ يجب الاقتداءُ به

الجيش الذي خاض الحرب لمدة قُرابة عشرة أشهر ولم يصل إلى أي نتيجة تُذكر، اللهم سوى تلقي المزيد من الخسائر في صفوفه، في ظلّ استخدام حماس والفصائل الأخرى لتكتيكات جديدة في شنّ هجماتها المُباغتة بأسلحةٍ جديدة، لم يَستوعب بعد كيف تحصل على هذا الكمّ الهائل من الأسلحة المتنوعة والمختلفة التي تفتك كل يوم بالعشرات من جنوده وضُباطه وتدمير العديد من آلياته الحربية المتطورة. من خلال الأساليب والتكتيكات التي تتبعها المقاومة، اتّضح للمسؤولين العسكريين الإسرائيليين أن فصائل المقاوَمة قد أخذت منحى حرب استنزاف طويلة الأمد لا يمكن التكهُّن بمدة نهايتها، لهذا فهم مُتأكِّدون أنّ الوقف الفوري للحرب هو السبيل الوحيد للحد من الخسائر التي يتكبّدها جيشهم دون أن يحقّق شيئًا من الأهداف التي سطّرها المسؤولون السياسيون سوى انتقامه من أطفال ونساء وشيوخ غزة بقصف منازلهم فوق رؤوسهم والهجوم على مراكز إيوائهم ومخيمات لُجوئِهم. ما وَقع السبت، السادس من تموز (يوليو) 2024، في مدرسة الأونروا بالنّصيرات والذي ذهب ضحيته العشرات من الشهداء والعشرات من المُصابين، إلّا الدليل القاطع على الانتقام من المدنيين الآمنين، وبرهان واضح على أن جيش الكيان قد تلقّى ضربة قاسيةً من قِبَل المُقاوَمة، ولم يكُن في مقدوره سوى العقاب الجماعيّ للشعب الفلسطينيّ الأعزل.

أبدى المسؤولون العسكريّون الإسرائيليّون في تصريحاتهم نوْعًا من المُرونة في التعامُل مع الورقة الأميركية حول المفاوضات مع حماس والدعوة إلى وقف الحرب، إلّا أن مجزرة مدرسة الأونروا للاجئين السبت تُشكِّك في مصداقية هذه التصريحات، التي تُبيِّن بِجلاء أن المسؤولين السياسيين في إسرائيل وعلى رأسهم نتنياهو قد بسطوا نفوذهم وسيطرتهم على المسؤولين العسكريّين في إصرارهم على استمرارهم في حربهم الشعواء وإبادتهم للشعب الفلسطينيّ في غزة، ضاربين عرض الحائط كل القوانين الدولية وتحديهم للمجتمع الدولي وكل القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية.

إقرأ أيضاً: الانقسام لا يخدُم القضية الفلسطينيّة

إنَّ المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس التي ترعاها قطر ومصر لا يمكن أن تُحقّق أهدافها في الهدنة الدائمة ووقف حرب الإبادة التي تنهجها إسرائيل في حقّ الشعب في غزة. هذه المفاوضات الماراثونيّة تستغلّها إسرائيل من أجل إطالة أمد الحرب وقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين ومحاولة الضغط على حركات المُقاوَمة لتَلْيين مواقفها في هذه المفاوضات العبثيّة التي لن تؤدّيَ إلى أيّة نتائج في ظلّ تشبُّت إسرائيل بمواقفها البعيدة كل البُعد عن مطالب حماس في إيقاف مُستدام للحرب قبل الدخول في مفاوضات حقيقية حول صفقة تبادُل الأسرى.