أصدرت حركة حماس بياناً علّقت فيه على المرسوم الذي أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس القاضي بتشكيل حكومة جديدة، فقالت إنّ "الأولوية الوطنية القصوى الآن هي لِمُواجهة العدوان الصهيوني الهمجي وحرب الإبادة والتجويع"، واستنكرت "اتخاذ القرارات الفردية". وردّت حركة فتح على البيان بِبيانٍ مُضادّ تساءلَت فيه بِقولِها: "هل شاورت حماس القيادة الفلسطينية أو أي طرف وطني فلسطيني عندما اتخذت قرارها القيام بمغامرة السابع من أكتوبر الماضي، والتي قادت إلى نكبة أكثر فداحة وقسوة من نكبة العام 1948؟ وهل شاورت حماس القيادة الفلسطينية وهي تفاوض الآن إسرائيل وتقدم لها التنازلات تلو التنازلات وأن لا هدف لها سوى أن تتلقى قيادتها ضمانات لأمنها الشخصي، ومحاولة الاتفاق مع نتانياهو مجددا للإبقاء على دورها الانقسامي في غزة والساحة الفلسطينية".

حركة حماس حركةُ مُقاوَمةّ تُدافِع عن أرضِها المُحتلّة، وتسعى من خلال مُقاوَمَتِها المُسلَّحة لِلمُحتلِّ الغاصب إلى إخراجِه من أرضها من أجلِ إنشاء دولة فلسطينيّة مُستقِلَّة وذات سيادة كامِلة. أمّا عن هجوم حماس على المُعسكرات والقواعد العسكريَّة لِلكيان في غِلاف قطاع غزة، فهو هجوم مشروع، لا غُبارَ عليه، ذلك أنّ تلك القواعد والمُعسكرات تتواجد على أراضٍ فلسطينيَّةٍ ولا يملك منها الكيان الإسرائيليّ ولا شِبراً واحداً.

في ظلّ الإبادة الجماعيّة للشعب الفلسطينيّ في القطاع والاغتيالات اليوميّة للمواطنين الأبرياء في الضفّة، التزمت "السلطة الفلسطينيّة" الصّمت ولم تُحرّك ساكِناً أمام هذا العدوان الصهيونيّ الغاشم، ولمْ تَجرُؤْ على أية خطوة، لِمُناصَرة أهالي غزّة، ولوْ بإيقاف التنسيق الأمني مع الكيان، فبالرغْم من تأكيد قيادة "السلطة الفلسطينية" يوم 18 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي على استمرار وقف التنسيق الأمني بسبب الحرب على غزة، إلا أن الجانب الإسرائيلي أكد أن التنسيق لم يتوقَّف أصلاً، بل تَعَزَّز منذ "طوفان الأقصى" في وقت تعالَت فيه الأصوات حتى في حركة فتح للمطالبة بإعادة النظر في فكرة التنسيق الأمني.

هل نسيَ رئيس السلطة الفلسطينيّة اجتماعه مع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في منزل هذا الأخير، وذلك لمناقشة "إجراءات اقتصادية ومدنية وتعزيز التنسيق الأمني" عام 2021. كما جاء هذا اللقاء بعد نحو أربعة أشهر على اجتماع الرَّجُلين في مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة. وناقش الاجتماع حينها القضايا الأمنية والاقتصاديّة. حيْثُ قالت إسرائيل "إن عباس أكد استمرار التنسيق الأمني ومُلاحقة المُقاوَمة في الضفة الغربية، وقد نَدّدت باللقاء كل فصائل المقاومة". فهل قامَ عباس بمُشاوَرة الشعب الفلسطيني وفصائله قَبلَ اللّقاءات التي أجْراها مع مسؤولي الكيان الإسرائيليّ؟

من خلال المُباحَثات التي قامَ بها رئيس السلطة الفلسطينيّة، يَتَّضِح على ما يبدو، أنّه، يَدور في فَلَكهِ الخاصّ، بعيداً عن إطار المُقاوَمة المُسلّحة، ولا يزال يُؤْمِن بما يُسمّيه "المُقاوَمة السِّلْميّة"، غامِضة المعنى ومُلتبِسة المَفهوم، فإذا كان السيد "الرئيس" يقصِدُ بها العودة إلى طاولة المُفاوَضات العقيمة مع الكيان، من أجلّ حلّ الدّولتيْن، فقد سبقَ أنْ خاضَت منظمة التحرير الفلسطينيّة لِقاءات مَكوكيّة مع إسرائيل ولمْ يتحقَّق منها سوى المزيد من بناء المُستوطنات والطّرق الالْتفافية وتشييد الجِدار العُنصُري مِمّا نَتجَ عنْه قَضْم مساحات شاسِعة من الأراضي المُتفاوَض حولها، أيْ أقلّ من 22 بالمئة من الأراضي التاريخيّة الفلسطينيّة، فرئيس السلطة الفلسطينيّة راضٍ بِالمَنصب الذي تقلَّدَه، كرئيس لسلطة فارغة لا تخدُم سِوى أهداف إسرائيل ولا صلة لها بتحرير الأرض وإنشاء الدولة.

لقد قدَّمت منظمة التحرير الفلسطينيّة العديد من التنازُلات في اتّفاقية أوسلو التي اعترفت فيها بدولة إسرائيل على 78 بالمئة من أراضي فلسطين، أي كل فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة، تنسحب إسرائيل خلال خمس سنوات من أراضٍ في الضفة الغربية وقطاع غزة على مراحل أولها أريحا وغزة اللّتيْن تشكلان 1.5 بالمئة من أرض فلسطين. مُقابلَ إِقِرار إسرائيل بحق الفلسطينيّين في إقامة حكم ذاتي الذي أصبح يُعرَف فيما بعد باسم السلطة الوطنية الفلسطينية على الأراضي التي تَنسحِب منها في الضفة الغربية وغزة (حكم ذاتي للفلسطينيين وليس دولة مُستقِلة ذات سيادة).

لقد تغاضى رئيس السلطة الفلسطينيّة المُنتهيةُ ولايَتُه منذُ 9 كانون الثاني (يناير) 2009، أنَّ أخطاءَهُ السياسيّة عديدة، نذكُر منها على سبيل المِثال، التنسيق الأمني، بدعوى وُرود ذلك في اتفاقية أوسلو، والذي لا يخدُم القضية الفلسطينيّة في شيء، اللهمّ مُساعدة الكيان الإسرائيليّ في كَبْح جماح المُقاوَمة في الضفّة، إضافةً إلى عوْدَتِه إلى إحياء المُفاوَضات مع إسرائيل، بالرغمَ من إدراكه بأنّها لَن تُؤدّيَ إلى أيّة تسويَّة عادلَة للقضية الفلسطينيّة، لا إنشاء لدولة فلسطينيّة مُستقِلّة ولا وَقْف لِبِناء المستوطنات ولا إطلاق سراح السّجناء الفلسطينيّين القابعين في السجون الإسرائيليّة.

إن تجاوُز الخلافات بين فتح وحماس، وجميع الفصائل الفلسطينية، هو السبيل الوحيد لِتقويّة الجبهة الدّاخليّة الفلسطينيّة، ذلك أن انقسام الفلسطينيين لا يخدم لا حماس ولا فتح ولا الفصائل، ولا القضية الفلسطينية بشكل عام.